الطعام على مائدة المدر التهامي
د. فاروق ثابت يكتب: أكواب حيسي وتنور زبيدي وكوز جرّاحي.. الطعام على مائدة المدر التهامي
يحسب للبروفيسور الراحل عبده عثمان غالب أنه أول من كشف عن صناعة الإنسان اليمني القديم للمدر.
بمعية البعثة الإيطالية تمكن رئيس قسم الآثار الأسبق بجامعة صنعاء من تحديد بدايات وجود الفخار في اليمن منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.
في تهامة وبالتحديد "زبيد والجراحي وبيت الفقيه" ستكون الرحلة أجمل وأنت تنتقل إلى عصور اليمن القديم تشاهد الفخار عن يمينك ويسارك، الحرفة الأصيلة للإنسان اليمني والتي ما زالت ترافقه حتى الآن وتؤكد عظمته عبر العصور.
لا يخلو أي منزل في اليمن من المدر الذي يتصدر عادة مائدة الطعام، وقد قرنت أشهر الأكلات بالمدر، ك"المدرة السلتة، والمدرة الفول".
ولعل أشهر صناعات الفخار في اليمن هي المدر والآنية "الحيسي" والتي ما يزال اسمها يطغى على السوق اليمني بشكل عام، ويعود تسميتها إلى مدينة حيس الواقعة في محافظة الحديدة.
وعلى الرغم أن ثمة أماكن أخرى في اليمن تنتج الفخار ك"وصابين وريمة والحجرية" غير أن إنتاج مناطق تهامة للفخار يأتي في الصدارة.
يصنع الفخار من مادة الطين اللبني أو ما يعرف ب"التراب الأحمر" يمزج الطين اللبني بالماء ثم يوضع فيه شيء من التراب الأحمر، ليعجن بعد ذلك، ثم يأتي دور التشكيلي الذي يصنع منه آنية الفخار بأحجام وأشكال مختلفة، وبعد أن يتم تجفيفها يتم وضعها في أفران تقليدية تشعل فيها نيران الحطب حتى تتصلب وتصبح شبه جاهزة إلى أن يتم طلاؤها وإجراء اللمسات الزخرفية الاخيرة للمنتجات التي تتطلب ذلك، ثم الدفع بها للعرض في الأسواق للزبائن.
تصنع آنية القهوة من الفخار بطريقة تشبه الأكواب الزجاجية، وتعرف ب"الحيسي" وعادة ما تتوفر هذه الأكواب المصحوبة بجرة القهوة المُرة ذات الحنفية في أماكن الحلوى اليمنية المنتشرة على طول اليمن وعرضه.
وإلى جانب صنع المدر التي تطهى فيها المأكولات الشعبية ك"السلتة" و"الفول" وغيرها، فإن اليمنيين عرفوا منذ القدم وما يزالون صناعة آنية الماء من الفخار كالجرة، والدوح، والقصيص -لحفظ الماء بارداً ومنعشاً، وكذا ما يعرف ب"القشوة" وهي أداة فخارية يستخدمها القرويون في كثير من المناطق لتخليص وحفظ السمن البلدي.
وحديثاً أدخل اليمنيون الحنفية للدوح أو الكوز، تماشياً مع صناعة الخزانات المائية الصغيرة أو ما يسمى ب"الترموس".
ورغم تراجع التهافت الكبير لهذه المنتجات مع مرور الوقت، لكن الطلب لمدر طهي الطعام، و"مافي" أو تنور المدر الذي يتم فيه طهي الخبز اليمني المعروف ب"الملوح" ما يزال في الذروة لدى الكثير من المواطنين في القرى والمناطق النائية، فيما تتهافت عليه المطاعم والمخبازات لعمل خبز "الملوح" أو "الرشوش" في تنانير المدر.
وتكثر صناعة هذا "التنور" أو المافي في تهامة أيضا من حيث اشتهار المنطقة، ككل، في طهي المأكولات اليمنية التهامية اللذيذة المعروفة ب"المدفون" و"المزموم" (اطباق لحم وارز).
وتجاوز طلب تنور المدر، محلياً، إلى خارج اليمن من جميع مطاعم اليمن في الخارج، من حيث إن عشق خبز المدر اليمني من "ملوح" ورشوش، لم يعد حكراً على اليمنيين فحسب، ولكن تجاوز ذلك إلى الأجانب في كل دولة وجدت فيها المطاعم اليمنية.
مؤخراً تراجعت صناعة المنتجات الفخارية في تهامة، بسبب دخول المنطقة خط الحرب، حيث فقد الكثير من حرفيي الفخار أعمالهم، في هذه المهنة المتوارثة منذ الأزل.
عن موقع نيوزيمن.