حوار مع يوم الجريمة (شعر)
قصيدة هشام باشا بعنوان حوار مع يوم الجريمة (شعر)
تغييرك اسمك لن يغيّر ما جرى،
وسواك من تغييرك اسمك لن نرى
أتخاف يا يوم الجريمة راحلًا
من أن تذكّر باسمها وتعيّرا؟!
زمن الجريمة سوف يذهب، إنّما
أرض الجريمة أين تذهب يا ترى؟
إنّ اسم "صنعاء" الذي لم تستطع
إغباره الأيّام أصبح أغبرا
مسكينةٌ "صنعاء" وهي بريئةٌ
ترجو الهروب، تريد أن تتنكّرا
وتحسّ عبد الله يركض خلفها؛
ويريد من أنفاسها أن يثأرا
كم أنّها بالخزي تشعر من شخوص
دمائه، وتريد أن تتستّرا
أو كلّما ذكرته ينهش صامتًا
والقبو يأكل صوته المتفجّرا
أو كلّما سمعته يسقط من سما
صرخاته المتفاقمات تكسّرا
أو كلّما شعرت ببحث بنانه
مغمىً عليه؛ عن السّماء لتنصرا
ورأته يرفض أن يموت، يصرّ أن
يحيا، ويجبر أن يموت مبكّرا
ورأته يترك عمره كرهًا، كما
يمضي المحبّ عن الحبيبة مجبرا
ورأت لآخر روحه يمضي كمن
يمضي ولا يجد الطّريق، ولا يرى
وعليه قبح القبح يمطر قبحه
ركلًا، وتنهال الحقارة خنجرا
وسكينة الجسد القتيل كأنّها
فتحت لها عينًا إليه لتنظرا
وفم الكلام هناك ليس بوسعه
لك أن يقول، ولا بأن يتحجّرا
والصّمت ليس بصامتٍ، أو قائلٍ
شيئًا، ولا هو قادرٌ أن يخبرا
إنّ الجريمة وهي يحمد كشفها
لتظلّ شيئًا يرتجى ألّا يرى
ما أبشع الإنسان إن هو لم يجد
في قلبه قمرًا، وعشبًا أخضرا
ما أبشع الإنسان إن هو لم يجد
من قلبه حرسًا عليه وعسكرا
ما أبشع الإنسان حين يجيء من
أقصى أقاصي اللّيل أبشع منظرا
يا أيّها الإنكار والغضب الذي
لو كان قبل دم الضّحيّة ما جرى
لم غضبة الإجرام تهلك؟ بينما
غضب الجميع عليه ليس مؤثّرا
أيكون حقًّا ما تحدّث خاطري؟
أنّا جميعًا مجرمون، أم افترى؟
يستنكر الإنسان كلّ جريمةٍ
لو كان فاعلها فلن يستنكرا
يا أيّها الإجرام، إنّك لم تكن…
إلّا لأنّ أباك أصبح قيصرا
فبراثن الإجرام تكبر إن رأت
راعي الرّعية مجرمًا متجبّرا
ووراء زيف العدل تسكن عاقرٌ
وتحيض من يدها، وتنجب منكرا
يا قلب عبدالله، إنّ الموت مذ
قتلوك، يقتلني أسىً، وتحسّرا
قتلوك أنت ومتّ موتًا واحدًا
ليظلّ هذا الموت فيّ مكرّرا
دمّرت مثلك، إنّما أنا لم أزل
حيًّا يحسّ بما يحسّ مدمّرا
ويقول لي شيءٌ: بإنّك تجتدي
سيفًا فأحملني إليك مكسّرا
وإخال أنّ الصّمت حولي كلّه
صرخات أمّك تستشيط تسعّرا
أو تستردّك؛ لاشتمامك، مثلما
يشتمّ يعقوب القميص ليبصرا
وإخالها جاءت، وأسمع خطوها،
يدنو، وأشعر في الفؤاد تعثّرا
جاءت وفي يدها حصىً كدموعها
وعصًا يكاد ضميرها أن يزأرا
وأفيق مرعوبًا أظنّ لهاثها
خلفي، يقود من الجراح معسكرا
وأرى وما من لاهثٍ خلفي، ولا
خلفي أحسّ بما شعرت، ولا درى
يا كلّ عبدالله إنّك جائعٌ،
وعليك من تنّورهم أن تحذرا
وبدون مأوىً أنت غير يديك، لا
تبرح يديك إلى الظّلام فتغدرا
وبلا بلادٍ أنت، موطنك الوحيد يداك،
غير يديك يصبح مهجرا
لملم عليك يديك واسكن فيهما،
فهما بيوتك، والمدائن، والقرى
ويداك قبرك، أيّها الحرّ الذي
لا يشتهي في غيره أن يقبرا
لملم عليك يديك؛ إنّك ذلك الشّرف
الذي لا بيع فيه ولا شرا
هشام باشا 2020/8/20