آراء

في الذكرى الخمسين لرحيل عبدالناصر

د. عبدالملك المخلافي يكتب: في الذكرى الخمسين لرحيل عبدالناصر


في ذكرى رحيل والدنا وقائدنا وملهمنا ومعلمنا ورمز تحدينا وكرامتنا وعنفواننا وقوتنا وعزتنا جمال عبدالناصر، وبعد (50) عاما من غيابه وتأخر البطل (عن وعد الهوى) وهو الذي ما كان يتأخر ابدا عن وعده لأمته لولا الموت.

ما أحوجنا إلى تذكر هذه القصيدة لنزار قباني التي تصف عصر عبدالناصر وما مثله من كرامة وعزة وتبكي حال العرب بعد رحيله وما وصلنا اليه بعد غياب البطل وتغيب نهجه، وكأنها كتبت اليوم في هذا الزمن الأغبر حيث تبكي فلسطين في قبضة الظلم والاحتلال والتمزق والخذلان والقهر، ويتحكم بالأمة جند الروم وكسرى وقيصر والصهاينة وأتباعهم، ويتمزق العرب إلى قبائل وطوائف، فهي أبلغ من أي كلام يمكن أن نكتبه بهذه المناسبة أكان في وصف عبدالناصر وعصره الأخضر وما مثله من خير أو في وصف حال الأمة بعده.

قصيدة بلغ فيها نزار أرفع وأبلغ معاني الشعر والحكمة والحب والتنبؤ بالمستقبل ولو لم يكن في شعر نزار إلا هذه القصيدة لكان أشعر شعراء العصر.

قصيدة لا يمكن الملل من قراءتها وترديدها بالمناسبة وكل مناسبة، مكتملة، أو كل بيت منها فكل بيت منها بحد ذاته يستحق ان يردد من بلاغته في مخاطبة عبدالناصر والحنين اليه ووصف حال الأمة أو لوصف ما يتناسب معه من حال.

إنها مجموعة من المعاني الكبيرة والحكم الخالدة، والأوصاف البليغة. أنشرها هنا كاملة بتصرف بسيط في البيت الاخير:

————
قصيدة نزار قباني إلى جمال عبدالناصر

زمانك بستانٌ وعصرك أخضرُ
وذكراك عصفور من القلب ينقرُ

ملأنا لك الأقداح يا من بحبه
سكرنا، كما الصوفي بالله يسكرُ

دخلت على تاريخنا ذات ليلة
فرائحة التاريخ مسك وعنبرُ

وكنت، فكانت في الحقول سنابل
وكانت عصافير.. وكان صنوبرُ

لمست أمانينا فصارت جداولا
وأمطرتنا حبا، ولا زلت تمطرُ

تأخرت عن وعد الهوى يا حبيبنا
وما كنت عن وعد الهوى تتأخرُ

سهدنا وفكرنا وشاخت دموعنا
وشابت ليالينا وما كنت تحضرُ

تعاودني ذكراك كل عشية
ويورق فكر حين فيك أفكرُ

وتأبى جراحي أن تضم شفاهها
كأن جراح الحب لا تتخثرُ

أحبك لا تفسير عندي لصبوتي
أفسر ماذا؟ والهوى لا يفسرُ

تأخرت يا أغلى الرجال، فليلنا
طويل، وأضواء القناديل تسهرُ

تأخرت.. فالساعات تأكل نفسها
وأيامنا في بعضها تتعثرُ

أتسأل عن أعمارنا؟ أنت عمرنا
وأنت لنا المهديُّ أنت المحررُ

وأنت أبو الثورات، غنت وقودها
وأنت انبعاث الأرض، أنت التغيرُ

تضيق قبور الميتين بمن بها
وفي كل يوم أنت في القبر تكبرُ

تأخرت عنا.. فالجياد حزينة
وسيفك من أشواقه كاد يكفرُ

حصانك في سيناء يشرب دمعه
ويا لعذاب الخيل، إذ تتذكرُ

وراياتك الخضراء تمضغ دربها
وفوقك الآف الأكاليل تضفرُ

تأخرت عنا.. فالمسيح معذب
هناك وجرح المجدلية أحمرُ

نساء فلسطين تكحلن بالأسى
وفي بيت لحم قاصرات.. وقصرُ

وليمون يافا يابس في حقوله
وهل شجر في قبضة الظلم يزهرُ

رفيق صلاح الدين.. هل لك عودة
فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ

رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم
وجندك في حطين، صلوا وكبروا

تغني بك الدنيا.. كأنك طارق
على بركات الله، يرسو ويبحرُ

تناديك من شوق مآذن مكة
وتبكيك بدر، يا حبيبي، وخيبرُ

ويبكيك صفصاف الشآم ووردها
ويبكيك زهر الغوطتين، وتدمرُ

تعال الينا.. فالمروءات أطرقت
وموطن آبائي زجاج مكسرُ

هزمنا.. وما زلنا شتات قبائل
تعيش على الحقد الدفين وتثأرُ

رفيق صلاح الدين هل لك عودة
فإن جيوش الروم تنهى، وتأمرُ

يحاصرنا كالموت ألف خليفة
ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصرُ

أبا خالد أشكو إليك مواجعي
ومثلي له عذر ومثلك يعذرُ

أنا شجر الأحزان، أنزف دائما
وفي الثلج والأنواء.. أعطي وأثمرُ

يثير حزيران جنوني ونقمتي
فأغتال أوثاني وابكي وأكفرُ

وأذبح أهل الكهف فوق فراشهم
جميعا، ومن بوابة الموت أعبرُ

وأترك خلفي ناقتي وعباءتي
وأمشي، أنا في رقبة الشمس خنجرُ

وأصرخ: يا أرض الخرافات احبلي
لعل (جمالاً) ثانيا.. سوف يظهرُ

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى