الحوثية وطرائق التعبئة (1)
أمين البراق يكتب: الحوثية وطرائق التعبئة (1)
ليس من الغريب على أية جماعة منظمة أن تتبنى أيديولوجية معينة تحمل أجندة مختلفة وتسعى بكل الطرق والوسائل لتنفيذ هذه الأجندة وتطبيق سياستها على أرض الواقع.
لذلك ليست جماعة الحوثي بمنأى عن هذا الأمر، غير أن الجماعة رغم كونها تنظيما متطرفا يحمل فكرا محددا وأيديولوجيا واضح الملامح إلا أن تجربتها الواقعية ما تزال قصيرة الأمد فلم تكتسب بعد رؤية محددة للمستقبل البعيد ولا عن كيفية تنفيذ أجندتها في الحاضر، وهذا الأمر ليس بالخفي بل لا يقتصر على الجماعة الحوثية فقط وإنما على كل الجماعات في بداية مشوارها، لذلك يظهر واضحا أن الجماعة تغير أساليبها بين الحين والآخر، وتعمل أيضا على تطويرها يوما بعد يوم.
بالتالي، يجب فهم الحركة بصورة واضحة لمعرفة الأساليب والطرق التي تستخدمها في بث سمومها واللعب على عقول أبناء المجتمع صغيرهم قبل كبيرهم، إذ أن توجهها الفكري المتطرف قد يكون له امتداده الفكري على أبناء اليمن على المدى الطويل، هذا التأثير لن تمحه حرب عسكرية أو تسوية سياسية، بل لابد أن يواجه فكريا بكل الطرق والوسائل.
من هنا تتولد الضرورة القصوى لفهم آلية عمل الحركة وأيديولوجياتها التعبوية للقدرة على مواجهتها.
لا تتوقف جماعة الحوثي عن استنفار كافة الوسائل للتحشيد المستمر والتعبئة العامة بغرض بث سمومها في أوساط المجتمع اليمني، مستخدمة بذلك شتى الوسائل معتمدة على هالة إعلامية توجه كل جهدها ومجهودها لأغراض التعبئة المجتمعية غير آبهة بالأخلاق المهنية فهي لن تأبه بأي عرف أو مبدأ أو وازع لأجل تحقيق أغراضها.
نعرض من خلال هذه السلسة الأيديولوجيات والأساليب والطروحات المختلفة التي تستخدمها الجماعة في محاولة توطيد أفكارها السلالية وترسيخ مفاهيم الوصاية والحق الإلهي في أوساط الشعب بطرق لاهوتية أو سياسية وحتى لو استخدمت أساليب العنف والتهديد وزيف الادعاءات ما دامت تحقق غرضها.
تعمد الجماعة في مشروعها التعبوي على مسارين:
الأول: عزل مناطق سيطرتها عن وسائل التعبئة المضادة بشتى الوسائل مستخدمة بذلك تحكمها بوسائل الاتصالات المختلفة فتعمد لحجب المواقع والرسائل التعبوية، وكذلك العمد لتكذيب كل ما يتم وصوله متخذة من اختلاف الأطراف المضادة لها وسيلة لتبرير ذرائعها.
الثاني: القيام بالتعبئة العامة باستراتيجيات مختلفة عن طريق فرق متكاملة، مستغلة تحكمها بوسائل الاتصالات والإعلام المختلفة إذ يصل للجمهور إعلام موجه من طرف واحد.
لم يعد الموضوع بحاجة للتوضيح بشأن هذه الجماعة وأنها جماعة سلالية تعتمد على الفكر الديني المتطرف باسم الرمزية الدينية إذ لا تمت للسياسة بصلة فهي جماعة دينية متطرفة، تتخذ من الأفكار السلالية منطلقا لتوسعها ومبررا لحربها لذلك فهي توجه كل جهدها بطريقة لاهوتية بحتة، مستغلة مكانة الشريعة الإسلامية السمحاء وعامدة على تحريف مقاصدها في توطيد أفكارها باوساط المجتمع اليمني، متخذة تدين هذا الشعب طريقا تمتطيه للوصول لأغراضها.
