[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائقرئيسية

المنظمات الإنسانية في اليمن: مكامن الخلل والإصلاحات المطلوبة (تقرير خاص)

تقرير حول عمل المنظمات الإنسانية في اليمن: مكامن الخلل والإصلاحات المطلوبة بنظر مسؤولين وخبراء (تقرير خاص)


توجهت الأنظار في اليمن ومختلف دوائر الاهتمام ذات الصلة، مجدداً، نحو عمل المنظمات الإنسانية وحضورها في مختلف الملفات في اليمن منذ سنوات، بعد إعلان وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، في قائمة المنظمات الإرهابية،وهو التطور الذي قابلته بعض المنظمات، بالتخوف من التأثيرات على الجانب الإنساني، وأشعلت بياناتها موجة انتقادات يمنية حادة.
ومنذ تصاعد وتيرة الأزمة الإنسانية والحرب التي أعقبت انقلاب المليشيات الحوثية على مؤسسات الدولة اليمنية واحتلالها المدن، وما تلا من إجراءات، جعلت الغالبية من اليمنيين في مناطق سيطرتها يعيشون أوضاعاً بالغة القسوة، تحول عمل منظمات العمل الإغاثي من الأمم المتحدة ونحوها، إلى قضية جوهرية توضع حولها علامات الاستفهام بصورة متزايدة، وسط ثغرات جوهرية تكتنف عملها، بدءا من الآليات وليس انتهاء بالمواقف، وغيرها من جوانب الإخفاق.

خطة الاستجابة الإنسانية
تبدأ دورة العمل الإنساني السنوية في اليمن، من خلال خطة الاستجابة الإنسانية، وهي خطة يعدها فريق العمل الانساني التابع للأمم المتحدة وعلى رأسها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ومن المفترض أن هذه الخطة تعد بالشراكة الحقيقية مع الجانب الحكومي اليمني، ولكن الحاصل وفق مصادر نشوان نيوز أنها تعد دون أن يكون للجانب الحكومي أي دور.
وتشمل الخطة تقييم الوضع الإنساني وتحديد الاحتياجات والأولويات الملحة والمبالغ المطلوبة وعلى ضوء هذه الخطة يتم عقد مؤتمر للمانحين في شهر فبراير من كل عام لدعوة المانحين للتبرع لصالح خطة الاستجابة الإنسانية.
وعلى ضوء الخطط السنوية، تأتي مؤتمرات المانحين، والتي يقتصر فيها دور الحكومة اليمنية بحسب مسؤولين يمنيين لـ"نشوان نيوز"، على الدعوة إلى انعقاد مؤتمرات الاستجابة والمشاركة فيها ودعوة دول العالم لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية في حين، يتم توريد الأموال لحساب منظمات الأمم المتحدة، والتي بدورها تقوم بتصريف المبالغ المخصصة، وفقاً للخطط لديها وبما تراه هي.
ويضيف المسؤولون أن هذه القضية مسألة بحاجة إلى معالجة بالتنسيق بين الحكومة اليمنية والجهات المانحة وعلى رأسها المملكة، إذ المفترض أن تشارك الحكومة في إعداد خطة الاستجابة الإنسانية وتحديد الأولويات والرقابة على توجيه الدعم وتوجيه عمل المنظمات، لكن ذلك لم يكن يحدث باستثناء هذا العام، ويمثل ذلك واحداً من الثغرات الأساسية في عمل المنظمات.

كذلك فإنه، وفي الأوضاع الطبيعية، يفترض أن تورد التبرعات إلى البنك المركزي اليمني، وتصرف بواسطة الحكومة اليمنية لكنها بسبب الوضع الحالي تذهب إلى الأمم المتحدة. بالإضافة إلى أن من الأهمية بمكان أن يكون هناك عمل رقابي من قبل الحكومة وان تكون هي صاحبة الكلمة الأولى في العمل الإنساني وعمل المنظمات، وهو ما طالب به مسؤولون في الحكومة، بأكثر من مناسبة.

الخضوع لضغوط المليشيات الحوثية
ومن أبرز، مظاهر الخلل في الملف الإنساني في اليمن، أن المكاتب الرئيسية للمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ما تزال في صنعاء، ولم يتم نقلها إلى عدن. وهو ما يمكُن مليشيات الحوثي المدعومة من إيران من الهيمنة على عمل المنظمات وعلى آلية عملها وطريقة توزيع الدعم بين المحافظات.

بالإضافة إلى ذلك، يقول لـ"نشوان نيوز" مسؤول حكومي يمني في ملف الإغاثة، طلب عدم تسميته، إن "جميع المنظمات بلا استثناء تعمل وفق هواها، ودون أي رقابة حقيقية. بينما دور الحكومة شكلي فقط، إذا لا تقوم الحكومة بتوجيه الدعم ولا تحديد الأولويات".
ويضيف أن "جميع الدعم يذهب في جوانب غير ملموسة، وتذهب على غرار توعية، تدريب، تأهيل، ولا يتم التركيز على الجوانب الملموسة"، ويتابع أنه على سبيل المثال "بدلا من عمل عيادة متحركة لماذا لا يتم تشغيل مستوصف حكومي".
ويتابع "صرفت المنظمات الإنسانية في العام 2019 ثلاثة مليار ومائتين مليون دولار وهو مبلغ كبير لكنك لن تجد أي مشروع نفذته هذه المنظمات يتصف بالديمومة".

سطو الحوثيين

وبينما بات ملف سرقة المساعدات، أو نسبة كبيرة منها من قبل المليشيات الحوثية، من أبرز الملفات التي رافقت التناولات والتقارير المتصلة بالعمل الإنساني في اليمن، خلال العامين الماضيين، وباعتراف العديد من المنظمات، التي علق عدد منها عملها، لفترات متفرقة، بسبب نهب معونات إغاثية من قبل الميليشات، تحول جزء من هذا الدعم، إلى أحد مصادر تمويل جبهات الحوثي بالحرب وعملياته الإرهابية، وهو ما وثقته العديد من المنظمات ونشطاء حقوق الإنسان في اليمن، بأكثر من محطة، خلال الفترة الماضية.

وبسبب بقاء المنظمات ومكاتبها في مناطق الحوثي، فإنها في النهاية تجد نفسها تحت رحمة الضغوط التي يمارسها لابتزاز مسؤولي وموظفي العمل الإغاثي في اليمن.

إلى ذلك، فإن أحد أبرز جوانب الإخفاق والثغرات في العمل الإغاثي للمنظمات الدولية، ذهاب نسبة تصل إلى 50% من الدعم في مصاريف تشغيلية إيجارات مرتبات سفريات فقط، كما أن عدداً من المنظمات الدولية غير الحكومية، على غرار "كير، أكتد، المجلس النرويجي للاجئين، المجلس الدنمركي، أوكسفام"، والتي كانت في السابق منظمات مانحة لليمن، أصبحت بتعبير أحد المسؤولين، مجرد "منظمات مقاولة فقط"، إذ تقوم بتقديم مشاريع للأمم المتحدة في اليمن وتأخذ الدعم منها خصما من خطة الاستجابة ثم تقوم بتسليم العمل لمنظمة محلية من الباطن، بعد أن تخصم ما يقارب 30% من قيمة المشروع مقابل مصاريف تشغيلية لها، وبعد ذلك تقوم المنظمة المحلية بتحميل المشروع على مصاريف تشغيلية أخرى.

إلى جانب ما سبق، يأتي القصور في توزيع المساعدات الذي يفترض أن يتم بحسب الاحتياج الحقيقي للسكان أو الأسر النازحة، وكمثال على ذلك، فإنه ورغم "وجود 23% من نازحي الجمهورية في محافظة مأرب إلا أن الأمم المتحدة ظلت طيلة 4 سنوات تعتمد لمأرب رقم 76 ألف نازح فقط، وهو ما يقول المصدر، إنه أقل من العدد الفعلي بنحو 12 مرة.

كما أنه رغم كثافة السكان في مدينة مأرب ذاتها، إلا أن المنظمات الدولية إلى اليوم، لا تتواجد عبر مقرات رسمية في المدينة، عدا منظمة الهجرة الدولية والذي يعد تواجدها شكليا فقط، ودورها يعرقل العمل الانساني، فعلى سبيل المثال رغم موجه النزوح بداية 2020 من الجوف ورغم الاضرار من الأمطار لا يوجد مخزون طوارئ للمنظمات الدولية في مارب وهذا أمر معيب جدا ويضع علامة استفهام حول عمل الهجرة بمارب كقائد للعمل الإنساني حسب المسؤول الحكومي.

مُدخلات حوثية

وفي إطار الملاحظات المقدمة على منظمات العمل الإنساني، ما تزال بعض المنظمات الدولية (الإنسانية) تصدر تقارير دولية تتضمن ادعاءات ضد الحكومة الشرعية والتحالف، وتحملهما مسؤولية تدهور الوضع الإنساني، وتأتي مثل تلك التقارير بسبب أن هذه المنظمات تستقي معلوماتها من جهات ومنظمات محلية حوثية، ولا تعتمد أي من مؤسسات الدولة التابعة للشرعية كمصدر للمعلومات.

الحكومة والإصلاحات المطلوبة

وعلى صعيد تعامل الحكومة اليمنية في الملف الإغاثي، وجهت الحكومة وعبر هيئاتها المختلفة، انتقادات لعمل العديد المنظمات وطالبتها بنقل مقراتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، كما طالبت باعتماد آلية لامركزية العمل الإغاثي وإجراء إصلاحات في آليات توزيع المساعدات، وغيرها من المطالب.

وفي المقابل، يرى مهتمون أن تعامل الحكومة في الملف، ما يزال يواجه العديد من الإشكالات، منها تعدد الجهات الحكومية التي تعمل في المجال الإنساني (وزارة التخطيط، اللجنة العليا للإغاثة، السلطات المحلية، وزارة الشؤون الاجتماعية، الوحدة التنفيذية للنازحين)، وعلى الرغم من تعدد الجهات، إلا أن الفاعلية تواجه العديد من الإشكالات، كما أن ذلك يخلق إشكالات وتداخلا في الصلاحيات فيما بينها البين.

ويشدد خبراء في المجال الإغاثي على ضرورة أن تركز الجهات الرسمية اليمنية على وضع إطار لطريقة وآليات العمل مع المنظمات وما هي حدود المنظمات وواجباتها ومن هي الأطراف الرسمية التي يتعاملون معها، وأن تبقى التعاملات رسمية، وفقاً للقوانين والآليات ذات الصلة لمنع أي محاولات للتعاملات الشخصية التي تفتح باب الرشاوى، إلى جانب ضرورة عدم الاكتفاء بإصدار بيانات ومواقف بشأن المخالفات التي تحدث من مرحلة لأخرى.

ويؤكد الخبراء، على أن العمل من قبل بعض الجهات الحكومية دون العودة إلى الأسس القانونية المنظِّمة لعمل هذه الجهات أو لعمل المنظمات، يمثل أحد أبرز جوانب الإخفاق، بالإضافة إلى عدم وجود تنسيق بين الحكومة اليمنية والحكومات الممولة لمعرفة شروط التمويل، وبما من شأنه فرض شروط وخلق أدوات رقابية على أداء المنظمات.

وبالتالي، فإن الجانب الحكومي، وفقا لخبراء تحدثوا لـ"نشوان نيوز"، بحاجة إلى جملة من الإصلاحات الملحة والإجراءات التي من شأنها سد الثغراث، بما في ذلك، تشكيل هيئة إنسانية معنية بالعمل الإنساني تضم في عضويتها وزارة الخارجية، وزارة الداخلية، وزارة التخطيط، الوحدة التنفيذية للنازحين، وزارة الصحة، وزارة التربية، الأمن القومي.
ويشمل ذلك أن يتم إسناد جميع المهام المتعلقة بالمنظمات الدولية والعمل الإنساني لهذه الهيئة دون أن ينازعها أحد، والعمل بالمنظومة القانونية واللوائح السابقة المنظمة لعمل المنظمات الدولية والمنظمات الدولية غير الحكومية، وتتولى الهيئة إعداد سياسة واضحة للعمل الإنساني يشمل تحديد موجهات للعمل مثل تحديد نسبة المصاريف التشغيلية وما هي المصاريف التشغيلية، وإلزام المنظمات أن يكون جزء من المشاريع المنفَّذة من قبلها، ملموسا على أرض الواقع.

إلى جانب ذلك، تبرز الحاجة، إلى إلزام المنظمات الدولية الأممية بتجديد اتفاقيات العمل مع الحكومة اليمنية، كونها تعمل بناء على اتفاقيات قديمة مبرمة منذ بداية الثمانينيات، والتواصل مع المانحين والدول الشقيقة وفي مقدمتها المملكة لتنسيق العمل والمواقف في مختلف الآليات، فضلاً عن حاجة الحكومة إلى إصدار قرارات تجعل من اختصاصات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، التفتيش على سجلات المنظمات وسجلات العاملين فيها، وإحالة قضايا الفساد للنيابة وهيئة مكافحة الفساد.

ويقول مسؤولون معنيون بملف الإغاثة إن بعض المنظمات "تمتلك قدرة عجيبة على التهرب والتملص من أي التزامات، وقدرة أيضا على تزوير الواقع"، لكنها إذا ما وجدت "جهة قوية في الحكومة تتعامل معها فإنها تسلّم ولا تتعنت أو تصادم، إنما قد تحاول البحث عن جهة أخرى تتعامل معها لتتهرب من هذه الجهة الرسمية"، الأمر الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان، في خطط معالجة مكامن الخلل في العمل الإغاثي في اليمن.

وحسب مصادر حكومية، فإن معالجة الاختلالات المتعلقة بعمل المنظمات الإغاثية، يمثل أحد الملفات الهامة على طاولة الحكومة الجديدة، في حين أن رئيس الحكومة معين عبدالملك، كان قد أولى الموضوع اهتماماً في العديد من التصريحات الفترة الماضية، وهو الأمر الذي يأمل المهتمون أن يترجم إلى إجراءات.

الجدير بالذكر أن المنظمات الدولية، وعلى الرغم من إعلانها عن إصلاحات أو مراجعات قالت إنها تسعى للحد من نهب المساعدات التي أقر برنامج الأغذية العالمي في أكثر من بيان، أن جزءاً منها يتعرض للسطو من قبل المليشيات الحوثية، إلا أن هذه المنظمات في المقابل، تواصل العمل من صنعاء وتستمر بالخضوع لضغوط المليشيات، وإن اتخذت بعض الإجراءات من حين لآخر، مثل التعليق المؤقت لعمل بعض المنظمات، تحت ضغوط بعض التطورات.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى