مراد: قبيلة أذلت الفرس ومرغت أنف الإمامة (1-2)
بلال الطيب يكتب: من قيس بن مكشوح المُرادي إلى علي بن ناصر القردعي مراد: قبيلة أذلت الفرس ومرغت أنف الإمامة (1-2)
كانت «دولة فارس» - بعد مقتل سيف بن ذي يزن - في أوج قوتها، دانت لها اليمن، والحيرة، والبحرين، وبعض مناطق الخليج؛ بل إنَّ جنودها هزموا الرومان، وصالوا وجالوا في بلاد الشام، ووصلوا إلى تخوم بيت المقدس، وتعزيزًا لقواتهم في صنعاء، والتي لم يتجاوز عددها الألف مُقاتل، أرسل كسرى أبرويز بن هرمز بأكثر من «4,800» فارسي مع عائلاتهم بحرًا، ثم برًا، فاستقروا في ذات المدينة، واستتب لهم حكم غالبية الأراضي اليمنية بزعامة باذان بن ساسان.
موقعة الرَّزم
تبنى «المذحجيون» خيار مُقاومة الغزاة، واجتمعوا لأجل ذلك، فأوعز الفُرس لحلفائهم «الهمدانيين» بمواجهتهم، ومدوهم بالعُدة والعُتاد، وذكر الرازي - وهو مُؤرخ من أصول فارسية - أنَّ باذان خرج بنفسه لملاقاة الثائرين، وانضم إليه «10,000» مُقاتل من «حاشد، وبكيل»، ما بين فارس وراجل، وفي عدة كاملة، وذكر آخرون أنَّ تلك الجموع كانت بقيادة الأجدع بن مالك، وقيل مالك بن حريم، وأنَّ أساس الصراع خلاف بين «مُراد» و«بني الحارث» في نجران، وأنَّ الأخيرين استنجدوا بهمدان، فأنجدتهم.
تناسى «المذحجيون» ما بينهم من خلافات، واتحدوا بقيادة عدد من الأقيال لمُواجهة الفُرس وأذنابهم، وقيل ساندتهم حمير، وفي منطقة «الرَّزم» بوادي مذاب في الجوف حدثت أولى المواجهات «رمضان 2ه / مارس 624م»، كانت هزيمتهم ماحقة، وخسروا عددًا من كبرائهم، ونجا من الموت قيس بن مكشوح المُرادي، وخاله عمرو بن معد كرب الزُبيدي، وعبهلة بن كعب العنسي، وفروة بن مسيك المُرادي، وقال الأخير في تلك الهزيمة:
فإن نغلب فغلاّبون قدمًا
وإن نهزم فغير مهزّمينا
وما إن طبّنا جبنٌ ولكن
منايانا ودولة آخرينا
بعد خمس سنوات من الاستقرار النسبي، ذاع خبر النبي محمد صلى الله عليه وسلّم، ورسالته الداعية للوحدة، ومكارم الأخلاق، تلقى غالبية أقيال اليمن تلك الدعوة بالقبول، وتوافدوا مُتفرقين إلى المدينة المنورة، مُعلنين إسلامهم وإسلام مَن وراءهم، وكان من جُملة الوافدين من مذحج فروة بن مسيك، وعمرو بن معد يكرب، ثم قيس بن مكشوح، وقد خاطب الرسول الأول قائلًا: «يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرَّزم؟»، فأجاب: «يا رسول الله من ذا يُصيب قومه مثل ما أصاب قومي ولم يسؤه ذلك؟»، فقال رسول الله له: «إنَّ ذلك لا يزيد قومك في الإسلام إلا خيرًا»، فرد فروة: «قد سرني إذ كان ذلك».
أما الفُرس «الأبناء» فقد ظلوا على مَجوسيتهم، وحكم عليهم معاذ بن جبل - رسول رسول الله إلى اليمن - بدفع الجزية، ولم يسلموا إلا أثناء ثورة مذحج الثانية التالي ذكرها، بدليل قول المُؤرخ الرازي: «لما قُتل الأسود العنسي أسلم الأبناء، وكتبوا بإسلامهم إلى رسول الله»، وجاء في «عيون الأثر» أنَّه لما مرض باذان اجتمعت إليه أساورته، فقالوا: «من تؤمر علينا؟»، فقال لهم: «ملك مُقبل، وملك مُدبر، فاتبعوا هذا الرجل - يقصد النبي محمد - وادخلوا في دينه»، ليؤول الأمر بعد وفاته لولده شُهر.
ومن هذا المُنطلق لم تكن ثورة مذحج الثانية ردة على الإسلام، ومحاربة ل «الأبناء» المُسلمين كما توهم عدد من المؤرخين؛ بل كانت في بداياتها ثورة حقيقية ضد الاحتلال الفارسي، وامتدادًا وانتقامًا لموقعة «الرَّزم» السابق ذكرها، قام بها «المذحجيون» - مُسلموهم وغير مُسلميهم - وذلك بعد أنْ تبادر إلى مسامعهم وفاة الحاكم الفارسي باذان «ذو القعدة 10ه / فبراير 632م».
سارع «المذحجيون» حينها للاحتشاد في منطقة «خب» - ما بين الجوف ونجران، وفي أواخر ذات الشهر كان تحركهم، وما يجدر ذكره أنَّ ذلك التحرك جاء بالتزامن مع هزيمة الفُرس على يد الروم، وصدق الله في الأخيرين وعده، وفرح المؤمنون.
رغم أنَّه لم يُسلم، كانت لعبهلة بن كعب - الشهير ب «ذي الخمار» - سلطة رُوحية على مذحج تفوق سلطة أقيالها المُتفرقين؛ كونه كاهن القبيلة الأكبر، كما كان لانضواء «700» من الفرسان الأشداء تحت لوائه أثره البارز في تقوية مركزه، وقيل إنَّ «4,000» مُقاتل من حمير انضموا لمساندته؛ ولهذه الأسباب كانت له القيادة العليا، وقيل أيضًا إنَّه لم يكن سوى واحد من رؤساء مذحج الثائرين.
وما يجدر ذكره أنَّ عددًا من الصحابة كانوا دعامة تلك الثورة، كعمرو بن معد يكرب، وقيس بن الحصين، ويزيد بن عبدالمدان، ويزيد بن المحجل، ويزيد بن الأفكل، وثات بن ذي جرة الحميري، واختلف المؤرخون حول مُشاركة فروة بن مسيك، والراجح أنَّه بقي في «الأحسية - مُراد»، وراسل رسول الله بأحداثها؛ كونه «والي مذحج» المعين من قبله.
بستين داهية
أما الصحابي قيس بن مكشوح المُرادي - من أقسم ذات يوم بأنَّه سيأخذ بثأر «الرَّزم» من الفُرس - فقد كانت له مهمة القيادة العسكرية، توجه بالجُموع الثائرة صوب صنعاء، وهزم الفرس وحلفاءهم شرَّ هزيمة، وقتل في «شعوب» كبيرهم شُهر بن باذان، وذكر المؤرخ الفرح أنَّه صلى والمسلمين صلاة عيد الأضحى في «المشهد»، ويتداول الناس حكاية أسطورية مفادها أنَّه كان يقول حين قتله لأعدائه: «بستين داهية»، أي بستين كبير من مذحج سبق وأن تم قتلهم في موقعة «الرَّزم»، ونُقل عنه قوله:
وفيتُ لقومي واحتشدت لمعشرٍ
أصابوا على الأحياء عمرا ومرثدا
وكنت لدى الأبناء لما لقيتهم
كأصيد يسمو في العزازة أصيدا
قام عبهلة فور دخوله صنعاء بالتنكيل بالفُرس، وخاطبهم قائلًا: «إنَّ الأرض أرضي وأرض آبائي، فاخرجوا منها، والحقوا بأرضكم، وأنتم آمنون شهرًا على أن تعطوني السلاح»، ولم يكد ينقضي ذلك الشهر حتى انحرف بتلك الثورة عن هدفها، حسب بعض المرويات. ادعى النبوة، واستبد بالأمر، وأقصى معاونيه، وقرَّب «الأبناء»، وصاهرهم بالزواج من «آزاد» أرملة شُهر بن باذان، وابنة عم فيروز الديلمي، وقيل أنَّه تزوجها عنوة، الأمر الذي جعل غالبية أنصاره - وخاصة المسلمين - ينفرون منه، غادر مُعظمهم صنعاء، فيما ظل الصحابيان ثات بن ذي جرة الحميري، وقيس بن مكشوح المُرادي في ذات المدينة، غاضبين مُترصدين، لينجح الأخير - كما سيأتي - في طي صفحته وإلى الأبد.
كان عمرو بن معدي كرب من جُملة المُغادرين، ألح على ابن أخته قيس بالمغادرة، وحين رفض الأخير طلبه، اتهمه بالخيانة، ونعته ب «صاحب الأبناء»، وقال فيه:
غدرت ولم تُحسن وفاءً، ولم يكن
ليحتمل الأسباب إلا المُعوَّدِ
وكيف لقيس أن يُنَوَّط نفسه
إذا ما جرى، والمِصرُ حيُّ المُسوَّدِ
«المِصرُ» المذكور في الشعر هي صنعاء، و«المُسوَّدِ» هو عبهلة، ولُقب الأخير ب «الأسود» لأنَّه كان سيدًا مسودًا لا أسود البشرة، وبالفعل لم تتجاوز سيطرته تلك المدينة وضواحيها، وحين وصل رسول الله خبر ادعاء النبوة، أرسل إليه - كما أفاد المؤرخ البلاذري - جرير بن عبدالله البجلي يدعوه للإسلام، فأبى، فما كان منه - صلى الله عليه وسلم - إلا أنْ أرسل وبر بن يُحنِّس في مهمة سرية «صفر 11ه»، وضحها ذات المؤرخ بقوله: «بعث النبي إلى قيس بن مكشوح لقتال الأسود العنسي، واستمالة الأبناء.. فاستمال قيس فيروز الديلمي، ثم أتيا داذويه فأسلم».
لم يكتف رسول الله عليه الصلاة والسلام بذلك؛ بل بعث في الوقت نفسه لمُسلمي اليمن، وحثهم على التوجه إلى صنعاء لمُصاولة عبهلة، وبالفعل تحركوا ووصلوا إلى مشارف ذات المدينة، وجاءت كتبهم قيساً وفيروز، فطلب منهم الأول ب «أن لا يحركوا شيئًا حتى نُبرم أمرنا»، وبالفعل أبرموا أمرهم في ليل، وساعدتهم «آزاد» في الدخول إلى مخدع زوجها، وذلك بعد أن أسقته كميات هائلة من الخمر، وعلق ابن خلدون على ذلك: «دخل قيس ومعه فيروز ففتل عنقه، ثم ذبحه»، وقال ابن كثير: «ألقى قيس رأس الأسود العنسي، ونادى: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ عبهلة كذاب، فانهزم أصحابه، وظهر الإسلام وأهله».
صحيح أنَّ فيروز الديلمي وداذويه الأصطخري سهلا لقيس تلك المهمة، إلا أنَّ عملية القتل اضطلع بها الأخير؛ كونه فارس قبيلته المقدام، ورجل حربها الهُمام، وكان بحق بطل ذلك اليوم، والأكثر أهمية أنَّه خلَّد تلك الواقعة في كثيرٍ من أشعاره، وخلد الحسن الهمداني موقفه ذاك في دامغته التي دافع بها عن اليمن ومجدها الحضاري، حيث قال:
وزار الأسودَ العنسي قيس
بجمعٍ من غطيف مُردفينا
فعمم رأسه بذباب سيفٍ
فطار القُحف يسمعه حنينا
وهل .. ابن مكشوح هُمام
يكون به من المتمرسينا
وهكذا تحققت للمسلمين السيطرة النهائية على صنعاء من داخلها، ثم من خارجها، وقد اختلف المؤرخون حول من تولى حكمها، هناك من قال إنَّ قيساً وفيروز تنازعا على ذلك، وهناك من قال أنَّ رسول الله أسند أمرها إلى أبان بن سعيد بن العاص، وقيل وبر بن يُحنِّس، وقيل معاذ بن جبل، وما هو مُؤكد أنَّه - صلى الله عليه وسلم - توفي بعد ذلك النصر بعدة أيام، وأنَّ خليفته أبوبكر الصديق جعل فيروز الديلمي على ذات المدينة «رجب 11ه»؛ الأمر الذي أثار حفيظة اليمنيين، فأعلنوها ثورة، وهي ما عُرفت بثورة مذحج الثالثة، لا ردة اليمن الثانية.
اتصالات سرية
عمد كثيرٌ من المُؤرخين على القول بأنَّ قيس بن مكشوح ارتد - قبل وبعد قتله لعبهلة بن كعب - مَرّتين، وذلك نقلًا عن سيف التميمي، والأخير - كما سبق وأشرنا - قصاص عراقي مُتعصب للفرس، ومروياته مليئة بالكذب والتزييف، منها قوله: «وارتد ثانية قيس بن مكشوح، وكان من حديث قيس في ردته الثانية أنَّه حين وقع إليهم الخبر بموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتكث، وعمل في قتل فيروز، وداذوية، وجشيش».
اكتفى المُؤرخون المُتقدمون بنقل أقوال ذلك القصاص، دون إخضاعها للفحص والمُراجعة، ليعمل من أتى بعدهم على تداولها كحقائق دامغة، واتهام كل من شكك بصحتها بأنَّه يعادي الإسلام وأهله، وردًا على هؤلاء، وإنصافًا للتاريخ، سنكشف مدى زيف تلك المرويات.
نزل خبر تعيين فيروز على قيس بن مكشوح كالصاعقة؛ لأسباب عدة، لعل أبرزها أنَّه كان يرى نفسه الأحق بذلك المنصب، كونَّه ابن الأرض، وأبلي بلاءً حسنًا في قتل عبهلة، وقيل أنَّ ذات الشعور تسلل إلى خاله عمرو بن معدي كرب الزُبيدي، وهدد الأخير من مقر إقامته في نجران «الأبناء» بالنفي، وقال:
وما أن داذويه لكم بفخرٍ
ولكن داذويه فضح الذمارا
وفيروز غدًا سيصاب فيكم
ويضرب في جموعكم القِفارا
وداذويه المذكور في الشعر هو أحد كبراء فارس، وكانت له - هو الآخر - سلطة روحية على بني قومه، كونه أكبرهم، وكان فيما مضى كاهن معبدهم، وحين عزم قيس على ثورته الجذرية ضدهم، بدأ به، فقتله؛ فما كان من فيروز إلا أن ولى هاربًا إلى أخواله في خولان، وبدأ من هناك بمراسلة بعض القبائل اليمنية يستحثهم لنصرته.
ويُقال إنَّ قيساً تظاهر بادئ الأمر بالولاء لفيروز، وأنَّه قام في ذات الوقت باتصالات سرية مع الأقيال الرافضين لحكم الفُرس، وبعث برسالة إلى ذي الكلاع الحميري خاطبه فيها: «إن الأبناء نزّاع في بلادكم، وثقلاء عليكم، وإن تتركوهم لن يزالوا عليكم، وقد أرى أن أقتل رؤوسهم، وأخرجهم من بلادنا».
صحيح أنَّ الأقيال - كما أفاد المُؤرخ الطبري - لم ينصروا «الأبناء»، ولم يمالئوا قيساً، وخاطبوا الأخير قائلين: «لسنا مما ها هنا في شيء، أنت صاحبهم، وهم أصحابك»، إلا أنَّ العوام توافدوا إلى مشارف صنعاء لنصرته، وعن ذلك قال ذات المؤرخ: «وطابق على قيس عوام قبائل من كتب أبو بكر إلى رؤسائهم، وبقي الرؤساء مُعتزلين»، وكان أصحاب عبهلة - الذين سبق وأن غادروا صنعاء - من جملة من ناصروه.
