هوية الدولة اليمنية.. المفهوم والمبادئ والواجب تجاهها

 جلال عبدالقدوس الجلال

تمهيد:‏

تمثل هوية الدولة المركب الانتمائي فيبرز هذا الانتماء ‏حين تتجسد الهوية في دولة تحمي ‏أصحابها وترعاهم، وعندها يشعر المواطن بانتماء قومي لهذه الدولة التي تصبح بمثابة ‏‏"الأب ‏والأم" لهذا المواطن.‏

وقد تضيق بنا ازماتنا وقضايانا ولكن بهويتنا يتسع حلنا لهذه القضايا ولأهمية الهوية اقدم هذه ‏الرؤى ‏البسيطة والتي تعتبر خلاصة ما قرأت حول هذا الموضوع برؤية متواضعة اظنها ‏بلغت الغاية في طرح ‏الهوية للدولة اليمنية وابعادها المتنوعة:‏

مفهوم الهوية في بناء الدولة:‏

يتضمن مفهوم الهوية ( التي هي في أساسها بحث المعني الفرد في علاقته بذاته وبالمجتمع ) ‏الا أنها تُعرف هنا في ‏سياق بناء الدولة اليمنية بأنها:‏

‏ "الشعور بالانتماء المشترك بين أعضاء المجتمع السياسي الواحد إلى الدولة الواحدة التي ‏تُمثل ‏دوائر الانتماء للإنسان اليمني من خلال البعد الإسلامي والعربي والوطني في اطار ‏الجغرافيا ‏التي يعيشون فيها معززة انتماءه إلى دينه ووطنه والعالم الاسلامي والعربي. ‏

وايضا تُمثل الشعور بمبدأ الشراكة بين المجتمع السياسي كممارسة من أجل تحقيق الأهداف ‏‏العليا المشتركة للوطن".. ‏

ولقد تشكلت تحت تأثير ثلاثة سياقات :-‏

سياق اجتماعي : فهوية المجتمع اليمني تأسست بعلاقاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ‏‏والأخلاقية والدينية ، كل هذا المركب من العلاقات يفضى شيئا فشيئا مع التطور التاريخى إلى ‏‏تكوين هوية يمنية.‏

سياق تاريخي : مما يعني أن الهوية ظاهرة تاريخية لا تنشأ مرة واحدة ، والهوية تتعرض ‏لتغيرات ‏واسعة النطاق لكن هذه التغيرات تبقي في حدود محيطة بهذه الهوية ذاتها فاليمنيين ‏من اب ‏واحد توزعوا ابنائه بين مساحتها تقاربت عاداتهم وتقاليدهم ولكنها لا تتعارض. ‏

سياق ديني : فهويتنا نحن العرب اليمنيين الآن ليست هوية تم إنتاجها في مرحلتنا الراهنة ، ‏ولا ‏في سياق التطور التاريخي فقط أو الاجتماعي ، وإنما أيضا هي في إطار ديننا الاسلامي ‏الرباني ‏ولذلك فهويتنا تمثل هذا البعد المركب من الاجتماعي ، والتاريخي ووالديني. ‏

‏ ‏

المبادئ العامة لهوية الدولة اليمنية:‏

هوية الدولة تمثل حجر الزاوية في بناء الدولة اليمنية العادلة والقانونية ولعل من المناسب ‏هنا أن نقرر ‏مبادئ عامة حول الهوية للدولة اليمنية الحديثة. وهي المبادئ التي يمكن حصرها ‏بالآتي:‏

‏1.‏أن تكون الهوية منسجمة مع معطيات الفكر السياسي والقانوني الحديث التي قررها ‏الاسلام ‏والتي لا تخالفه والذي يستند إلى قاعدة العدالة بوصفها معيارا جوهريا ومبدأ قانونيا في ‏تأمين ‏المساواة العادلة في الحقوق والواجبات لجميع أبناء الشعب اليمني ممن يحملون هذه ‏الهوية ‏وفق شريعتنا الاسلامية الغراء.‏

‏2.‏أن تكون الهوية معبرة عن الواقع الراهن للشعب اليمني بوصفه كلاً غير قابل ‏للتجزئة. بمعنى ‏أنها لن تكون انعكاسا لتصور فئة ما دون غيرها. وهذا يجعلها هوية وطنية ‏بحق وليست ‏تعبيرا عن موقف سياسي ضيق.‏

‏3.‏ان تكون معبرة عن الهوية الداخلية لليمن وان لا تكون هويات مستوردة معبرة عن ‏هويات ‏الخارج اكثر من الداخل بمعنى ان (تكون هويةً خالصةً) .‏

‏4.‏أن تكون الهوية عامل توحيد وتقوية وتفعيل للحراك السياسي الاجتماعي والاقتصادي ‏في ‏البلاد على الأسس الواردة في المبادئ أعلاه، وأساسا راسخا لتعزيز الكيان السياسي الموحد ‏‏للدولة واستكمال بناء مؤسساتها المعبرة عن وحدتها من جهة واستعادة سيادة البلاد و‏وتقوية ‏دورها الإقليمي والدولي من جهة أخرى.‏

‏ ‏

مكونات هوية الدولة اليمنية الحديثة:‏

تتشكل الهوية للدولة اليمنية العادلة من هويات متنوعة وليست متنازعة تتمثل في الاتي:‏

‏- ‏الهوية الدينية: وتتمثل في انتسابنا إلى الدين الاسلامي وجعل السيادة له في جميع ‏مجالات ‏الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وجعل الاخوة الاسلامية هي اعلى مظاهر ‏الانتماء. ‏

