آراء

وصف الحرب بالعبثية إسهام في التضليل

مصطفى ناجي الجبزي يكتب: وصف الحرب في اليمن بالعبثية إسهام في التضليل


كثيرا ما أقف عندما أجد حديثا عن الوضع اليمني يصف الحرب الحاصلة بانها "حرب عبثية".

نعم بالنسبة لمراقب خارجي لا فرق بين مقاتل في صف الحكومة أو في صف الانتقالي أو في صف الحوثي. مِن الخارج لا معنى للتشيعات المذهبية أو المناطقية. كلهم في عيون الخارج يمنيون. وباختصار الحرب هي أن يمنيا يقتل يمنيا آخر. وليس كل غير يمني سيكلف نفسه عناء فهم أسباب الحرب ولون المتقاتلين ومن أطلق الشرارة الاولى ومن يتمسك بالدستور والشرعية أو من يستقوى بالسلاح والطائفة.

هذا أمر يخص الباحثين وربما العاملين على الملف اليمني مِن دبلوماسيين وعاملين في المنظمات الدولية.

لكن كيف ليمني يعرف أن هذه الحرب تقع على جسده وتنهش مِن عمره أن يقف موقف المتفرج ويحكم انها عبثية!

بالطبع له الحق ألا يصطف وألا يحمل سلاحا. لكن كمثقف أو باحث ومحلل سياسي فإن توصيفه لما هو حاصل بأنها حرب عبثية هو مساهمة في التضليل ونزع أي قيمة أخلاقية عن السياسة.

صحيح أن هذا الخطاب الذي يبدو محايدا يتكيف تماما مع أدبيات الفاعلين غير الحكوميين الدوليين والعاملين في منظمات الاغاثة، لكنه لليمنيين أمر مختلف.

أريد أن أقول إنها ليست عبثية وفِي كل مرة أتردد خوفا مِن تهمة أني مسعّر حرب وأني مستفيد منها وأخشى أن تتوقف فتكسد بضاعتي مِن السلاح والذخائر والوقود. لكن لا شي مِن هذا.

على الأقل في ذهني، بدأت الحرب في اليمن عندما دشن الحوثي معاركه مستقوياً بالسلاح مستغلا حالة تراخي وميوعة مؤسسات الدولة ونافذا مِن رغبة الأحقاد والانتقام لدى الاطراف السياسية.

وبهذا فإن الحوثي متمرد على الدولة وهو قبل هذا عمل مخالفة لحوار وطني لمعالجة مشاكل البلاد دون السلاح.

فهل يحق لليمنيين الدفاع عن دولتهم مِن التمرد؟

بعد انتصار التحالف الدولي على د ا ع ش في الموصل كتب الصحفي الفرنسي في اللوموند كريستوف اياد أن الدمار الذي وقع في المدينة هو دمار لم تشهده أي مدينة منذ الحرب العالمية الثانية.

سُحقت الموصل تماما.

لكنها كانت حربا ضد جماعة إرهابية. وليست حربا عبثية بالطبع بالرغم مِن الكلفة الكبيرة والدمار الذي لحق بالمدن والناس والبنية التحتية مِن أجل القضاء على هذا الكيان السرطاني.

لماذا عندما تخوض دولة عربية كاليمن حربا لتعزيز أركان الدولة وفرض سيادتها ضد جماعات متمردة الجميع نقول إنها حرب عبثية؟. وأول ما يقول ذلك مثقفونا!

وعندما يخوض العالم أجمع حربا ضد جماعة إرهابية ليست الحرب عبثية إنما واجب أخلاقي!

الحياد يعني الالتزام
Être neutre est être engagé.

الالتزام هنا تجاه قضايا عامة أخلاقية وقانونية. مشاهدة انهيار دولة ليس حياداً إنما تواطؤ.

- أديب ودبلوماسي يقيم في باريس

زر الذهاب إلى الأعلى