
نقرأ في مقدمة دليل مؤتمر الحوار، مانصه، ان من موضوعات الحوار، 5:(بناء الدولة، الدستور، مبادئه واسسه)، كموضوع رئيسي. و(هوية الدولة، شكل الدولة، نظام الحكم في الدولة، النظام الانتخابي، النظام الاداري، السلطة التشريعية، السلطة القضائية)، كموضوعات فرعية. وكذا، 12-(تشكيل لجنة لصياغة الدستور)، كموضوع رئيسي، و(معايير العضوية والتمثيل، طريقة الاختيار، تحديد مهامها وآلية عملها).
هذا وماسبقه، ورافقه وتلاه من تسويق اعلامي، جعل ويجعل، الكثير من الناس يعتقدون ان المهمة الاساسية التي سيضطلع بها هذا المؤتمر، تتحدد، اساسا، في وضع دستور، كعقد اجتماعي، توافقي، يحدد اسس الدولة التي ينشدها الجميع. والكثير من هولاء قبلوا، ويقبلون الاستمرار في، المشاركة، اعتقادا بان المؤتمر يوفر لهم فرصة، لاتقدر بثمن، للاسهام في هذه المهمة الجليلة. اي من خلال المشاركة في، اما صياغة هذا الدستور المأمول، أو باقرار مسودته، كمقدمة لطرحه على الاستفتاء الشعبي. والنص في المادة 11 من النظام الداخلي، المشار اليه، يعزز هذا الاعتقاد، اذ افرد البند 4منه، لانشاء فريق عمل خاص ب(بناء الدولة، الدستور، مبادئه واسسه).
وفي التفاصيل، ليس الامر كذلك، مع الاسف. ذلك ان النظام الداخلي هذا، المفروض على المؤتمر من خارجه خلافا لكل الاصول، لايورد اي تفصيل لمهام فرق العمل، وضمنها فريق (بناء الدولة...). اذ ليس في هذا النظام اي ذكر لمسودة دستور، تطرح على المؤتمر لاقرارها، بالتصويت عليها، تمهيدا لطرحها للاستفتاء الشعبي العام. مايجعل من الحديث عن (بناء الدولة، الدستور، مبادئه واسسه) امرا نظريا، يتيح لاعضاء المؤتمر الحديث عن قضايا بناء الدولة هذه، ولكن لمجرد الفضفضة والتنفيس، والتعبير عن الاماني، عبر البث المباشر، لا أكثر.
ذلك ان النص، في المادة 6من مواد الفصل الثاني، المتعلق ب(الاهداف والمبادئ)، يحيل إلى الآلية التنفيذية لمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، ويوجب ان يتوصل المؤتمر، كنتيجة نهائية، الى: (ا-تحديد عملية صياغة الدستور، بما في ذلك انشاء لجنة صياغة الدستور وعضويتها. ، 2-وضع العناصر الرئيسية للاصلاح الدستوري، بمافيها هيكل الدولة وغير ذلك من القرارات الجوهرية المرتبطة بالنظام السياسي...). هكذا، دون النص على وجوب، طرح مسودة الدستور الذي يتوصل اليه هذا الفريق على الجلسة العامة، للتصويت عليها واقرارها، وفق آلية التصويت المعتمدة، تمهيدا لطرحها على الاستفتاء.
وبالرجوع إلى نصوص الآلية التنفيذية نجد انه وان كانت المادة19منها قد اسندت للمؤتمر مهمة (البحث) في((أ) عملية صياغة الدستور، بما في ذلك إنشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد عدد أعضائها.
(ب) الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها)، الان النص في المادة22، من ذات الآلية، قد جاء على نحو:
(اللجنة الدستورية:
22 – تنشأ حكومة الوفاق الوطني لجنة دستورية فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر وتكون مهمتها صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، وتقوم اللجنة باقتراح الخطوات الضرورية لمناقشة مشروع الدستور والاستفتاء عليه لضمان مشاركة شعبية واسعة وشفافة).
مايعني انه بالاضافة إلى ان المهمة تتمثل في مجرد(البحث)بالنسبة للمؤتمر، وفي ال(انشاء) بالنسبة للحكومة، فان صلاحية انشاء اللجنة الدستورية هذه تعود، حصرا، إلى الحكومة، باعتبار ان النص اللاحق هذا ينسخ السابق. والنص واضح لجهة تبيان ان تنشئ الحكومة اللجنة الدستورية (فور انتهاء مؤتمر الحوار، في مدة اقصاها ستة اشهر...).
وفضلا عن ذلك، فقد صيغ النظام الداخلي للمؤتمر نفسه، على نحو يصادر الارادة العامة لاعضائه.اذ فرض هذا النظام على المؤتمر من خارجه، فمع كونه قد نص في الماد2 منه على ان الجلسة العامة هي السلطة العليا للمؤتمر. وهذا صحيح، الا انه حيل بين الجلسة العامة هذه وبين حقها في اقرار النظام في اول انعقاد لها، حسبما تقتضي الاصول. وذلك من خلال اصدار هذا النظام بقرار رئاسي، ضمن ماوصفوه بحزمة القرارات الرئاسية الملزمة، قبل انعقاد المؤتمر. وكذلك الامر في ما يتعلق بمصادرة حق الجلسة العامة هذه في انتخاب هيئة رئاسة المؤتمر. اذ فضلا عن ان هيئة الرئاسة فرضت فرضا على المؤتمر، حسبما ذكر، فان اسناد الرئاسة لهادي، يجعل هذا الاخير يرأس المؤتمر بسلطة وصلاحيات رئيس جمهورية، وليس بصلاحيات رئيس جلسة.
وفوق ذلك كله، وامعانا في الحرص على مصادرة الارادة العامة لاعضاء المؤتمر، فصلت العديد من مواد النظام، كمافي المادتين34، 41 على مقاس لجنة التوفيق، التي يتحكم بها الرئيس. وهي لجنة لا سابق لها، في مانعلم، ولا هدف واضح منها، الا في كونها اداة لمصادرة الارادة العامة تلك.
كل ذلك، وغير ذلك مما لايتسع المقام للاطناب فيه، يجعل من مؤتمر الحوار هذا مجرد حدثا زائفا، يقدم للناس على انه ذا اهمية كبرى تتصل بحاضرهم ومستقبلهم، ويروج له من خلال حملات اعلامية ضخمة، في حين انه فارغ من اي مضمون حقيقي وفق ما يتطلع اليه الناس.
واذا كان الاصل في عملية اعداد الدساتير، يقتضي ان تتم من خلال لجان أو جمعيات تأسيسية منتخبة، ومع ان الناس، في بلدنا، قد قبلوا ان تتم عملية اعداد الدستور من خلال مؤتمر الحوار، الذي شكل على النحو الذي يعرفه الجميع. الا ان النظام الداخلي المصاغ على النحو المعروض، قبلا، يفوت اي امكانية لصياغة الدستور ، كعقد اجتماعي، وفق الاصول المتعارف عليها.




