اهتمامات

الحوثيون وسلالم التسلط

د. لمياء الكندي تكتب: الحوثيون وسلالم التسلط


تعد فكرة المظلومية التاريخية أساس في المنظومة الفكرية والعقائدية الشاملة التي تنطلق على إثرها جميع التحركات الشيعية في المنطقة، والتي تجد ما يبرر لمبدأ الخروج والتمرد الرافض للسياسات العامة للدول، وقيامها بمحاولات عديدة لتقديم نفسها كضحية مغلوبة، تقف الحكومات عاجزة عن فهم مقاصدها، أو إيجاد حلول مرضيه للتفاهم والتعايش مع أصحابها.

وإذا ما أسقطنا الثلاثة العناصر المكونة للحركة الشيعية العالمية بوجهها المذهبي المتعصب على جماعة الحوثيين، فإننا نكون أمام ثلاثة عناصر كانت ولا تزال المكون الاستراتيجي لقيامها حيث تنتظم حول الأتي:

أولا: المظلومية ونقصد بها المظلومية التاريخية التي تمتد لقرون عدة تعود لبداية الصراع حول السلطة بين الحسين بن علي رضي الله عنه وبين يزيد بن أبي سفيان وما تلا تلك المظلومية من ما اعتبره الشيعة محاولة سنية لاغتصاب الحق الإلهي من قبل البيت الأموي، ولم تقتصر آثار تلك المظلومة على الفتن والحروب التي أنتجها ذلك الصراع بل امتدت إلى يومنا الحاضر بنفس تلك الدعوى.

ثانيا: الأحقية بالحكم: وقد انتقلت هذه الفكرة من مجرد مطلب أو تصور سياسي إلى عقيدة وادعاء له ما يبرره في نظرهم، معتمدين في ذلك على كم هائل من الأحاديث والروايات والسياسات الأصولية، التي وجدت ما يبررها حتى من مصادر التشريع السني نفسها مشكلة بذلك الحق أساسا لمبدأ ثالث هو مبدأ الخروج.

ثالثا: مبدأ الخروج: يعتبر هذا المبدأ سليلا طبيعيا للشعور بالمظلومة التاريخية ومبدأ الأحقية في الحكم. وتأصل هذا المبدأ ليصبح أهم أركان قيام دولة الإمامة وفق المذهب الزيدي الجارودي، وهو المبدأ الذي برر ادعاءات الأئمة التاريخية في حكم اليمن لفترات تاريخية تزيد عن الألف عام. وتحت هذا المبدأ دخلت اليمن في سباق تنافسي بين الأسر الهاشمية سعى من خلاله مُدّعو الإمامة في إثبات أحقيتهم في الحكم ومشرع للحروب والقتل وإسقاط الدولة، تحت ادعاءات عريضة من القضايا الحقوقية ومحاربة الفساد والظلم، وإقامة حكم الإسلام. وحول هذه المبادئ الثلاثة تشكلت الهوية التاريخية لنظام الإمامة في اليمن.

ولأننا اليوم نقف أمام أحد أشكال هذه الادعاءات وأكثرها عنفا وتفتيتا ممثلة بالحركة الحوثية، التي حاولت ولازالت تحاول أن تنفي عن نفسها ولو من قبيل الترويج الساذج كونها حركة وطنية تعمل في ظل النظام الجمهوري وتدافع عنه تهدف في الأساس إلى مقاومة التدخل الخارجي في اليمن، واقتلاع أدواته الداخلية التي تمثل الدولة في صنعاء قبل إسقاطها إحدى أشكال هذه العمالة ووصفها بأنها دولة فاسدة بل وخارجة من الإسلام لرعايتها مصالح قوى الشر والمستكبرين ( أمريكا- وإسرائيل) وعملائهم في المنطقة.

إضافة إلى استغلالهم لشعارات تم استلهامها من واقع المعاناة الشعبية كانت ناتجة عن تراجع الأداء الحكومي، ولوبي الفساد المتمكن، وصعوبة الوضع الاقتصادي الذي افرز معاناة الناس، وقد اعتبر الحوثيون هذه المظاهر أداة مهمة للانتفاض على الدولة والخروج على محاولة الإجماع التي أثبتت حضورها إبان الحوار الوطني الشامل.

لقد تمسك اللوبي الهاشمي باستراتيجية ثابتة مكنته من التكيف مع أوضاع الخلل في الدولة ومفاقمتها، وإضافة رصيد كبير في عملية الفشل في الأداء الحكومي الذي تعمدوا طيلة السنوات التي أعقبت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر من أن يكون لهم الدور الأكبر لإعاقة مشاريع الدولة، وكذلك التعددية، فتغلغلوا في كافة مرافق الدولة وأجهزتها واثبتوا حضورهم كقيادات وزعماء للأحزاب الدينية، والوطنية، والقومية، والاشتراكية. إضافة إلى وجودهم كأطراف في لجان الصلح والتفاهمات الحكومية إزاء حركات التمرد والحروب التي تشهدها البلاد في فترات متلاحقة.

باختصار كانوا حاضرين ولاعبين أساسيين في هيكل النظام الجمهوري الذي تعمدوا على شله وإسقاطه وقد كان ذلك الإسقاط نتيجة سلسلة منتظمة من النفَس الاستراتيجي العميق الذي مهد لقيام الحركة الحوثية كحركة انقلابية، ولم تكن هذه الحركة إلا وجها سياسيا ومذهبيا من مشروع الاصطفاء السلالي الذي نكب به اليمن ولايزال، حيث تركزت تلك الحركة على استراتيجية ثابتة ومتأنية مهدت عبر ميلادها البغيض لسياسة الإسقاط للدولة والتفرد بالحكم مكونة سلسلة من العلاقات الداخلية والخارجية التي مهدت في إثبات حضورها كمشروع تفكيكي عصبوي من الوهلة الأولى لقيامها وإعلان تمردها، مستفيدة من مصادر الخلل الداخلي في الدولة والصراع الإقليمي الذي شكلت هي احد اذرعه في المنطقة،

فشكلت بذلك تهديدا متعمدا للداخل والخارج في الوقت الذي كانت الدولة عاجزة عن تقديم تصورها وتقييمها لخطورة هذه الجماعة رغم اشتباكها الحربي المتقطع معها في أكثر من حرب، كانت تمثل خيارا منهجيا لدي الحوثيين لإضعاف الدولة تمهيدا لأسقاطها، وهذا ما أثبتته الأيام والسنوات الحالية التي توجت بها هذه الجماعة نفسها كصاحب حق حصري بالحكم ومدافع عن البلد وصاحبة البقاء الأصلح هذا البقاء الذي بات يهدد الوجود الحضاري بل والعيش المشترك لنا كيمنيين.

زر الذهاب إلى الأعلى