لماذا نحتفي بنشوان الحميري؟
د. لمياء الكندي تكتب: لماذا نحتفي بنشوان الحميري؟
من اللحظة الأولى التي وقعت فيها أقدام الأئمة الرسيين على أرضنا المباركة، كانوا يدركون أهمية وخطورة البعد الحضاري لليمن كمشروع سياسي وثقافي واجتماعي قد يعيق من تحقيق دولتهم القائمة على أسس هشة من الادعاءات المذهبية والدينية الزائفة، والمبنية على أسس عنصرية تجهيلية.
حشدوا في سبيل إنجاح مشروع الاستبدادي العنصري العديد من الموارد السياسية والعسكرية والاجتماعية فضلا عن الدينية، فدخلوا مع اليمنيين في صراع مفتوح لعل أبرز جوانبه مهمة إلغاء الروح الحضارية المستقلة لنا كشعب يضرب وجوده في جذور تاريخية عريقة.
ولأنهم يدركون الأثر المترتب على إدراك الشعب لنفسه وهويته، وتاريخه، وتقديره لعظمائه ورموزه، اتجهوا بمحاولات عديدة لطمس الذاكرة الشعبية والتاريخية، الرسمية والعامة، تجاه هذه الشخصيات الفذة التي كتب لها البقاء إلى اليوم وظلت شامخة رغم جميع محاولات التجريف الامامية والتشويه لأدوار الشخصيات الوطنية والبطولية، في سبيل استرداد الذات والهوية اليمنية.
ونحن نعيش أسوا ما خلفته العقلية الإمامية الرسية على اليمن واليمنيين اليوم، كان لمارد الذاكرة الوطنية أن يصحو في وجدان وقلب ولسان وروح كل يمني اصيل، لنهتف بأسماء قادتنا وزعمائنا الذين جابهوا طيلة مسيرة حياتهم القصيرة تلك، جبروت الامامة الغاصبة.
وكان لابد لنا أن تكون لنا هذه الوقفة المضيئة، المعلقة في أعناقنا كيمينين تجاه ملوك اليمن وأمرائها وكل أحرارها، ممن ناصبوا العداء للمشاريع الامامية البغيضة.
لهذا كان لابد لنا أن نقف عند الذكرى الـ868 لوفاة الرمز اليماني نشوان بن سعيد الحميري الذي توفي في يوم الجمعة (24 ذي الحجة 573ه).
نشوان بن سعيد الحميري الذي رفض أن يستمد وجوده وحياته وفكرة من عصارة الفكر الأمامي، بكل ما حملت من سموم وإذلال لكل اليمنيين.
كان نشوان الحميري جامعاً للعلوم على الطريقة اليمنية الفذة، لا على الطريقة الامامية التي تسرد في مروياتها المئات من المصنفات والآثار، والرسائل وتنسبها لأئمتها عناوين مفرغة وجوفاء، لا يتصفح القارئ منها غير أعدادها التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
عندما يقدم الباحثون والمهتمون سيرة نشوان بن سعيد الحميري إلى العالم فإنه يجود عليهم بمكنوناته الفائضة من العوم والمعارف في الأدب والتاريخ والسياسة والدين، وفوق كل ذلك يجود علينا بروعة وبطولة وصفاء الموقف، وقدرته النضالية العجيبة التي دافع من خلالها على حقه وحقنا كيمنيين في صناعة حاضرنا ومستقبلنا بعيدا عن وصاية البطنين وأرجوزة خدامها التي تستميل بها عبيدها الصاغرين.
وهنا أؤكد أن مهمة التعرف على الذات اليمنية الراهنة وشحذها بمواقف ونضال رجالاتها السابقين، لم تعد مهمة الباحثين في التاريخ والسياسة والفكر والأدب؛ بل إنها مهمة جماعية، لإحياء مشروعنا الجمهوري العظيم، عبر استلهام واستحضار كرامة أبائنا وعظمائنا ممن قاوموا طغيان الامامة وجبروتها. فتاريخهم هو جزء لا يتجزأ من حياة المثقف والكاتب، والباحث، والسياسي، والإعلامي، والمدرس، والجندي، والمزارع، والعامل، جزء من حياة المرأة، في الريف والمدنية من طموح الشباب وعنفوان الرجولة، جزء مهم من حياة اليمنيين يتعلق بمعرفتهم بذاتهم اليمنية العظيمة، بقدرتهم على تجاوز خلافاتهم وتغلبهم على محاولات تجهيلهم عبر مئات السنين.
جزء من حياتهم إن لم نقل كلها، يشترك في صناعته نشوان الحميري وأبو محمد الحسن الهمداني، وسعيد بن صالح ياسين، ومحمد محمود الزبيري، وعلي عبد المغني، وعبدالله السلال، والقائمة تطول قديما وحديثا.
ولو كنا عرفنا هؤلاء وقدرنا نضالاتهم، لما وصلنا إلى المأزق التاريخي والحضاري الذي نعيشه اليوم في ظل العصابة الحوثية، القادمة من غبار التاريخ، للتعلق على أستار جمهوريتنا ودولتنا وعاصمتنا، فتسكب جم حقدها عليها.
لو كنا نعرف نشوان الحميري، وفقهه، ورفضه للخضوع، وثورته، ضد الإمامة، لما استبدت بنا سلالتهم بعد ما يقارب الألف عالم على ثورته العظيمة تلك.
لقد كان سبتمبرياً قبل أن يولد سبتمبر بقرون عدة. وكان سبتمبر نشوانياً بعد وفاة نشوان بقرون عدة. ولكننا عندما أهملنا تاريخنا وأهملنا عقيدتنا السبتمبرية، تسلقت شجرة الخبث الامامية من جديد على ظهر هذا الشعب.
عندما غابت أسماء أحرارنا، عن ذاكرة الوطن الثقافية ووعيه الاجتماعي ونهج دولتنا، سقطنا وسقطت صنعاء وتقسمت البلاد لأننا لم نمسك بعهد آبائنا الكبار. لأننا تآمرنا بدون وعي، على ذاكرتنا الحرة في حين ظلت ذاكرة الشيطان تحفر في جدار يمنيتنا، حتى شارف هذا الجدار على السقوط.
ولقد كان سقوطاً أسهم الجميع في هدم جداره، دولة وأحزابا، كيانات وجمعيات، منظمات ولجاناً. ففي الوقت الذي أغفلنا فيه ثورتنا الثقافية وحجبناها عن الأجيال السبتمبرية عبر المناهج التعليمية والأنشطة، والفنون الثقافية والإعلامية، وعبر الفعاليات والبرامج الحزبية، في الوقت الذي سمحنا للعدو باسم التعددية أن يصحو ليضرب القانون والتعددية الحزبية والمنافسة والحقوق الدستورية والإنسانية على كافة القيم الديمقراطية، والمبادئ السبتمبرية، التي عرف أعداؤها كيف يستغلونها ليعيدوا ضرب مشروعنا الوطني، متمسحين في بادئ الأمر، بذات المبادئ التي ناضل من أجلها الجمهوريون، وقامت منها جمهوريتنا المجيدة، لينقضوا ويسطوا من خلال هذا التماهي، على الدولة والشعب والتاريخ، ليستعيدوا ظلال إمامة قاتمة، على رؤوس اليمنيين، ويعيدوا نشر سوادها من جديد وهذا مصير طبيعي لأي شعب يهمل رموزه: يجبره أعداؤه على تنصيب أصنامهم رموزا له!
ياله من حال لا يليق بشعب أنجب في السابق رجلا ك"نشوان"، واستبدل ماضيه ومجده بصور تغص بها شوارع عاصمته لأصنام طهران وعبيدها.
فعندما غاب نشوان الحميري عن صنعاء، ارتفعت صور المجرم قاسم سليماني، وعندما غرقت صنعاء بمياه أمطارها النقية، جالت عصابات الدجل والعمالة، للشحذ باسم سيدها في بيروت لتناصره على جريمته في حرق وجه لبنان الأجمل، ووجه اليمن الأخضر دائما، لصالح عصابات الموت الفارسي وشيعتها العربية العميلة.