إن مواصلة ربط الشعب بالرمزية الدينية هي أهم طريقة تستخدمها الجماعة في بث سمومها، مستغلة أيضا القضايا العربية الجذرية ك القدس وغيرها لتهييج عاطفة جمهورها وتمهيدهم لنشر أفكارها، معتمدة على جهل غالبية أبناء الشعب بالتأريخ السياسي وما ترتب عليه خلال العصور القديمة والحديثة في التاريخ الإسلامي.
ومن جهة أخرى تستغل البنية الاجتماعية القبلية للمجتمع اليمني بنخوته المنقطعة النظير بإثارة القضايا تحت مبرر القبْيَلة والشرف وغيرها..
كلها أيديولوجيات مختلفة تعتمد عليها الجماعة، يجب مواجهتها بطريقة مضادة بجبهة فكرية تعتمد على كشف التضليلات و توعية الجمهور بحقيقة الإدعاءات المختلفة، إن سرد هذه الوسائل وطرقها يحتاج لمؤلفات وليس لمجرد سلسلة مقالات، لكني أسعى من خلال هذه السلسلة لفتح المجال للجميع بتوجيه وخلق جبهة مضادة لهذه الأيديولوجيات؛ لكشف وتعرية الجماعة، وتوحيد الجهود للوصول للشعب المستغل والمعزول من قبل الجماعة.
لتحقيق أهدافها الفكرية تحرص الجماعة على اتصال دائم مع جمهورها وتذكيرهم بالقضايا المختلفة كل ما سنحت الفرصة، يظن البعض أن الدورات التدريبية التي تقيمها الجماعة هي من تقوم بهذا الدور، إلا أن الدورات لا يمكنها تحقيق الاتصال الدائم كما أنها لجمهور ليس بالكبير غالبيته من المنتسبين والمعجبين بأفكار الجماعة مسبقا، إذن كيف يمكن للجماعة تحقيق الاتصال وتحفيز المجتمع للقبول بأفكارها، وتوطيد العلاقة بها؟!
تستخدم الجماعة طرقا مختلفة أسعى للغوص بها من خلال هذه السلسلة، ليتسنى للجميع التفكير بطرق مضادة لها تعري هذه الجماعة السلالية بطرق عقلانية ومنطلقات وطنية بعيدا عن الأساليب التي يستخدمها البعض لمواجهة الحركة إذ أنهم يزيدون الطين بلة فهم يخدمون الجماعة في تنفيذ أيديولوجياتها المتعفنة وتغيير عقلية جيل بأكمله بدأتها بالمناهج وتنهيها بالتجنيد والزج للجبهات بالآلاف من شباب المجتمع.
إن موضوع أيديولوجيات التعبئة المجتمعية هو ركيزة المواجهة الفكرية والتي تشكل جبهة لا تقل أهميتها عن الجبهة العسكرية بل تتعداها لأن العسكرية تعنى بالحاضر بينما الفكرية تعنى بالحاضر والمستقبل، فإن ما تخلفه الجماعات المتطرفة من أفكار لا يمكن أن يمّحي بالهزيمة العسكرية مما يولد خلايا نائمة تستمر بمزاولة عملها التخريبي والتوسع جماهيريا حتى بعد الهزيمة ما لم تواجه بما يبطل ادعاءتها فكريا وتوعية المجتمع بخطرها، وفهم أساليبها بالتوعية هو مفتاح الرد فمعرفة أفكارها التضليلية لا يكفي ما لم يتم الحد من انتشار هذه الأفكار.
ويبقى الموضوع يحفه الكثير من الصعوبة لكنه ليس بالمستحيل، ليكون مسؤولية الجميع من أجل مواجهة التطرف الديني والسلالية العنصرية، نسعى جميعا لتعرية هذه الأيديولوجيات بما يخدم معركة الخلاص من هذه المشروع المدمر.
عناوين ذات صلة: