الجيش اليمني.. الشيباني أنموذجاً!

الجيش اليمني.. الشيباني أنموذجاً!

كان أهالي مديرية رازح الجبلية الواقعة على الحدود اليمنية السعودية يعتقدون أن النقيب الشهيد علي الذيب الذي نفذ عملية فدائية دون إذن القيادة، ضد وكر للحوثيين استعصى على القصف في الحرب الرابعة بصعدة في تبة سميت بعدها باسمه.. كانوا يعتقدونه فلتة تاريخية..

لكنهم بعد أيام فقط من تلك الحادثة، شاهدوا بأعينهم الجندي ناجي الوصابي يصعد جبل "شوابة" رافعاً العلم الجمهوري، وما تزال الراية الذي نسجها اليمنيون "من كل شمس" مرفوعة لأمتار، والرصاصات الحوثية تتقاطر على جسده، وقبل أن يسقط ثبت الراية وكأنه يكمل بيت الفضول: "أخلدي خافقة في كل قمة".. وقد أطلق العميد الجايفي اسمه على إحدى كتائب العمالقة.

كان هذا في الحرب الرابعة بصعدة بداية 2007، أما موقف الشيباني، وهو قائد إحدى الكتائب التي كانت مرابطة في رازح وفيما يلي رواية المواطن عبدالله دامد وهو شاهد عيان من مديرية رازح تحدث ل "نشوان نيوز":

"كنا نصحو على صوت أيوب طارش من مسجلة الطقم الذي يقوده الشيباني منشداً:

يا جلال الحق صوت القدر.. يا وثوب الشعب في سبتمبر

أنت يا أيلول فجري .. في دمي سجلت تاريخي وفخري

دمت يا أيلول تاريخي ومجدي وإبائي..

 

(قصيدة الشاعر عثمان أبو ماهر) وهو القائل

لك روحي كله يا يمني.. لك جهدي في سباق الزمنِ..

أنا شدو في لسان المؤمن.. أنا نبض في ضمير الوطنِ

أيها السائل عني.. يمني شعري وفني..

لا تسلني لا تقل ما جرى.. فطموح الشعب حكم القدر

جدد العزم وسر في دربها.. يا شباباً من سنا سبتمبر

وكان ذلك الصوت الذي يصل مسامعنا قبل طلوع كل شمس، يخبرنا أن القائد الشيباني، يطوف المنطقة بطقمه العسكري.. وقد كان شجاعاً حكيماً في التعامل مع المواطنين، فقد استطاع أن يكسب حب واحترام كل من عرفه ، وقد قام بتجنيد ما يقارب 30 من أبناء المنطقة.. وبالنسبة للحوثيين فقد كان له مهابة في قلوبهم.. حتى قيل: "لو سلك الشيباني شعباً لسلك الحوثيون شعباً آخر".

الشيباني هو الرجل الذي صمد بعد الانسحاب التكتيكي للجيش من الملاحيظ والمثلث، والتي تعتبر خط الإمداد الرئيسي لرازح، حيث بقي رغم كل نصائح الخائفين على حياته وتهديدات أعدائه الذين يسيطرون على ما حوله.

وكلما زاد إصرار الشيباني على عدم تسليم المواقع العسكرية للمتمردين، زاد حقدهم عليه إصرارهم على قتله، لكنهم جميعاً لم يتجرؤوا على مواجهته، وقد خططوا لاستدراجه واغتياله غدراً، ضاربين باتفاق مسبق بينهم وبينه عرض الحائط.. وما زال الحوثيون يقتلونه ميتاً ويضربونه بالسلاح حتى لا يبعث من جديد.." حسب تعبيره.

سقط الشيباني شهيداً، لكن لا أحد من أبناء رازح سينساه، وقد ظل الناس يتحدثون عنه وعن موقفه البطولي لأيام، وسيظل أهم ذكرى في ألسنتهم من هذه الحرب.. يقول عبدالله دامد: "كنت أرى الحزن على وجوه الأطفال والشباب والشيوخ والنساء، حتى كأن كل واحد منهم فقد أعز إنسان عليه".. ويضيف: "حتى أمي التي رأيتها تبكي على أخيها الذي قتل قبل عامين ليلة كاملة، ظلت تبكي القائد الشهيد الشيباني ليلة كاملة أيضاً".

رحل الشيباني ولم يبق لمحبيه إلا موقفين تكاد دموعهم أن تسقط كلما تذكروهما، وهما، كما يروي عبدالله، قوله عندما هدد بالقتل: "أنا من تعز، ولدت في تعز، وزوجتي وأهلي في تعز، وجئت لأموت هنا في رازح في سبيل الدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة".. أما الموقف الثاني فهو صوت أيوب الشجي وهو يردد النشيد "يا وثوب الشعب في سبتمبر"، والذي أصبح أغنية المواطن في رازح بعد رحيل الشيباني.. وقد سقطت رازح بيد الحوثيين بعد رحيله.

يقول محمد الرازحي: عندما انسحب الجيش وسيطر الحوثيون على البلاد وغابت مظاهر الدولة كنت أتمنى أن أشاهد حتى "بيادة" جندي كي أطمئن من أن الدولة لا زالت على ظهر الحياة.. وكنا نبتسم ونشعر بالأمان عند سماع الطائرة حتى وإن لم تقصف وتضرب.. فقط نطمئن بأن الدولة موجودة.