آراء

هل المليشيات في العراق قوية؟

صلاح المختار يكتب: هل المليشيات في العراق قوية؟


لا يخلو تصريح أو بيان أمريكي من الاشارة لقوة المليشيات التابعة لاسرائيل الشرقية في العراق وخطورتها، كما لاتترك الاخيرة فرصة الا وتستغلها لتأكيد تفوق ميليشياتها، وذلك يفسر الموقف ال أمريكي الذي يبدو في ظاهره مترددا، فهل الميليشيات فعلا قوية ؟ ام ان أمريكا تقول ذلك لاهداف اخرى

دعونا نبحث في الواقع عن الاجابة: منذ وصلت الانتفاضة العراقية مرحلة السيطرة التامة على الشارع العراقي في الوسط والجنوب قبل ظهور كورونا وبدعم كافة العراق،وظهر الفشل التام لحكومة عادل عبدالمهدي ومعها الميليشيات في تحقيق اي تقدم ضد الانتفاضة رغم استشهاد اكثر من 800 مناضل وجرح اكثر من 30 الف اخرين ،بدأت عملية هي الاخطر منذ غزو العراق وهي الانهيار الصريح للميليشيات وتفككها وهروب الاغلبية الساحقة من منتسبيها وبقاء قلة ضئيلة فقط فيها، وهذه العملية مؤشراتها واضحة ومنها ما يلي:

1-عجز الميليشيات ،بما في ذلك اقواها وهي ميليشيا مقتدى الصدر، عن تنظيم تظاهرة مليونية دعى اليها فلم يخرج الا بضعة الاف رغم انه قبل الانتفاضة كان يستطيع تنظيم تظاهرات مليونية بسهولة!

2-ولتغطية العجز لجأت المليشيات إلى دفع مئات ممن بقوا معها للانخراط في الانتفاضة لاجل اختراقها من الداخل والسيطرة عليها واجهاضها ،او على الاقل حرمانها من الاستثمار الامثل للحظة الذروة التي وصلت اليها وهي لحظة تمتع الثوار بأقصى التأثير وحصولهم على اوسع التفاف جماهيري حولهم وانخراط الملايين في التظاهرات وكسر حواجز الخوف من الموت ، مقابل عجز النظام وتفكك الميليشيات وترددها الواضح ، فنصبت خيم اتباع مقتدى تحت عناوين مختلفة مثلما نصبت خيم لاحزاب تابعة للمخابرات الإيرانية. وسخر الاعلام الإيراني لخدمة هدف السطو على الانتفاضة وادعاء انها من عمل اتباع المرجعية ثم من اتباع خامنئي ، فسيطروا بالقوة على المطعم التركي والذي كان مقرا للانتفاضة ورمزا لها.

3- ولاجل سرقة الوقت واطفاء لحظة الذروة المتوهجة بدأت عمال التضييق على المنتفضين تتصاعد واخذت التصفيات الجسدية تتزايد ، وخلطت الاسماء والشعارات عمدا كي تبرز عناصر عميلة للمخابرات الإيرانية وتفرض كرموز للانتفاضة ولو شكليا ،وصدرت بياناتات وتصريحات وعقدت لقاءات لاجل تنفيذ خطة اجهاض لحظة الذروة وهي لحظة الحسم الاخير في كل انتفاضة شعبية .لكن الانتفاضة ورغم مرور وقت طويل على لحظة الذروة دون استثمارها لاسقاط النظام واصلت حيويتها وحافظت على كامل استعدادها للصمود ورفض العنف، وهذه ميزة فريدة تحسب لها .

4-ان الظاهرة الابرز والاكثر ثباتا كانت تداعي معنويات نغول الفرس وفقدانهم لاي خيار سوى الاغتيالات والارهاب والقتل من بعد ، بل وصل الحال الان إلى حد ان طهران تتهم مصطفى الكاظمي بخدمة المخطط ال أمريكي ومع ذلك فان ميليشياتها التي تعد اقوى من التشكيلات العسكرية التي اسست بعد الغزو لم تبادر لتسقطه ليس لافتقارها للقوة العسكرية فهي اقوى من القوى الحكومية ولكن لانها فقدت ارادة المواجهة بعد ان رأت قاسم سليماني يصفى بطريقة بشعة ومعه ابو مهدي المهندس ولم ترد طهران الا بعمليات خلبية تافهة قياسا بخسارتها المعنوية الهائلة .

