قصة كتاب الإكليل
نبيل البكيري يكتب حول : قصة كتاب الإكليل للسان اليمن أبو محمد الحسن الهمداني
كتاب الإكليل كما قال عنه المؤرخ المصري فؤاد سيد، أمين دار الكتب المصرية، في الستينات، إن الأكليل بالنسبة لليمن هو كتاب مجدها وحضاراتها وتاريخها، وسجل أنسابها وقبائلها وشعوبها. وبالنسبة للعالم فهو أثر خالد من أثار التراث الإسلامي المجيد وكنز حافل من كنوز المعرفة والعلم.
لكن الأكليل للأسف هذا السفر الخالد العظيم، في تاريخ اليمن والجزيرة العربية كلها، والذي أعدُّه إنجيل الأمة اليمنية، تعرض لمؤامرة قذرة ومنحطة من أعداء ليس اليمن فحسب وإنما أعداء الإنسانية جمعاء، باعتبار التاريخ ملكا مشتركا للبشرية كلها، فقد تم إخفاء ستة أجزاء من أجزائه العشرة ولم يتبق منها سوى أربعة أجزاء يتيمة، موضوع تحقيقها وطباعتها قصة تروى على امتداد القرن العشرين، وصولها لنا بالشكل الراهن.
فكتاب الإكليل للعلامة الكبير ولسان اليمن وزعيمها القومي، أبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني، وقد ألف جزءا كبيرا منه في سجن الإمامة في القرن الثالث الهجري، وكأن الكتاب بحسب مضمونه ومحتواه تفسير تاريخي لقوله تع إلى "أهم خيرٌ أم قوم تبع" في سياق الصراع الثقافي والسياسي مع فكرة الإمامة الهادوية لحيي بن الحسين الرسي.
بالعودة لقصة الكتاب وسيرته فقد قال المؤرخ ابن القفطي في القرن السابع الهجري، إنه وجد منقوصا منذ ذلك الوقت، مع أن ثمة رواية حديثة تقول غير ذلك، وهو أن الكتاب شُهد في مكتبة الإمام بصنعاء بأجزائه مكتملة بحسب رواية تنسب لعبد العزيز الثعالبي، لم يتم التحقق من صحتها، والذي زار الإمام يحيي في قصره بصنعاء في عشرينات القرن الماضي.
وأيا يكن الأمر فموضوع الكتاب والبحث عنه وطباعته تحتاج فيلما سينمائيا يروى قصة من أغرب القصص في عالم المعرفة، وهو كيف تطوع لهذا الكتاب أناس لا علاقة لهم باليمن إلا باعتبارها موصوفة عندهم بأنها مهد العرب والعربية، فقد سخرت الأقدار لهذا الكتاب العديد من الباحثين العرب والأجانب، والذين عملوا على تحقيق ونشر ما توفر لهم من أجزائه الأربعة المتبقية والتي كان أولها جزءه الثامن الذي حققه ونشره الأب إنستاس ماري الكرملي العراقي، صاحب مجلة العرب، وبعدها الباحث اللبناني الدكتور نبيه أمين فارس في أمريكا عام 1940م.
وأما جزءه العاشر فقد اعتنى به وحققه وطبعه الأديب والمؤرخ العربي الشيخ محب الدين الخطيب، عام 1968م، وساهم في ذلك المستشرقان الأوروبيان موللر ولوفجرين، واللذان أجريا دراسات وأبحاثا عدة على هذا الكتاب منذ فترة طويلة.
أما جزءاه الأول والثاني فقد كان من نصيب مؤرخ اليمن الكبير القاضي محمد بن علي الأكوع، شقيق القاضي أسماعيل صاحب كتاب هجر العلم ومعاقله، الأكوع محمد الذي بذل جهودا كبيرة بعد ذلك في تحقيق وطبع الأربعة الأجزاء مكتملة هذه التي بين أيدينا حاليا.