أراد قيس بحركته السرية التخلص أولًا من رؤوس «الأبناء»، تمامًا كما فعل قبل أربعة أشهر مع عبهلة، ونجح - كما سبق وأشرنا - في قتل داذويه، فيما هرب فيروز، وجشيش، وآخرون إلى خولان، ودخل الثوار صنعاء، ومعهم عمرو بن معدي كرب، وقيل غير ذلك، وإكمالًا للمشهد أترككم مع ما قاله الطبري: «وعمد قيس إلى الأبناء ففرقهم ثلاث فرق، أقر من أقام، وأقر عياله، وفرق عيال الذين هربوا إلى فيروز فرقتين، فوجه إحداهما إلى عدن ليحملوا في البحر، وحمل الأخرى في البر، وقال لهم جميعا الحقوا بأرضكم».
وصف الطبري وابن خلدون تلك الحركة بالثورة، وأفاد الأخير: «ثار قيس بصنعاء، وجبى ما حولها»، وقال الشعبي: «رجلان لو انبغى لأحد أن يسجد لشيء دون الله لانبغى لأهل اليمن أن يسجدوا لهما، سيف بن ذي يزن في الحبشة، وقيس بن مكشوح في الأبناء»، ومن هذا المُنطلق لم يكن قيس مُرتدًا؛ بل خارجًا على أبي بكر، مُتمردًا على قراره؛ لاعتبارات ذكرناها أنفًا، وتفهمها خليفة المُسلمين الأول.
كانت لقيس بن مكشوح صولات وجولات كثيرة في الفتوحات الإسلامية، وكان قائد فرقة ميسرة الفُرسان في معركة «اليرموك»، وأحد القادة الستة الذين قادوا فتح دمشق، وسابع سبعة أمراء وجههم أبو عبيدة بن الجراح لحصار القدس، وهو الحصار الذي استمر لأربعة أشهر، وأجبر سكانها على طلب الصلح، وكان أيضًا من ضمن من شاركوا بفتح «الرستن، وحلب، وديار بكر، وأرمينية، وصعيد مصر».
وهو كما بدأ حياته بمحاربة الفرس المُحتلين، كان له دور بارز في القضاء على دولتهم، وكان - كما أفاد ابن كثير - قائد ميسرة الجيش العربي في معركة «القادسية»، وقيل إنَّه من قتل رستم، بعد أن مهد له خاله عمرو ذلك، ليستقر أواخر عُمره في مدينة الكوفة، وفيها مات «صفر 37ه / أكتوبر 655م»، وقد صور - رحمه الله - بطولاته في ملحمة شعرية شهيرة، نقتطف منها:
أتينا القادسية بعد شهر
مرشقةً نواصيها دوامي
فناهضنا هنالك جمع كسرى
وأبناء المرازبة الطِغام
فلما أن رأيت الخيل جالت
قصدت لموقف الملك الهمام
فأضرب قرنه، فهوى صريعًا
بسيفٍ لا أفلَّ ولا كُهام
وهكذا أصبح اليمنيون محل ثقة دولة الخلافة، ودعامة فتوحاتها، أما الفُرس فلم يولِ الخلفاء الأوائل أحداً منهم، حتى جاء معاوية بن أبي سفيان وانحرف عن ذلك المسار المُتفهم، وجعل على صنعاء سعيد بن داذويه، ثم الضحاك بن فيروز.
لم يقم اليمنيون - هذه المرة - بثورة رابعة؛ لأنَّ غالبيتهم كانوا قد استقروا في المناطق التي سبق وفتحوها، ولأنَّ الإسلام جبَّ ما قبله، وهذَّب الطبائع، وصار «الأبناء» جزء من هذا الشعب، وذابوا فيه، حتى جاء دعاة «الإمامة الزّيدِيّة» وأحيوا النزعات التسلطية عندهم وحلفائهم من جديد، وعادت الصراعات لتُكشر عن أنيابها، وبعناوين مُختلفة أكثر دموية... يتبع.
. صحيفة 26 سبتمبر