سموم يجرعونها للشعب اليمني منذ ألف عام
بقلم الأستاذ المناضل السبتمبر ورئيس الوزراء الأسبق محسن العيني: سموم يجرعونها للشعب اليمني منذ ألف عام
حاولنا أن نتلمس أي أثر من آثار الحكومات (الشريفة) التي تعاقبت على بلادنا منذُ الف عام.. فلم نجد أثراً إلا بعض المؤسسات هنا وهناك كان الأتراك في أثناء وصولهم قد شيدوها لعساكرهم أو مراكز لإدارتهم أو مستشفيات وقد حولها أسيادنا الشرفاء إلى معتقلات وسجون وقصور لهم ولنسائهم!
كل ماجنته بلادنا من الحكومات هو الذل والعبودية والاستسلام..
لقد كان العربي يعيش في جرف في أعلى الجبال يغني ويضحك ويمرح ويخرج للصيد، فلا يعود الا ومعه غزال يشويه ويأكله وعائلته وصحبه، وكان هذا العربي لا يقبل بحريته بديلا. إن العربي ما عرف إلا حرا، فما الذي حوله هكذا، ذليلاً، جباناً، خاضعاً، مستسلماً.
هذا إذا تجاهلنا أنه على أرضنا عرفت البشرية الديمقراطية والشورى والحكم الشعبي لأول مرة في التاريخ الإنساني. ألم يقل القرآن الكريم على لسان بلقيس: "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ".
أفتوني ما رأيكم، لن أقطع في الأمر حتى أسمع ما عندكم، هذه بلقيس اليمنية الخالدة.. هل كانت ملكة؟ وهل كان النظام في اليمن ملكيا.. كلا إنها الجمهورية. أليست بلقيس هي التى تقول: "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً".
لكأن هذه اليمنية الكبيرة تنظر عبر القرون إلى بنيها اليوم وقد أذلهم الملوك وأفسدهم الطغاة، وأحنوا جباههم، وقضوا على كل عزة فيهم وأنفة. لقد قطعوا أوصال البلاد.. ونشروا الحقد والحزازات والضغائن بين بنيها. سلطوا قرية على قرية وقبيلة على قبيلة، ومذهبا على مذهب. لقد أفسدوا الأخلاق وخربوا الذمم وجعلوا البلاد مسرحاً للرشاوي وللمحسوبيات، ومرتعا للدس والوقيعة..
وكأني بها وهي تشهد بنيها وقد تسلطت عليهم الحماقات وعُزلوا عن الدنيا وسكان الدنيا، ولم يسيروا مع تيار الإنسانية بحجج سخيفة بلهاء.
أجل لقد عمل حكامنا على مر الأيام على فصل اليمن عن الكون كله، لقد علموا أبناء اليمن أن الدنيا كلها كافرة، وان الغرب والمسلمين قد تخلوا عن الدين والتقاليد والأخلاق، وأن القابض على دينه كالقابض على جمرة وأن الجمرة هذه لا وجود لها إلا في اليمن.
هل ننسى ذلك الخطيب المسعور الذي وقف في الحديدة يهاجم الدنيا كلها، ويلعن العلم والحضارة ويسخر من الصحافة والراديو ويتهكم على العرب ويلعن المسلمين، وهل ننساه وهو يتحدث عن فضائل حكامنا ويعيد، وكأنه يتيه على الدنيا فخرا وزهوا.. يردد عبارات الادعاء والدجل والخداع وكأنه يسبح.. كأنه يتبتل!
لقد ظل هذا وأمثاله يرددن هذه الأسطوانات على اليمنيين في كل مجتمع.. ظل الشعب مستسلما لهؤلاء الدجالين وهم صباح مساء يلعنون له الدنيا ومن عليها. لقد قضوا على كل معنى للحياة ويعيش اليمانيون موتى ينتظرون على حافة القبور أن يهال عليهم التراب.
- محسن العيني مناضل سبتمبري، رئيس وزراء أسبق
- من كتاب: معارك ومؤمرات ضد قضية اليمن، الصادر قبل ثورة 26 سبتمبر 1962
عناوين ذات صلة: