الشهيد جمال جميل: قصة المجيء إلى اليمن (2)
يحيى حمران يكتب عن العراقي الشهيد جمال جميل: قصة المجيء إلى اليمن (2)
ذات يوم وبينما كان جمال جميل جالسا يتحدث مع رفاقه، سمع بطلب الترشيح لبعثة ستذهب إلى اليمن ضمن اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، فتقدم بترشيح نفسه وقد حصلت الموافقة عام 1939.
وفي مارس 1940 اتجهت البعثة المكونة من ستة ضباط، برئاسة العقيد اسماعيل صفوت وعضوية الرئيس جمال جميل "ضابط مدفعي" والرائد محمد حسن المحاويلي "ضابط مشاة" والملازم عبدالقادر محمد الكاظمي "ضابط مخابرة" والملازم سيف الدين سعيد آل يحيى "ضابط مشاة" وضابط صف و12 جنديا ومعهم شهيدنا نحو اليمن عبر صحراء سوريا، ثم إلى لبنان مرورا بمدن الشام باهرة الجمال مدينة تلو أخرى حتى بيروت ومن حيفا استقلوا قطارا إلى "بور سعيد" بمصر التي استمتعوا بمدنها وأهراماتها الاثرية.
من بورسعيد إلى عدن
وقد كتب لنا الشهيد جمال جميل في رسالته تلك (مشار اليها آنفا) أروع ذكرياته، عن لذاذة وحلاوة رحلتهم الأخيرة التي تحركت يوم 16 مارس من مصر إلى عدن مسجلا في رسالته السابقة:
"تحركت بنا الباخرة "نور كندي" ذات حمولة 16000 طن وعلى متنها الكثير من نساء انكلترا الهاربات من القاصفات الألمانية، وكانت الباخرة تموج بالحسن والجمال والظرف والدلال، وحياة البحر لا تعرف الحياء ولا تعرف المراسيم، فكل أهل الباخرة أصدقاء، وجميع نساء الباخرة صديقات نلعب ونرقص بلا قيد ولا شرط، وعندما يحل الظلام كانت تنطفئ أضواء الباخرة الا الضوء الازرق، ثم تبدأ الموسيقى بأنغامها الرقيقة المبهجة الناعسة، ثم ترى الجمع الحاشد، اثنين اثنين رجلا وامرأة وهم متخاصرون يميلون مع الموسيقى والنسيم ثم تسمع الهمسات والزفرات وعندما تقف الموسيقى عن العزف يتسللون أزواجا أزواجا نحو مختلف السلالم والجهات والأماكن والحجر..
خمسة أيام قضيناها في البحر من بور سعيد إلى عدن وعندما رست الباخرة لنزولنا ودعنا الأصدقاء الذين لا يمكن أن نراهم مرة أخرى، ونحن نلوح لبعضنا بالمناديل نتبادل الجمل والابتسامات.
ولما وضعنا أقدامنا على البر في عدن ارتفع صوت إخواننا العدنيين بالهتاف ب "يحيا العراق ويحيا الملك فيصل ويحيا الجيش العراقي". انتهى كلام الرئيس جمال جميل.
بعد تلك الليالي الفاهنة شقوا طريقهم نحو صنعاء ولا شك أن شهيدنا قد دوّن ذلك كما لوح في ختام رسالته السابقة أنه أكمل طباعة مذكراته للخمس سنوات التي قضاها في اليمن، ولابد من العثور عليها لعمل السيرة التي تليق بالفخم جدا الشهيد جمال جميل، الذي وصل من العراق برتبة نقيب وكانت هذه الرتبة تسمى "رئيس"، ولا تزال الصفة تطلق عليه إلى اليوم. رحمه الله.
في صنعاء
في صنعاء بعد وصولهم يوم 30 أبريل 1940، بدأت البعثة بتدريب الجيش ويا لها من مهمة صعبة حيث لا مفهومية لمعنى جيش فقد كانوا قبل ذلك عبارة عن عكفة بملابسهم الرثة وعسكرتهم البدائية لا يخضعون إلا لمهاراتهم الشخصية في القنص، لمراحل ماقبل التحاقهم بجيش الإمام المشهور بالبخل والطمع لما بين يدي غيره، ولا يهتم بجيش إلا بقدر تسليطه على رقاب الشعب من المخالقين له أو الرافضين الخنوع لسياسته الاستبدادية العقيمة.
- يتبع: قصة التدريب وترتيب الجيش وعودة البعثة إلى العراق وبقاء الشهيد وشجاعته ضد الطاغية يحيى، واندماجه في صف الثوار.
عناوين ذات صلة: