شعر وأدب

طموح (أقصوصة)

سعيد المحثوثي يكتب: طموح (أقصوصة)


تلك الليلة الباردة وضنك العمل ومشقّته، أصابت ذلكُم الإسكافي النحيل الذي أمضى سنين من عمرهِ في كدّهِ وتعبهِ، حيثُ لم يَنَل من خيوطهِ وإبرتهِ سوى القاحلات من الأماني..

أوَى إلى فراشِهِ الذي بَدَا كلوحةٍ بارزةٍ تحكي نصب هذا المسكين وتعبه، والإرهاق يعبث بكلِّ مفاصل جسده.. ما إن استسلم لنومه العميق، وأطلق قبل ذلك لباله كي يصول ويجول في قفار أمنياته.. حتَّى حلَّ عليه فصلٌ آخر من معاناته، وبدأ البعوض في مهاجمة جسده المتهالك، وثبَ من مضطجعه ولملَمَ فراشَهُ الذي كادَت أوصالهُ أن تتناثر، وهمَّ بالخروجِ من غرفته ِوالمبيت بالعراء، لكنه تذكَّرَ أن عدوه الجديد يملك الآلاف من الجنود في هذه البقعة التي تحكي الكثير من معاناته..!

أصرَّ على موقفهِ، وغادرَ زوايا غرفته، وتمدَّدَ على فراشهِ وهو يتمتمُ بهمسات، يرسم من خلالها إصرارهُ على مجابهةِ تقلّباتِ الحياة ومشاقها..

عادَت البعوضُ إلى هجومها العنيف دون أن يتأفف أو يبدي تذمّراً ووجلاً من حضورها.. كلّ هذا وهو يرسم ألواح مستقبله، ويغرس جذور طموحه في تراب ثقته المطلقة... ثقةٌ بيضاء في أن الغسقَ سيعود صباحاً إذا أصرَّ على ذلك (صاحب الخيط والإبرة).

*قاص وأديب من عدن

عناوين قد تهمك:

زر الذهاب إلى الأعلى