‏- ‏الهوية العربية: المتمثلة في انتسابنا إلى الامة العربية لغة وقضية.‏

‏- ‏الهوية الوطنية اليمنية الموحدة: المتمثلة في انتسابنا إلى الوطن الموحد الذي يقوم على ‏اساس ‏الشراكة في البناء والادارة والشعور بالانتماء فهي تتمثل في:‏

‏1.‏الهوية الجمعية المتماسكة ‏in-groupالتي ترتكز على مجموعة من الصفات التي ‏تجمع بين ‏أفراد اليمنين التي تحقق الانتماء المشترك الواسع لا الضيق.‏

‏2.‏الهوية الاجتماعية ‏social Identification ‎والتي تقوم بعملية وجدانية تيسر من ‏‏الارتباط بالجمعي ، فهي تشتمل علي درجة من الترابط تجعل الجماعة أم للفرد والفرد جزءا ‏‏من تلك الجماعة وهذا التكامل والتبعية يشكل أساس الرؤية الإيجابية للجماعة اليمنية ‏والرغبة ‏من جانب الفرد في التوحد معها واعتبار ذاته جزءا منها وعضوا فيها . ويؤدي ذلك ‏بالتالي إلي ‏الشعور الإيجابي بالذات والتقدير الذاتي وهنا يقع بيت الداء اذا فقدت هذه ‏الروابط الجمعية. ‏

‏ ‏

‏•‏سمات الهوية للدولة اليمنية:‏

oاسلامية (سيادة كاملة للشريعة واخوة اسلامية) .‏

oوطنية تنتسب إلى اليمن انسانا وارضا.‏

oشوروية.‏

oوحدوية تنظر لليمن ككل لا يتجزأ.‏

oعادلة (تحمل صفة المشاركة لجميع اليمنيين)‏

oتحملها وتعبر عنها اللغة العربية .‏

oحاضرة وليست غائبة.‏

oهوية خالصة غير مستوردة.‏

oهويات الانتماء متطابقة وغير متنازعة. ‏

oتستفيد من الاخر بحيث لا تلغي شخصيتها .‏

oمستقلة غير تابعة.‏

oتقوم على المؤسساتية.‏

oلا تلغي دور القبيلة والانتماء لها وان كانت ترشدها.‏

oتحمل ثقافات داخلية متنوعة وتقاليد وعادات مختلفة ولكنها غير متعارضة بل حاملة ‏‏لبعدنا التاريخي والحضاري. ‏

oذات بعد ترابطي واقعي اجتماعي وجماعي لا قيمي فقط.‏

واجنا نحو هويتنا:‏

أن لا تكون :شعار بدون برنامج للتطبيق‎! ‎

هويتنا لا تحتاج إلى احضار كونها حاضرة ولا استرداد كونها موجود هو كون المستورد لا ‏‏يمثل هوية .‏

لكن يجب العلم أن كل شعار يُطرح يجب إسناده إلى برنامج تطبيقي قابل للتنفيذ، ‏وعندما ‏يجتمع مكونات سياسية ويقدّمون الهوية للدولة اليمنية كشعار ولا يرفقونه ‏ببرنامج عملي أو ‏تطبيقي، ينقلب إلى شيء منفصم عن الواقع ومسيء لحامليه.‏

بمعنى ان نشكل برنامج زمني للدولة اليمنية يحقق البعد القيمي للهوية في تطبيق دينها ‏‏وتمثيل بُعد الشراكة بين مكونات المجتمع السياسي اليمني وفق الية مزمنة التي تحقق ‏معنى ‏الهوية السابقة بأبعادها المتنوعة .‏

بحيث نصل إلى ان تكون لها الأولوية على كل الانتماءات الجغرافية والمناطقية.‏

إن هوية الدولة ليست مشكلة في واقعنا اليمني اليوم كمفهوم ثابت ومتعارف عليه ‏وانما ‏المشكلة في تطبيقها بحيث تصبح لها الاولوية على كافة الانتماءات الاصغر أو ‏الضيقة ‏‏(الانتماء للقبيلة ، الانتماء للمذهب ، الانتماء المناطقي. ) ‏

فلو لاحظنا ان مشكلتنا في جميع الازمات التي ما زالت عالقة تكمن في الاطارات ‏الضيقة ‏التي ابتعدت بنا عن الهوية الواسعة .‏

وسيتضح هذا من خلال الحديث وعلاقتها بالقضايا الداخلية:‏

‏1.‏هوية الدولة وعلاقتها بالقضية الجنوبية:‏

ان هوية الدولة مع حضورها القيمي والنصي والدلالي والمعرفي الا انها لم تكن مطبقة ‏ولا ‏تحمل حضورا تطبيقيا فلذلك ظهرت الاولوية للإطار المناطقي في الجنوب و‏انصرف اخواننا ‏في الجنوب إلى ولاءات ضيقة ومناطقية. ‏

‏ ‏

‏2.‏هويتنا وعلاقتها بقضية صعدة:‏

وهكذا نجد الامر في قضية صعدة ؛ فسياسة التوازنات وعقلية فرق تسد وضعف ‏حضور ‏الدولة سبّب ان كانت الاولوية للانتماء المذهبي والعودة إلى الانتماءات ‏السلالية أو الانتماء إلى ‏متابعتها عن الانتماء إلى هوية الدولة.‏

مما يعني ان نحن نحتاج إلى دولة ممارسة لوظيفتها الحارسة والراعية لموطنيهاوفق رمزها ‏‏الدلالي وهو هوية الدولة اليمنية. ‏

‏وفق الله الجميع

‏*رئيس دائرة العلاقات الخارجية بحزب الرشاد ‏اليمني