مفهوم الثورة
د. علي الحاوري يكتب حول: مفهوم الثورة
في تاريخ العالم الحديث، كثيراً ما انتصرت الشمولية على الديمقراطية، العائلة على الشعب، العنصرية على الانسانية، الخرافة على العقل. حدث ذلك في بلدان كثيرة في العالم، وفي معظم الحالات تلك حاول المنتصرون تزييف وعي الشعب واطلقوا على فعلهم وصف الثورة!
هل استطاعت تلك المحاولات أن تحقق غرضها؟ أن تزيف نهائياً وعي الشعب؟ ما الذي يخبرنا به التاريخ؟ يخبرنا انها لم تستطع. لقد ظلت تلك الافعال، بنظر الشعب المنقَلَب عليه والعالم والتاريخ، مجرد انقلابات.
الثورة ليست الإستيلاء على السلطة، ليست الإنتصار على حكم قائم واستبداله بآخر، ولا هي القضاء على المخالف وتشريده ولا السيطرة على الأرض وإخضاع المجتمع.
الثورة فعلٌ يُحدث تغييراً جذرياً في المجتمع. لكن، الاهم من ذلك، بل ما يعد شرطا ليصبح التغيير الجذري ثورة، هو أن يحظى بالتأييد– الطوعي لا الاكراهي– من أكثر الشعب، وأن يتأسس على مجموعة من القيم العقلية "الطبيعية" العامة. ماهي هذه القيم العقلية؟ ببساطة، هي تلك القيم التي مُنحت للإنسان لمجرد انه إنسان أو إنسان اجتماعي على أقصى تقدير.
قد تختلف المجتمعات في تفاصيل هذه القيم ومداها غير انها لا تختلف حول قيمتين أساسيتين: المساواة، وحق المجتمع في اختيار من يحكمه.
لماذا هي عقلية؟ لانها من النوع الذي يقرها كل صاحب عقل. قيم عابرة حدود العرق واللون والدين والطائفة واللغة والزمان والمكان. حدودها هي العقل فحسب، وهدفها هو الإنسان، كل إنسان يعيش في مجتمع سياسي.
هي، في جذورها، عريقة عراقة التاريخ والمجتمع. وبعضها ربما وُلد بميلاد ابني آدم أبي البشر، أو آدم نفسه، أما في عصرنا فقد صارت محل إجماع كل الشعوب على اختلاف أديانها وألسنتها وأعراقها وألوانها. هي خلاصة التطور العقلي للبشرية.
هذه القيم العقلية ذاتها، وعلى راسها قيمتا المساواة وحق الشعب في اختيار حكامه، هي، ايضا من قيم الإسلام الدين، بل من أهم قيمه على الاطلاق.
ما الذي يمكن استنتاجه من ذلك؟ اي مع وجود بعض المسلمين الرافضين لذينك المبدأين تحديدا؟ يهمنا استنتاج واحد، وهو ان معظم "الكفار"؛ معظم غير المسلمين، ان لم يكن جميعهم، صاروا -في عصرنا هذا وبعضهم منذ قرون- ليس فقط يوافقون نظرياً أهم قيم الاسلام، بل يمارسونها عملياً. بالمقابل، هناك من المسلمين من لازال حتى يومنا يرفض أهم قيم الإسلام، ليس عملياً فقط، بل نظرياً وقانونياً أيضا. وليس اعلان البعض بان الله خص عائلة معينة بالحكم، وما تلاه أو توازى معه من سن قانون يعطي هذه الفئة ذاتها جزءا من ثروة الشعب لمجرد جيناتها ...الا صورة من ذلك الرفض للمبدأين!
حتى تلك الانقلابات الاسوأ في تاريخ العالم الحديث، اي التي جاءت باسوأ انواع الدكتاتورية وسحقت الشعب واستعبدته فعلياً، يلاحظ انها لم تجرؤ على الاعلان بان الحكم حقٌ حصريٌ في فئة معينة أو أنّ جزءا من ثروة الشعب يجب أن يذهب إلى فئة محددة. كذلك لم يخطر ببالها المساس بمبدأ المساواة في نص القانون. لقد ظل القانون في أعتى الأنظمة الديكتاتورية الانقلابية يساوي بين جميع المواطنين ويعترف بحقهم جميعا في حكم انفسهم.
بامكان المرء أن يقول بان الحالة التي عرفتها هذه الزاوية من الكرة الارضية لامثيل لها في العالم؛ حالة مختلفة شاذة حتى بمعايير الانقلابات الأشد إيغالا في العنصرية والفاشية في العالم!
المساواة بين المواطنين وحق الشعب في انتخاب حكامه ليسا فقط أساسين للثورة، بل اساسين في بناء الدوله الحديثهِ، ليسا من مدخلات السلطة فقط، ِبل من مدخلات الدولة. والنتيجة: لا دولة من غير مساواة ومن غير حرية الشعب في التفكير والتعبير واختيار حكامه.
هي ثورة يمنية واحدة في سبتمبر وان كثرت البيانات والاحتفالات. 26 سبتمبر هي الثورة الأعظم عدالة في العالم لان الحال الذي ثارت عليه وبسببه كان الأشد ظلماً في العالم، ولانها تاسست على وهدفت إلى تحقيق القيم الأعظم في تاريخ الثورات. شعاع سبتمبر ليس ككل الاشعة؛ هو سيد الاشعة، وليس يُعرف ذلك الا بمعرفة الظلام الذي بشعاع سبتمبر تبدد.. وبضدها تتبين الاشياء.
مبدأ المساواة وحق الشعب في اختيار حكامه هما ركنا الجمهورية اليمنية؛ هما أُسها وأساساها؛ لا جمهورية بدون هذين المبدأين؛ بوجودهما توجد الجمهورية وبغيابهما تغيب. وماهي الجمهورية في قلوب اليمنيين؟ هي وجودهم، كل وجودهم.
العبث بالجمهورية وثورة 26 سبتمبر يراه اليمنيون من صميم اللعب بالنار!
واللعب بالنار أخطر الالعاب!