سورة مأربية
أحمد ردمان يكتب: سورة مأربية
تمر الأمم بمنعطفات مفصلية تفتح أبوابا لذوي التوجهات المختلفة بل والمتضادة , وحينها يدلف كل فرد من البوابة التي يختارها وفقا للارضية الفكرية والثقافية والقيمية التي ينطلق منها ذلك أن تلك المنعطفات تحمل في طياتها ميزة إشباع الحاجات المتعددة لدى البشر فيستفيد المصلحي ، وينتقم الحاقد ، ويتلذذ المتشفي , ولكن هناك صنفا آخر من البشر يجعل من الأحداث بوابة لتسنّم المجد الدنيوي والأخروي إن جاز التعبير , ولا شك أن لذلك المجد ضريبة يدفعها وقد ترقى إلى أن تكون متمثلة في إزهاق روحه وبما يجعل منه قرينا للأمجاد التي تتضاءل أمامها الكثير من أفعال الكرام ذلك أن الجود بالنفس أسمى غاية الجود , لكن ذوو الأمجاد يدفعون تلك الضريبة وابتسامة الرضا تكسو محياهم لعلمهم بما لذلك من مردودات عظيمة تعود على مجتمعهم وأمتهم
ولا شك أن البعض من المجتمعات أو الأمم تمتلك رصيدا تاريخيا من الأمجاد التي تجبرها أخلاقيا على تكرار صناعتها مع تراخي العصور وتوالي السنون .. إذ يعد الاستمساك بالمجد ثقافة سائدة لدى أبناء تلك المجتمعات لا يمكن أن ينفك عنهم أو ينفكوا عنه وحينها يصبح الفصل بينهما ضربا من المحال .
ولا شك أن لسبأ مجدا لا تضاهيها فيه بقية الأمم التي لم تطاولها في الأمجاد حتى اقترن المجد بسبأ كما لو أنهما متلازمتان عصيّتان على الانفصام ذلك أن التاريخ السبئي ملئ بشواهد الإباء مشحون بدلائل الأنفة والكبرياء منذ القدم إلى أن أتى مجدد الأمجاد السبئية الأسد الشهيد القردعي ليخط بدمه الزكي سورة في مصحف الأمجاد الإنسانية ما زال الأحرار يستلهمون منها القيم في الجبهات المشتعلة على حدود مأرب مع الإمامة البغيضة التي ضرجها القردعي بدمائها يوم أن زأر بأعلى صوته في وجهها ، وأطلق الرصاصة المقدسة في نحرها ، وهاهم الأحرار اليوم يرتلون سورته ، ويطبقون تأويلها مع كل علج غازٍ يرموه إلى الجحيم في اقتفاء واضح لدرب القردعي المنير .
لقد كان لسبأ في قاموسهم مجدا آية في البهاء ، وأيقونة في النقاء حتى غدا عنوانا لها يقرأه أبناؤها في تاريخهم ، ويستلهمونه من ماضيهم ، ويجسدونه في واقعهم أفعالا حيّة بها تحيا اليمن على أنقاض مشاريع الكهنوت التي يتم اليوم دفنها في الرمال المتحركة بمأرب الصمود والأمجاد .
إن توزيع الأقدار الجميلة لا يأتي جزافا دونما استعداد ذاتي لأصحابها في تقبّلها ، أو دون وجود أرضية مهيأة لاستنباتها , وهاهي اليوم مأرب تصنع مجدا تليدا يراه العالم في سَورة الغضب المأربي وذلك بحمايتها للجمهورية ، وحراستها للعروبة ، وذودها عن الإسلام ومقدساته ، ودفاعها عن القيم الإنسانية فوق كل أرض وتحت كل سماء.