الملحمة الأخيرة.. في الحرب الضرورة
د. محمد شداد يكتب: الملحمة الأخيرة.. في الحرب الضرورة
ضربت بنت عمران "حسناء علي ناجي صلاح الفتاة ذات 16 ربيعا الملقبة "بلقيس" أروع الأمثلة في البطولة والشجاعة، مثلت المرأة اليمنية الأصيلة سليلة النخوة الحميرية، حيث تمكنت من قتل قيادي حوثي بضربة فأس بالرأس، انتقاما منه لمقتل شقيقها وإصابة والدها بجروح غائرة، فكانت بألف من نوعية المدعو "أمين عاطف" الذي قال اعطوني خمسين مسلح اقتحم بهم مدينة تعز، مفرغ الفكر منزوع القيم الجمهورية والمواطنة المتساوية، يسوقهم المشرف الحوثي إلى حتفهم المؤكد كما يحدث اليوم على تخوم مأرب الجمهورية والصمود وهم لا يعلمون لماذا يساقون إلى أخاديد الجحيم.
المذبحة الثورية الثالثة في مأرب التي تعيد الصورة حية لأحوال صنعاء وصمود رجالها والتحام ثوارها بأهلها أثناء حصار السبعين يوماً، مأرب هي الفعل الثوري والقتالي ذاته، نموذجاً ثانٍ لملحمة السبعين التحم كل من فيها بمختلف أطيافهم السياسية وطبقاتهم الاجتماعية رجالاً ونساء صغاراً وكبار مدنيين وعسكرين الأمر الذي عزز الثقة لدى الجميع أن هزيمتهم بعيدة المنال.
قال أحد مشايخ عمران عند هبوط طلائع الغزو الحوثي وسوقها إلى تعز كمجاميع تجمعهم ذهنية واحدة تبحث عن الموت، من عمران وذمار وبعض مناطق العاصمة صنعاء واشتعال المقاومة في كل اتجاه، قال أبلغوا الشيخ حمود المخلافي السلام "وقولوا له يستمر في تصفية محافظة عمران من العاطلين واللصوص وقطاع الطرق"..
المعركة في منظور الشيخ هي بين أصحاب الوعي و صُناع الثورة في عمران وبقايا الكهنوت الامامي، فكانت الفلتر الواسع لجيل الحداثة والجمهورية ومصفى معدن الرجال برز وبان الصافي واختفى من تبقت في قلوبهم عوالق فوضى الإمامة.
فأين أولئك مقابل تحدي وعنفوان بلقيس اليمن؟ عند وضعهم في موازين الرجولة والدفاع عن الوطن والعرض، تهافت الكثير على كسرة خبز يقتُل بمقابلها أهله وأبناء عمومته من اليمنيين إرضاءً للشياطين من دعاة الدمار التاريخي الشامل لليمن.
حب الوطن ليس مجرّد كلمات رنانة يطلقها المدجج بسلاحه، وصرخات يطلقها البلهاء بل هو عشقٌ تثبته الأفعال في الدفاع عن كينونة الشخص هويته ووجوده، والشعور بأن أمنه وعزة قومه جزء من الأمن النفسي والشخصي له ولعامة الناس، لهذا فإن حب الوطن يتجلى في تصرفات أبنائه وحرصهم على لحمته وعزه وحمايته من أي تدمير داخلي أو خارجي محتمل.
تأتي المذبحة الدورية التي يفتعلها دعاة الحق الالهي والخيال الرخيص، بحق اليمنيين في ظل صحوة مجتمعية غمرها صخب الأحداث وتفرق أصحاب الهوى والعابرون للمدن والقرى وانطلت عليهم الخديعة التي عبرت سماء جيل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر غير أنها لن تدوم.
إنها الدورة الأخيرة في صراع اليمن البيني وإن دخلت فيه أطراف خارجية وإن طال ليله وامتد أمده ستنكسر، كسر الشعب اليمن خاتم الشعوذة ولم يعد يؤمن بطلاء القطران وبالخوف من جن دراما الإماميين الجدد ولن يخدعوا الناس مرةً أخرى.
إنها الحرب الجمهورية الإمامية الأخيرة والتي كانت بمثابة المزامير الهندية التي أخرجت الثعابين من كل شقوق الصف الجمهورية التي اختبئوا فيها طيلة عقود مضت، لترقص على نغمات الفُحش العرقي والسلالي الطائفي، وتسوقهم إلى هلاكهم الأخير.
إنها الحرب الضرورة التي أتت حتمية لتصفية المجتمع من معاقيه وعميانه وتصفية أخيلة اليمنيين من الرواسب التي علقت بها، إنها كرة اللهب التي طالت كل بيت في اليمن وتوزعت بين الموت والجراح والنياح والخوف واشتداد الفقر.
إنها المذبحة الأخيرة في تاريخ الحروب اليمنية الدائرة بين الحق والباطل وبين عروش اليمن ، وقباب الكهانة بين الحق التاريخي لأبناء اليمن، والعائشين في زمن غريزة التدمير، منذ أن تسلل يحي الرسي إلى اليمن وحتى هذه اللحظة التي جعلوا فيها الحرب صفة ملازمة لقطاع كبير من القبائل اليمنية لإفقارهم وإبعادهم عن مسارهم التاريخي الريادي ودورهم القادر في بناء اليمن في تاريخهم الحديث.
عناوين ذات صلة: