النيابة العامة في عدن: قصة المبنى والمعنى
أمين الوائلي يكتب حول النيابة العامة في عدن: قصة المبنى والمعنى
حتى في اسوأ الأحوال بقيت روح الدولة والنظام تحفظ بقاء واستمرارية النظام العام.
في عالم القضاء والسلطات العدلية، يقال إن روح القانون هي حياة وضمانة استمرارية الحياة للعدالة ومؤسساتها في ظل القانون.
وبالمثل، فإن هذه المؤسسة والسلطة قد مثلت بالفعل روح السلطة والدولة والنظام العام. عندما غاب الجميع وحلت الوحشة والحسابات المتحفزة والخطرة، كان النائب العام وحده وفريقه ومنتسبو النيابة العامة تلك الطاقة الروحية التي تكثفت خلالها رمزية حضور الحارس الأمين لأرواح الناس وممتلكاتهم.
الحديث هنا عن أحد مؤسسات العدالة التي بقيت على حياديتها وتماسكها في وجود الفراغ الكبير الذي تداعت معه كثير من موسسات الدولة بعد الانقلاب الحوثي حد الانهيار، وظلت صامدة وقادرة على العيش في وسط الحرائق، وحازت احترام الجميع.
جسدت النيابة العامة الضمانة القصوى لانتظام الحياة العامة وإثبات فاعلية وكفاءة حائط الصد الأخير.
خلال يوميات الحرائق والنيران والتخندقات، كان النائب العام يرتب لاستئناف واستمرارية عمل النيابات في أسوأ اللحظات وهي أيضا أكثر اللحظات احتياجا لهكذا ضمانة حمائية في مركز القاسم المشترك للجميع، للحيلولة دون الانهيار التام.
ومع ذهاب أو رغم غياب السلطات والمؤسسات في أوقات كثيرة وظروف مضطربة وداكنة، تحملت النيابة العامة مسؤوليات جسيمة للتعويض عن غياب وذهاب وفراغ العديد من المرافق، ولاستبقاء المجال الحيوي للقانون وسلطاته قيد الحياة والنفاذ.
بات المثال الأكثر تداولا هنا في عدن يشير إلى البناء الحديث والمبنى الكبير والرمزية المكثفة لمقر النيابة العامة ومكتب النائب العام، هذا العمار الأنموذجي نهض واستوى واستكمل خلال فترات التآكل والنزيف والانهيارات في كل اتجاه، بعد أن كان محطما فاقد الأهلية صعب الترميم.
إلى جوار مبنى المقر الرئيس في عدن، وخلال نفس الفترة أنجز أو اكمل النائب العام إنجاز مقر ومبنى النيابة العامة الاكبر والأحدث في عاصمة مأرب. وحصن الحِمى المكاني لمقر وملك النيابة في عاصمة حضرموت وارتفع مبنى كبير بطوابق أربعة هو قيد الاستكمال كمقر حديث للنيابة العامة في المكلا.
تقول المعلومات التي توفرت لدي، إن النائب العام الدكتور علي الاعوش، قلّص كلفة وميزانية إنشاء مقر مكتب عدن باكثر من النصف قياسا بعرض مناقصة كانت مقرّة للمشروع. بزيادة ان المواصفات نفسها وأجود وتحصّل المكتب والمبنى أيضا على كمية كبيرة من المكيفات الحديثة خارج الحسبة.
الدولة التي غابت ولكنها لم تمت، إنما بقيت حية بطاقة الحياة التي وفرتها كفاءة واستماتة النيابة العامة، ولولا ذلك لكان الناس يتقاتلون في الشوارع، ولا صون لدم أو ممتلَك.
لم يعد أحد يتحدث عن ملف وإشكالات السجون والمعتقلات، باستثناء نسبة بسيطة قيد المعالجة والتحري، ولا يهتم أحد الآن بمعرفة كيف عالجت النيابة العامة كل شيء وفي زمن قياسي وخلال ظروف حساسة وصعبة، وتوازنات معقدة.
هذه انطباعات زائر لمبنى النائب العام في عدن، أبصر أمامه لوحة في الطابق الأرضي تحمل صورا للمبنى (قبل وبعد)، ووجد نفسه ملزماً بتسجيل كلمة تقدير نقل من خلالها جانبا مما رآه، ومما سمعه متداوَلاً على ألسنة الناس الذين عاينوا الفرق، وعايشوا كيف تم بعث الحياة إلى هذا المرفق الهام، بلا ضجيج، ولا صدام مع أحد، بل وبكل نكران ذات.