جناية قطع المرتب
د. علي الحاوري يكتب: جناية قطع المرتب
لك أن تتصوّر نفسَكَ وقد سلكْتَ طريقاً طويلةً مديدةً خاليةً من الطريق الفرعية، طريقاً تَطلّب اجتيازها ٢٠- ٣٥ عاماً (منذ كان عمرك ٦ أعوام حتى صار ٢٦-٤٠ عاماً)، راجياً من ذلك بلوغ هدفٍ عظيم، تحقيقَ مصلحةٍ جليلةٍ، نيلَ أمرٍ يفيد مجتمعك ويفيدك في آن معاً، ثم تتفاجأ -وانت في منتهى الطريق وعلى بعد أمتار قليلة من هدفك- بحفرةٍ عميقةٍ سحيقةٍ تحول بينك وبين هدفك، حفرةٍ تملأ الطريقَ وتبتلع من يحاول اجتيازها يقيناً، ما يعني أنه توجب عليك، أو بالاحرى فُرض عليك، العودة إلى النقطة الأولى التي ابتدأت منها رحلتك، إلى نقطة الصفر.. لتبحث عن طريق أخرى.
ما الذي سيعنيه ذلك؟ أو بالأقل ما هو الشعور الذي سينتابكَ حِيال ذلك؟ بالتأكيد سيعني انك أضَعْتَ (أو ستشعر معه انك أضعتَ) تلك الأعوام كلها من عمرك، خسرتها وفقدتها من حياتك!
ذلك هو حال الموظف حامل الشهادة الجامعية والمعلم والأستاذ الجامعي منذ قُطِعت مرتباتُهم قبل أربع سنين وحتى اليوم. الموظف والمعلم أضاعا (أو صارا يشعران أنهما أضاعا) من عمرهما ٢٠ عاماً والأستاذ الجامعي أضاع (أو صار يشعر انه أضاع) ٣٠-٣٥ عاماً. وبالواقع هو حال جميع من قُطع مرتبه، وإن بدرجات متفاوتة.
العمل في خدمة "الدولة"، في خدمة "الحاكم"، بلا مرتب حالٌ مضى عليه أعوامٌ أربعة، ويُرادُ له أن يستمر، أو أن يستمر بأجر لا يجاوز أجر المواصلات في أحسن الاحوال، وأن يصير واقعاً مالوفاً لألف عام كما كان في التاريخ.
إلى من صارت قلوبهم كالحجارة بل أشد قسوة:
الشعب يتعرض للابادة الجماعية جوعاً. لقد جففتم ماله وقلبه ودمه. و"الكريم يثور حين يجوع واللئيم يثور حين يشبع"، كما قال الحكيم العربي.
لن ينسى الشعب جنايتكم. وما ضاع حقّ بعده شعبّ مطالبٌ وذو قوةٍ وذو بأسٍ شديد.