ذاكرة التنوير اليمنية (1): محمد عبدالله المحلوي
د. لمياء الكندي تكتب حول: ذاكرة التنوير اليمنية (1): محمد عبدالله المحلوي
كانت وما تزال مسألة تكوين الوعي الديني والفكري للأشخاص والمجتمعات مهمة في صنع الشخصية والهوية الوطنية وهي المحرك الفعلي في البناء الصحيح للدولة والمجتمع.
وطالما كانت مهمة تجهيل الشعب سياسة إمامية متعمدة لضمان استمرار الحكم الإمامي القائم على قواعد متينة من الخرافة السلالية، لهذا كانت حرب الامامة ضد التنوير مستمرة فهي نظام يحارب العلم وأسس النقد الديني والعلمي والمعرفي والسياسي، نظام مغلق على ذاته حاول سجن اليمنيين في أتون الخلاف ووضعه موضع المتلقي الذي يفرض عليه تقديس كل ما يقوله الحاكم وكل ما يفرضه مذهبه على اليمنيين دون السماح لهم بالنقد والقراءة المغايرة للمفاهيم المعممة التي يعد الخروج عليها بنظرهم كفرا!
أسهم محمد عبدالله المحلوي في إكمال الجدل الذي بدأه من قبله رموز الفكر وعلماء اليمن ك الشوكاني والمقبلي وابن الامير والحسن الجلال وغيرهم ممن أسهموا في نشر الوعي ومقاومة الدجل الإمامي وفضح كذبهم.
كانت القراءة الواعية ونقد الكتابات الدينية مهمة المحلوي الأولى في مواجهة خرافة السلالة وعلمائها الذين ملأوا الدنيا حديثا عن قدسية الآل ووجوب طاعتهم.
حاول المحلوي أن يفضح الموروث الديني والثقافي للإمامة وتوجيه النقد الدائم لها، ارتبطت علاقته بالعديد من الشخصيات الوطنية التنويرية ك العزي السنيدار وأحمد المطاع وعبدالله العزب وعبدالله الثور وحسن الدعيس والوريث وغيرهم.
كان دكان الحلاقة ل علي عبدالله الكوكباني دوحة للقاءات المحلوي بمجموعة من الموظفين المهمين من الأتراك قبل نيل اليمن استقلالها وقد كانت تدار في هذا الدكان العديد من الحوارات السياسية والدينية التي تشكلت وانتشرت فيها أفكار المحلوي الدينية والسياسية القائمة على الحجة وكان دائما موضع تقدير واحترام لدى تلك النخب التركية.
كما كانت جلسات المقيل فرصة سانحة لنقاشات منطقية جريئة كان يطرحها المحلوي في مجلسه وكانت تقابل بالنقد والتكذيب إلى أن يأتيهم بالحجة القاطعة فيكسب بذلك عقول محاوريه وقد ذكر لنا العزي السنيدار في كتابه "الطريق إلى الحرية" مواقف متعددة وحكايات لقضايا كان يؤمن بها المحلوي وكيف تمكن بالحجة والمنطق الحكيم إقناع جلسائه فيها.
لهذا كانت سلطات الإمامة ترسل المزيد من الجواسيس لحضور المقايل التي يحضرها المحلوي ومراقبة الحلقات الحوارية التي كان يتحدث فيها في الجوامع. بدأ الطاغية يحيى بالتضييق على المحلوي.
كان المحلوي يرى في السياسة العثمانية وتغيبها عن تنمية التعليم الفعلي في اليمن سببا في محاربة اليمنيين للأتراك وسببا في وجود حكم بيت حميد الدين الذي سيعاني منه اليمنيون أشد معاناة.
وقد حارب المحلوي تقديس الإمام والغلو في حبه ومحبة ال البيت، يتساءل المحلوي كيف يمكن أن نفرق بين الرجل الذكي والرجل الغبي فيجيب إذا رأيت الرجل يقول بوجوب ولاية الإمام علي فهو غبي ومن يقول بالشورى فهو ذكي.
استمر المحلوي في نقد الأسس الفكرية للهادوية في اليمن واستمر في نقد الإمام، فيتساءل هل أخلاق الإمام تشبه أخلاق الإمام علي، وكانت الإجابة دائما ب لا. واستمر بنقدها ناشرا مساوئ الإمام والأئمة من آل القاسم وعلماء الدين المداهنين لهم.
وتمكن المحلوي عبر ما أثاره من قضايا هو وفيلسوف الثورة حسن الدعيس من كشف العديد من عقد التزييف الامامية التي جوبهت بالرفض والإنكار لحد التكفير ومنها باب الوسيلة وتدريس القران بالأجرة والإمامة والولاية وغيرها حتى سرت الدعاية الإمامية بين الفقهاء وعامة الناس أنهم يمثلون جماعة تحب معاوية وتبغض آل البيت فكانوا يشتمون بحب معاوية وبغض على النبي وآله.
لقد ازعج مقيل العزي صالح السنيدار الذي كان يضم على رأسه المحلوي والدعيس والمطاع وغيرهم من قادة التنوير للحد الذي وصفهم الامام يحيى بمجموعة من "المفقعسين المشاغبين"، ليتم بعد ذلك القبض على مجموعة منهم بينهم المحلوي ورفاقه في 20-5- 1936م، وتحت تهمة إثارة الناس وبغض الإمام علي واختصار القران الكريم، واجه المعتقلون تهم الإمامة المجحفة وسرت الدعاية بين الناس على أن قادة التنوير مجموعة "درادعة" أي طائفة من اليهود وتحت هذه الأوصاف نشرت الدعاية الامامية تشويهها لحركة التنوير اليمنية ورجالها مستفيدة من حالة الجهل العامة.
واستمر الامام في سجن المحلوي حتى وافته المنية مسجونا في سجون الإمامة في ربيع 1936م وكان أول شهداء التنوير في سجون الطاغية يحيى. وكان المحلوي يتحدث عن رجال اليمن والجهل المخيم على اليمنيين فقال النوابغ في كل العالم قليلون ومحاربون من الملوك وعلماء الجمود وأهل الاطماع والأهواء لا سيما في اليمن فإن ملوكها عزلوها عن العالم وهم السبب في ضعف الدين ولم يبق منه إلا القشور فلا تصدق أن اليمن ليس فيها نوابغ ولكنهم يعدون بالأصابع وأريد أن تعرف الرجال المفكرين وهم الأحرار الذين لم يتقيدوا بمذهب.
رحم الله قائد التنوير المعاصر في اليمن الذي لم تنطفئ شمعته حتى اليوم.
عناوين ذات صلة: