"الرهينة" أحمد سعيد كلابة!
فاروق ثابت يكتب: "الرهينة" أحمد سعيد كلابة!
لا يعرفونني منذ أول وهلة ولكن بمجرد أن اقول لهم إن جدي أحمد سعيد من قرية "كلابة" -شمال مدينة تعز- يقول لي المعمرون في الحوبان للتو: "أنت حفيد الرهينة".
أخذ الإمام يحيى الجد أحمد سعيد ك"رهينة" على أبيه قسراً وهو لا يزال صبياً، وكعادة الإمام يأخذ أبناء مشايخ القبائل رهائن حتى يضمن ولاءهم، ويظل الرهينة حبيسا لدى "العكفة" -جنود الإمام- وإن كان "الرهينة" محظوظاً بقي على قيد الحياة، وإن لم يحالفه الحظ كما هو حال كثير من الرهائن فالموت هو مصيره الحتمي.
يروي الراحل الأديب أحمد قاسم دماج أن عكفة الإمام أخذوه كرهينه ولكن صغر عمره جعل حظه أوفر أن يبقى على قيد الحياة، إذ تم اعتماده ك"دويدار" في القصر الإمامي، فيما ثمانية من العشرة الآخرين الذين قدم معهم لقوا حتفهم.
ذكر أحمد سعيد عن عذابات سجنه كرهينة أنه استقدم قسراً بمعية مجموعة من الأطفال كان هو أكبرهم من ضمنهم الراحل عبد السلام العنسي، الذي برز كأحد رجال السياسة وشغل منصب الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام، والقاضي عبدالله عبدالسلام صبره، وهو شخصيه نضالية معروفة.
عانى الرهينة عذابات استمرت سنوات طويلة بداخل المعتقل، ولم يخرج من سجن الارتهان الإمامي إلا يتيما وجد أباه قد فارق الحياة منذ فترة، والكارثة أن الواجبات أو "الفطرة" أو الزكاه التي تم جبايتها للإمام من الرعية هي التي تسببت في أن يدفع والد الرهينة نفسه إلى مصير مشؤوم كون المبالغ التي جمعت تم سرقتها عليه غيله فخشي على ولده القابع في سجون العكفة من القتل وخاف كذلك من بطش وإذلال الإمام له كونه شيخا كبيرا، واتهام الإمام له بالسرقة ففضل أن يموت على أن لا يذله الإمام وابنه مسجون لديه، وأطلق على نفسه المقولة المشهورة قبل أن يدفع نفسه للتهلكة "يبكوا ولا يضحكوا"، خاشياً من "جرجرة" أغلال الإمام وعكفته وضحك أقرانه المشايخ عليه.
لسوء حظ الرهينة أنه لم يتعلم فكافح متحملاً أعباء الأسرة، حيث خرج من السجن وهو في سن لم يؤهله فقط سوى لإعالة الأسرة وتوفير أسباب العيش الكريم.
وفيما سجل كثير من الرهائن سيرهم الذاتية وقصصهم ومذكراتهم لتقرأها الأجيال، فإن عزة نفس الرهينة جعلته يرفض ذكر اسمه أو السعي لتدوين تاريخه وحياته وكان "يعرعر" (يسب) كلما حاول أحد الضغط عليه في هذا الأمر لأسباب توضح أنه غير راض عما يدور ربما.
ومما ذكره الرهينة عن بعض مظاهر الحياة إبان الإمامة أن الناس كانت حفاة عراة، لا يمشون سوى بالمئزر أو المعوز وبقية الجسم عارٍ، وأن القدم دائما ما تدمى من الشوك والأحجار، مشيراً إلى أن بعض الناس كانوا يموتون بسبب إصابتهم ب"شوكة" في الرجل تتسبب بتسمم ثم ترتفع المضاعفات دون علاج حتى يصل المريض حد الوفاة، فيما ثمة كم هائل من الوفيات اليومية بسبب المرض والجوع والمجاعة..
كان الرهينة يحاول أن لا يشرح كثيراً حرصاً منه على عدم إخافة أحفاده مكتفياً بالقول، "احمدوا الله أنتم عايشين في نعمه اليوم".
عايش أحمد سعيد ما عرفت في حوبان تعز ب"سنة الحريق" وكشاهد عيان، للحادثة المهولة التي تسبب بها اختصام بعض عكفة تابعين لقائد الحرس الإمامي المعروف ب"الثلايا" مع رعية في منطقة "النجدين -شمال شرق تعز- أدى إلى مقتل بعض الجنود وجرح آخرين، الأمر الذي أثار حفيظة الثلايا ووجه بإرسال كتيبة تابعة له لدك كل قرى الحوبان قاطبة، وهذا ما حصل وسميت بسنة الحريق، ليدب خلاف بين الثلايا والإمام الذي استغل ذلك لمحاولة التخلص من قائد حرسه الثلايا والذي كان منسقاً مع شقيق الإمام عبدالله، حيث تم الانقلاب عليه وتولية عبدالله يحيى حميد الدين ملكاً لأيام معدودة ثم أعاد الإمام نفسه إلى السلطة من جديد بعد استمالة حرس القصر بالجنيهات الذهبية، وتم إعدام الشقيق عبدالله والثلايا على إثر ذلك.
كان الرهينة يسخر ويغضب من كثير من "المتنطعين" الذين حولوا أنفسهم ثواراً ومناضلين في وهلة فيما كانوا هم ذاتهم أيادي الإمام وعكفته للبطش بالرعية وظلمهم فيما هو عاش عزيزاً كريماً التحق للعمل مع مشروع مياه تعز ليأكل من عرق جبينه مفضلاً هذا الأمر عما أسماه "شحت" مناصب حكومية، رغم أن ذلك من حقه.
يا ترى ماذا سيكون موقف الرهينة إذا كان حياً وهو يرى الإمامة والعكفة والرهائن و"زكاة الخُمس" قد عادت من جديد وبصورة أنكى وأحقر عن ذي قبل؟!
- نقلاً عن نيوز يمن