5- من يعتقد ان الميليشيات العراقية معدة طائفيا مثل اعداد حزب الله في لبنان مخطأ تماما فهذه الميليشيات عبارة عن لملوم متنافر واغلبهم نصف امي أو امي بالكامل ، وطائفيته تلقينية ولا يعرف ماوراءها ولا اسبابها وكان قسم كبير منها منتم لقوى اخرى وتركها لاسباب انتهازية،فبقي عبارة عن بالون ضخم لكنه قابل للتفجير بدبوس، وهو ما حصل فعلا عندما وصلت الانتفاضة لحظة الذروة وانخرطت ملايين العراقيين معها فتفككت الاغلبية الساحقة من الميليشيات وهزمت بسرعة لانها بالاصل غير معدة نفسيا ولا ثقافيا ،بينما الميليشياوي الطائفي في لبنان اعد ثقافيا وقتاليا فتكونت لديه عقيدة طائفية صلبة، رغم انها تداعت الان .

6-ولعل افضل دليل يؤكد الانهيار العام للميليشيات هو عجزها عن دفع مئات المقاتلين لاجهاض الانتفاضة بالقوة رغم ان الاخيرة اخذت اول امس وامس تدمر بالجرافات مقرات الاحزاب والميليشيات في البصرة وغيرها من مدن الجنوب ! وعجز الميليشيات عن الرد الحاسم والواسع النطاق ليس فقط سببه انعدام التربية العقائدية الطائفية بل ايضا التكوين الشخصي للميليشيات التي استقطبت من الشوارع وبالاغراءات المادية فظهرت مجموعات ضخمة ولكنها بلا اعداد قتالي ولا وعي طائفي يضمن الاستمرارية،وهذه هي نقطة الضعف القاتلة في الميليشيات في العراق والتي جعلتها عاجزة عن الرد وستبقى.

7- ولو ان لواء عسكري نزل للشارع داعما للانتفاضة فانه كاف للسيطرة على بغداد خلال ساعات وهذه الحقيقة يعرفها كل من اصطدم مع الميليشيات وراي ردود افعالها الضعيفة، فمن فقد دافعه القتالي وادرك انه مكشوف وبلا ضمانات فانه لن يقاتل ابدا، وطهران تبدو مستعدة تماما للتخلي عن الحشد بعد ان اقتصر رد فعلها على قتل سليماني على العاب نارية ، فلم تعرّض الميليشيات نفسها للموت بالاشتباك مع لواء مدرع مستعدا للقتال؟ ان الهروب هو الخيار الاوحد للميليشيات ما عدا بضعة انفار سيبقون مستعدين للقتال لانعدام الخيارات لديهم وهؤلاء يمكن القبض عليهم بسهولة كما يقبض على الارانب.

فهل تجهل أمريكا هذا الواقع المعروف ام تعرفه وهو حقيقة يعرفها كل عراقي؟ يقينا كل اليقين ان مخابرات أمريكا التي حددت مكان اسامة بن لادن وابو بكر البغدادي وقتلتهما، رغم كل احتياطاتهما الامنية الدقيقة ،قادرة على توجيه ضربات انتقائية لقادة الميليشيات الذين عرفوا بسذاجتهم وعدم احترازهم وكشف انفسهم بطريقة جعلت كل بغدادي يعرف مقراتهم واوقات وجودهم فيها، فلم لا تفي أمريكا بوعودها الان بحسم الوضع في العراق خصوصا بعد ان وصلت الانتفاضة امس واول امس إلى مرحلة تهديم مقرات الاحزاب والميليشيات الإيرانية في الجنوب؟

عرفنا ان الجيش ال أمريكي لايستطيع القتال الان لاسباب أمريكية داخلية ولكن استخدام الدرونات الامركية وتحريك لواء مدرع عراقي وليس أمريكي كاف لحسم الوضع في ساعات وليس في ايام ،وهي امكانية متوفرة ،فماذ تنتظر أمريكا اذا كانت حقا جادة في حسم الامر في العراق وطرد اسرائيل الشرقية منه؟ انها اللحظة الاكثر مناسبة للحسم وبلا تكلفة كبيرة خصوصا وان الحسم في العراق بأنهاء الميليشيات سيسهل هدفها الاخر وهو تركيع نظام الملالي.

الحكمة التي تناسب وضع العراق اكثر من غيرها الان هي ان الحداد الماهر هو الذي يطرق على الحديد وهو ساخن ولايتركه يبرد لانه سيعود صلبا.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى