نحن المفقودون في زمن الحرب
د. لمياء الكندي يكتب: نحن المفقودون في زمن الحرب
لقد اخذتنا الحرب من انفسنا اكثر مما ينبغي فرضت قوانينها الطارئة بصورة شاملة ربما تمنح المقاتلين بعض الوقت كي يسكت صوت الرصاص في المعركة، ربما تمكنهم سويعة ليتمكنوا من مضغ عيدان القات، وكتابة وصاياهم الاخيرة، وتبادل هزل ما قبل الموت ليصفعوا بذلك الهزل وجه الحرب التي ما زالت تفتك بهم.
لقد اختار الجنود طريقهم وادركوه لذا لا تجدهم مثلنا يبحثون عن انفسهم انهم ابناء اللحظة وفي كل ساعة تمر عليهم في الجبهات لهم ميلادا جديد وهدف ثابت لا يتغير.
لقد تركوا كل شيء وراء ظهورهم وانفردوا بأنفسهم لقد اختاروا طريقهم ومضوا فيه.
اما نحن فلم نتمكن من اختيار طريقنا لقد كنا وما زلنا ضحايا هذه الحرب ومفقوديها الذين لا احد في هذا العالم يمكنه ان يشاركهم معاناتهم، نحن الذين افتقدنا الذوق في الحياة والاحساس بطعمها، نحن الذين اسقطنا انفسنا ورغباتها الكامنة تحت وطأة التكيف مع الواقع لصالح ان تستمر الحياة في ظل الحرب، جارينا قوانينها الجائرة بل و ضغطنا على زنادها واطلقنا رصاصة ما قبل الموت الأخير علينا.
فقدنا الرغبة في الكتابة وفي التأمل، في السمر الجميل والمقيل الجدلي البناء، صرنا نشعر بالملل من كل شيء، والسخط على كل شيء، تحولت الحياة لدى العديد منا إلى مسرح ضيق من المجاملات والملاطفات الساذجة تلك الملاطفات التي نحاول من خلالها كسر حاجز عزلتنا الداخلية للظهور بمظهر طبيعي دون ان تبرز علينا عقد الحرب وتشنجاتها على افعالنا واقوالنا لكننا غالبا ما نفشل في ذلك.
كل فرد فينا تشطر إلى جزئين بل واكثر، وصل بأغلبنا الحال إلى التشظي الذي صرنا امامه عاجزين على لملمة احزاننا وجمع حطامنا، كل يوم نفقد عروة من عرى الحياة حتى هويتنا الايمانية التي كانت الرابط القوي بأنفسنا فقدنا جزء كبير منها بفعل الحرب، عندما شعرنا بان يد ما عابثة امتدت اليها لتجعل منها قرينة للحرب والفجور والارهاب واكل الحقوق ونهب الاموال وكشف الاعراض باسم الحق الالهي والنصرة الالهية والتأييد الالهي، صرنا بعيدين جدا عن الله كما نحن بعيدين من انفسنا ترى من اوقعنا في كل هذا المتلاطم من الحياة الخائبة التي لا ترضي احد.
من اوقعنا في شراك الانقسام والتعصب، من حولنا إلى خناجر طاعنة وظهورا مكشوفة للموت واموال سائبة واحلام مرتجفة وامال خائبة، من يا ترى صاحب الطلقة الاولى التي احالتنا إلى عثرة في طريق الوطن والمواطنة انها تساؤلات الحرب والسلام التي ما زالت تبحث عن اجابة يتوحد فيها صوت اليمنيون وتتوحد قلوبهم وضمائرهم ويرجعوا إلى طريق سبتمبر وجمهوريته الخالدة، وحده سبتمبر الجامع لمشاريع الوطن والحاضن لأبنائه علينا ان نكون اكثر صدقا مع أنفسنا ونجزم بعداوة فلول الامامة لحاضرنا ومستقبلنا كما كان ماضيها وكما يثبت حاضرها.