رحل أحد أحب اليمنيين إلى قلبي: العميد علي محمد السعدي
سامي غالب يكتب رحل أحد أحب اليمنيين إلى قلبي: العميد علي محمد السعدي
رحل اليوم أحد أحب اليمنيين إلى قلبي؛ أبو جياب.
قلبي مفطور.
فقد عظيم!
في ظهيرة يوم عدني ملتهب من صيف 2007 اتصل بي صديقي العزيز صالح الحنشي يبلغني بالتطورات في عدن (واحدة من اوائل التظاهرات الاحتجاجية في عدن نظمها المسرحون قسرا من الجيش والأمن في عدن عقب حرب صيف 1994 الكارثية)،
كنت في مكتبي في صحيفة النداء.
أراد صالح أن استمع دون وساطة إلى وجهة نظر أحد منظمي التظاهرة قائلا: معي الآن الأستاذ علي محمد السعدي.
دردشت معه نحو ربع ساعة، وكان فحوى الدردشة خبرا رئيسيا في الصفحة الأولى من العدد الأسبوعي، يلخص مطالب المتظاهرين.
لم يكن مجرد مصدر!
استرعى اهتمامي كصحفي مستقل إشارته الحاذقة إلى دور وسائل الاعلام الحكومية. قال لي: يرطن رجال السلطة في اليمن عن حرية الصحافة والحق في التعبير. ها نحن قد خرجنا في تظاهرة سلمية. لكن فعاليتنا السلمية لا أثر لها في وسائل الإعلام العامة (الحكومية) بدءا من إذاعة عدن.
صار علي محمد السعدي أحد مصادر "النداء" المهمة في تغطية التحولات في المحافظات الجنوبية.
كان المصدر الرفيع أولا.
ثم غدا الصديق الرفيع. إذا زرت عدن فهو وجهتي الأولى: كقيادي حراكي وكصديق وكرجل شهم كريم موقر لكأنه أحد الكبار في أسرتي أنا.
كذلك مقامه عند كل فرد من أسرة النداء.
يحضرني توا تعليقه الحارق في مجلسه في منزله المتواضع في المنصورة يوم كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح يلقي كلمة في ختام فعالية في صنعاء في الذكرى الأربعين للانتصار على حصار السبعين يوما (الحصار الذي أطبق على صنعاء من قبل الإماميين بعد انسحاب الجيش المصري من اليمن الشمالي عقب هزيمة يونيو).
كان ينتظر خطابا مغايرا من الرئيس يترجم حساسية سياسية حيال الوضع الملتهب في المحافظات الجنوبية. لكن الرئيس التزم المنطق العتيق نفسه؛ فقد شدد على ان السلطة ستضرب بيد من حديد على الشرذمة التي تتوسل انجاز الانفصال رغم أنها اخفقت في ذروة قوتها (1994) عندما كانت تحوز على جيش وصواريخ سكود وطائرات ميج ٢٩. كان خطابا اقضائيا استعلائيا لا يطاق. التفت نحوي وقال بأسى: مافيش فايدة فيه.
****
في 2011 اندلعت ثورة شعبية ضد نظام صالح. فتقدم السعدي إلى الواجهة مجددا كأبرز المؤيدين لها. لاح حينها صريحا في موقفه خلاف آخرين من رفاقه أبدوا تشككا في مآلات هذه الثورة، وتطير بعضهم من مخاطر هذا التغير الجوهري في شكل السلطة على غايات الحراك الجنوبي.
***
في صيف "الربيع العربي" في اليمن فقد نجله الشاب جياب في حادثة دامية. توجب علي السفر إلى عدن في اليوم التالي لتقديم العزاء.. المحنة لم تغير من طبيعة هذا الرجل الأصيل إذ وجدته على عهده: ثابتا متحكما بانفعالاته، كريما ومتبسطا.
****
في 28 فبراير الماضي (قبل 3 شهور تقريبا) كنت مع صديق عزيز في المطعم اليمني في القاهرة في انتظار الغداء. لم اتصور أن اصادفه في القاهرة. التقطته عيناي. أمعنت وتفحصت، ثم حملني شوق جارف نحوه. كانت تلك واحدة من أسعد اللحظات التي عشتها في القاهرة. بناء على إلحاحي انضم إلى طاولتنا، ثم دار حديث في حضور صديقي عبدالعليم مقبل الذي ما لبث أن صار مثلي؛ مفتونا ببهاء هذا الرجل ورفعة شخصيته.
وقد سأله عن موقفه مما يجري في عدن والمحافظات الجنوبية. فسارع إلى الرد بانه كحراكي مؤسس ليس في مكنته أن يكون ذيلا لـ"دولة ذيلية"!
قال أكثر من هذا بكثير.
في انتظار صانونة السمك وسمك الشواية في المظعم فرضت الذكريات نفسها علينا. كان متدقفا كعهدي به. وهو وصف رفيقه السابق في معتقل الأمن السياسي بصنعاء، محمد علي الحوثي، بالكذوب. (معلوم أن علاقة متعددة القنوات جمعت بين مكونات الحراك الجنوبي والحوثيين في السنوات الـ3 الأخيرة من حكم الرئيس السابق صالح).
وفي ما يخص الوضع في المحافظات الجنوبية، وبخاصة عدن، لاح السعدي متأففا من انسحاق مكونات جنوبية إزاء الخارج. وبأسلوبه الساخر ذكرني بمكانة بعض هؤلاء الذين تصدروا المشهد الجنوبي، مستعيدا مشهدا كاريكاتوريا بطله عيدروس الزبيدي، احتضنته الضالع في خريف 2007 (ليس هذا الوقت المناسب للكشف عنه).
*****
العميد علي محمد السعدي مات.
يا للفاجعة!
الرجل الذي استعصى على السلطات القمعية خطفه من عالمنا فيروس كورونا.
خالص العزاء لأسرته الكريمه ولمحبيه ولمحبي السلام والعدالة والحرية في اليمن.
- من صفحة الكاتب
عناوين ذات صلة: