آراء

المدرسة العدينية في الغناء: التواشيح الدينية (4)

فيصل العواضي يكتب: المدرسة العدينية في الغناء: التواشيح الدينية (4)


توقفنا في نهاية الفصل الثالث عند انتهاء الحديث عن أغاني العمل عند المرأة في العدين وندخل الآن إلى الحديث عن الأناشيد أو التواشيح الدينية كمصدر من مصادر الألحان في المدرسة الغنائية في العدين.
الإنشاد الديني هناك ما هو دائم منه مثل الموالد، وهناك ما هو دوري أسبوعي شهري سنوي. فمما هو أسبوعي تواشيح يوم الجمعة وهي قبل الصلاة وبعدها وفيما يلي نماذج لذلك.
نموذج قبل الصلاة:
يا لطيف الصنع يا من كلما
دهم الأمر جرى ما دهما
يا غياث المستغيثين ويا
ماضي الحكم على ما حكما
هون الأمر علينا سرعة
إنما الأمر علينا عظما
إلى آخر كلمات هذاالتوشيح ويؤدى بشكل جماعي إلى جانب توشيح آخر تختتم به وصلة الأدعية قبل الصلاة وتقول كلماته:
يالطيف لم تزل
الطف بنا فيما نزل
أنت لطيف لم تزل
الطف بنا والمسلمين
أما بعد صلاة الجمعة وعقب الانتهاء من الأذكار المأثورة يردد المصلون بشكل جماعي توشيح:
إلهي لستُ للفردوس أهلا
ولا أقوى على نار الجحيمِ
فهب لي توبة واغفر ذنوبي
فانك غافر الذنب العظيمِ
أما التواشيح التي تتكرر سنويا فهي تلك التي تتصل بشهر رمضان المبارك حيث كان الترحيب بشهر رمضان يبدأ في النصف الأخير من شهر شعبان بعد صلاة العشاء وبغد خروج الناس من المساجد يرددون بلحن شجي وأداء جماعي هذا التوشيح:
مرحبا يا شهر رمضان مرحبا شهر السعادة
مرحبا بك زاهر الآن بالمعالي والزيادة
مرحبا ياشهر رمضان مرحبا شهر العبادة
كل مسلم فيك نشطان بالتقدم للعبادة
وعن المعاصي كسلان وله الطاعات عادة
في تراويح وقرآن قد جفى نوم القعادة
إلى آخر كلمات هذا التوشيح الذي كان يستمر حتى انتهاء العشر الأيام الاولى من شهر رمضان. وكما أشرت إلى لحنه الشجي الذي يمكن تقسيمه على المقام اللحني التالي:
بلبلي بالي لا باله بلبلي بالي لا باله
وتبدأ مع العشر الأواخر من رمضان توشيح وداع رمضان والذي يكون لحنه حزينا وتقول كلماته:
مُودّع مودع يا رمضان في داعة الله يا رمضان
أين الدموع التي سكبت على فراقك يار مضان
صلوا وصوموا اعبدوا ربكم وقولوا السلام على رمضان
إلى اخر كلمات هذا الموشح.
إلى جانب هذه التواشيح هناك قصيدة تحميس الوتدية في مدخ خير البرية وهي قصيدة ألفبائية تؤدى بعد انتهاء صلاة التراويح داخل المسجد كل يوم حرف من حروف الهجاء وبعضهم يؤجلونها إلى جلسة السمر إن كانت لهم جلسة سمر رمضانية.
ولمن لا يعرف تخميس الوترية نورد هنا مطلعها واسم مؤلفها تخميس القصيدة الوترية في مدح خير البرية المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن رشيد البغدادي الشافعي ومطلعها:
بدأت بذكر الله مدحا مقدما
واثني بحمد الله شكرا معظما
واختم قولي بالصلاة وإنما
أصلي صلاة تملأ الأرض والسما
على من له أعلى العلا متبوّأً
كان الفقيه امام المسجد يقرأ وبعد كل خمسة أشطر يردد المصلون اللهم صلي وسلم عليه صلى الله وصلم عليه.
وهناك أبيات تردد جماعيا مثل:
نسال الله تع إلى أن يبلغنا إليك
ونزورك يا محمد سعد من يسعى إليك
هذا على صعيد الإنشاد الديني مع أن هناك لونا آخر يؤدى في ليالي رمضان هو التمسية حيث يتجمع الشباب في مجاميع ومعهم طبل أو ما يسمى بالمرفع باللهجة العدينية ويرددون إنشادا جماعيا من كلماته:
ألا مسا مسا واسعد الله المسا
ألا مسا عندكم يا ذوا السمور
ألا مسا عندكم جنه ونور
وكانت بعض التمسيات توجه بالاسم مثل:
ألا مساجيت امسيك يا علي
ألا مسا يا هلي يابن الهلي
ويعطونهم الناس بعض الحبوب أو النقود ولم تكن تخلو هده التمسيات من مواقف طريفة فمثلا كان هناك في إحدى القرى رجل وزوجته متقدمان بالسن لكنهما شرسان أي حادا الطباع واسم الرجل قاسم وزوجته والية فيتجمع الشباب عند باب بيتهما ويرددون:
ألا مسا جيت امسي والية
ألا مسا جنب قاسم كاذية
فيصعد قاسم ووالية إلى سطح البيت يصبان عليهم الماء ويستنجدان بأهل القرية.
تواشيح الموالد
ونختتم الحديث بهذا الفصل عن تواشيح المولد وهي مصدر لحني ثري في اليمن وغير اليمن. وقبل الدخول في التفاصيل أشير هنا إلى قضية متعلقة بالمولد وخاصة في منطقة العدين فهو شيء يتبرك به ويصاحب كل الحالات ففي حالة الفرح كالعرس والعقيقة يكون المولد وعند الحزن كالموت يكون المولد عند المرض والشفا يكون المولد وينذر الناس إقامة المولد فيقوم الذي نذر بعمل وليمة يدعو إليها الناس وبعد الغداء يبدأون طقوس المولد بقراءة سورتي ياسين والمُلك ثم تهليل وتكبير ويختتم هذا الجزء بتوشيح التحميدة وهي قصيدة يردد فيها الحضور:
الحمدلله والشكر لله الفضل لله والمن لله
ويقوم الفقيه بترديد أبيات القصيدة لوحده مثل:
يا مالكا ليس لي سواه
كم لك في الخلق من سواي
أو مثل:
يا من يراني ولا اراه
انظر بعين الرضا لحالي
ونجد أن القصيدة كل أبياتها توحيد خالص ولا مطعن فيها لمن يعتبرون الموالد بدعة.
بعد صلاة العصر وبعد استراحة يحددها الفقي تبدأ قراءة قصة المولد النبوي الشريف كما نظمها محمد العزب أو كما صنفها المرغني أو البرزنجي وهي مقسمة إلى مقاطع بين كل ثلاثة مقاطع قصيدة ومتوسط القصائد في المولد الواحد من خمس إلى سبع كلها صلاة على النبي ومدح فيه ثم يكون القيام والمرحب والقيام هنا عند ذكر اللحظة التي ولد فيها المصطفى كما يتم القيام للسلام الوطني مثلا.
وأذكر هنا حكاية تاريخية لبداية القيام بالمولد في عصر الملك المظفر الرسولي الذي كان يقيم احتفالا سنويا في ذكرى المولد النبوي ويتوافد الشعراء للتهنئة فقال أحد الشعراء:
قليل لمدحي المصطفى الخط بالذهب
على خير أوراق وأحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه
قياماً وقوفاً أو جثيّاً على الركب
فوقف الملك المظفر ووقف الحاضرون ومن يومها صار الوقوف أو القيام في المولد عادة.
وأخيرا بهذا الصدد أقول إن الناس عندما كانوا يجتمعون في الماضي لم تكن هناك قضايا سياسية تشغل بالهم يتناقشون فيها كما هو اليوم ولم يكن أمامهم إلا قراءة قصة عنترة أو الزير سالم أو قصة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وعليهم الاختيار.
وأختتم هذا الفصل بذكر بعض النماذج لألحان تؤدى من تواشيح الموالد مثل:
صلي ربي على من قلبه بالنور مشروح
المصطفى محمد حبيب القلب والروح
غناها أيوب (أحبابنا بجيرون)
صلي يا ربي على من اسمه طه وياسين
غناها الانسي (ذا نسيم القرب نسنس)
الله الله الله حسبي وربي وعوني
غناها طلال مداح (على العقيق اجتمعنا)
وما أوسع الحديث بهذا المجال لو أردنا التوسع لكننا نكتفي بهذا القدر لنكمل في الفصول المتبقية بقية مصادر الألحان العدينية.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى