اهتمامات

خالد الدعيس.. الموقف والشعر (1-2)

د. لمياء الكندي تكتب عن: خالد الدعيس.. الموقف والشعر (1-2)


في 11 يونيو 2021م، عاد ألينا خالد الدعيس ليفتح أبواب الوطن المغلقة وينير طرقات الصمود المقفرة، عاد فارس الشهادة وشهيدها كي يصدر من جديد موقفه الذي لا يموت بموت الأجساد فأعمار الرجال لا تقاس بالسنين وإنما بالعطاء والتضحية.

ها هو خالد عاد إلينا إلى أمه الأولى والأخيرة، فهو ابن الأرض ورسول شهداء الجمهورية، عاد خالد تاركا وصاياه المنقوشة في شرايين الحياة تسري في عروق مدننا المغصوبة، فبارك بعودته الأرض العطشى لماء الكرامة ودماء أحرارها.

قلة هم الأبطال الذين دخلوا التاريخ فسطروا بطولاتهم وأمجادهم بدون أن يكونوا قادة للجيوش، ولا زعماء للدول، ولا قادة حزبيين، ولم يكونوا من أهل المناصب والمكاسب، ولكنهم تمكنوا من أن يحدثوا تغييراً في مسار الفكر والقوة والمجد، إنهم أبناء الأرض وأبناء التاريخ الحقيقيين.

وانا أحاول الكتابة عن الشهيد خالد الدعيس "الموقف والشعر"، وجمع ما تسنى لي جمعه من آثاره الخالدة تستوقفني حالة نادرة من الصفاء العقائدي والتوصيف اللغوي والتحفز القتالي الشجاع التي تسلح بها هذا الفارس العنيد.

لقد اختار خالد طريقه الذي مد جذوره نحو التاريخ الحضاري لليمن كشعب وكأمة، فكان واعيا بضرورة استرداد ذلك التاريخ، واضعا قدمه بثبات المقاوم أمام محافير ومتارس الاستلاب الإمامي لحاضرنا ومستقبلنا، ومحاولات تجريف الهوية القومية والوطنية لليمن واليمنيين، فنراه لا ينفك في قصائده عن موقفه مستحضرا بهاء المجد وتاريخ الأرض بعقيدة الملوك لصادقين:

هذي الرُبى من للحضارة أسَّستْ
من بعد عادٍ، قبل كل مؤسِّسِ

نصَّت هنالك عرشها من قبله
إيوان كسرى في حضارة فارسِ

قد بات مشدوهاً سُليمانٌ به
و هو المليك من المليك الأقدسِ

ونحن نقف أمام خالد الموقف والشعر، تتردد علينا خطاباته ورسائله الشعرية التي وجهها للشعب، متحفزاً فيه همة التحرير والمقاومة بعهود خالصة من التضحية والبذل وقد صدق حين قال:

يا شعبنا والعهد لك ليس يبرح
تسلم وتتحرر وتفديك روحي

يا نفتح الباب الذي قد ترزّح
والا فهذا الباب شاهد ضريحي

كان خالد لا ينفك عن محاولاته التي تضع الشعب في موقف البطولة والانعتاق من أدران الإمامة، فنجده تارة يستنهض روح الكفاح والمقاومة، وتارة أخرى يعلي من قيمة هذا الشعب باعثا فيه روح الأيمان ليكون إيمانه بذاته ودينه ملهماً له في مسيرة التحرر فنراه يقول: "ربنا يحبكم أيها اليمانيين حبّاً خاصاً، فلا تجعلوا مرارة اللحظة تهز يقينكم بإصطفاء المحبة هذا".

فخالد الذي لم تثنه الانتكاسات الجمهورية ظل محافظا على وهجه، يخط بمقاومته الروحية والبدنية تاريخ نضال الجمهوريين اليوم، مهما كانت نتائج مقاومتهم فهو على يقين بالنصر، النصر الذي لا يأتي إلا من قلب التضحيات الخالدة، فلا غرابة أن نجده يتغنى بجمهوريته حتى وإن كان الموت في سبيلها فهو عز الأحرار ومفتاح حرية الشعوب.

باعيش جمهوري بطل واموت جمهوري هصور
وُقْبَر واتبرزخ وأُبعث في رُبا جُمهورية

أدرك خالد أن معركتنا مع الإمامة قائمة، ومقاومة تاريخ الإمامة وحاضرها يشكل ضرورة ملزمة في طريق استعادة الدولة، إنها حالة من حالات العداء التاريخي الذي يفترض أن يكون حاضرا في ذاكرة الشعب ومرافقا لمسيرته التي فرضت عليه الحرب اليوم، فهي معركة وجودية لابد وأن نستمر في شحذ هممها واقتلاع جذور هذه الشجرة الخبيثة التي وطوع لها مواقفه وقصائده ليقول في ذلك:

ونحن في نحركم يا آل هاشم ما
يغشى المدى غسقٌ أو ينبري شفقُ

يا عصبة السوء يا أصل المصائب يا
آل الشرور ومن عن ديننا مرقوا

يا فتنة الدهر يا أبناء ما اكتسبوا
منا جدودكمُ ظلماً وما سرقوا

إن واقع الحال وما نتج عنه من معاودة الإمامة بنسختها الحوثية التي تستحكم إلى القوة والغدر والقتل والتنكيل بحق هذا الشعب، هو ما فرض على شاعرنا ومقاومنا الخالد أن يترصد أفعال وتضليل وخرافة هذه السلالة واضعا خيار الحرب ضدها مبدأً لا يتغير فكتب عن الحرب وجدواها وهدفها ومالاتها:

ما دام من بعد الحرايب عافية
فاهلاً بها واهلاً بذي زد هاجها

ترحب وبا ندفع ضريبه وافية
ندي لها ما تطلبه بخراجها

لابد ما ترجع سمانا صافية
وتزول عنها العاصفة وعجاجها

تشرق صباحات البلاد الغافية
ويشع في حمير سنا وهّاجها

تصبح قناديل الهواشم طافية
نطفي فِتَنْها كلها وسراجها

لقد كانت الإمامة بنسختها الحوثية تعيد مقومات وجودها كحركة خارج التاريخ والمواطنة، حركة عنصرية سلالية تصادر حق الشعب في الحياة المتساوية فنجده يقاوم ويواجه عنصريتهم بموقفه وشعره فيصف موقفه منها بقوله:

والعنصريّة بفضله ما عرفناها
ذي ما تعشعش سوى في رأس شيطاني

نحارب العنصرية وين شفناها
خوفي من الله رب العرش سطّاني

والله وبالله وتالله ما قبلناها
مادامه الله مولى العدل سلطاني

لو هي بجنّات ربي ما دخلناها
واقول يا رب عفوك لا تخطاني

عن عصبة الشر ذي باشي أويناها
وإذا بها داء مستشري وسرطاني

لقد ذهب خالد في عدائه للعنصرية التي تمثل القيمة القتالية والتحفيزية للحكم الإمامي الحوثي إلى استهجانها والاستخفاف بها بل ووضعها مقابل تلك الرموز الوطنية، فهي بكل ما تدعيه من تميز لا تساوي على حد وصفه حذاء "غزال المقدشية"، غزال التي رفضت التمييز الطبقي السلاللي لبني هاشم واستهجنت دعاويهم الاستعلائية بقولها:

سوا سوا يا عباد الله متساوية
ما حد ولد حر والثاني ولد جارية

عيال تسعة وقالوا بعضنا بيت ناس
وبعضنا بيت ثاني، عيّنة ثانية!

وقد وصف خالد موقفها هذا ومواقف الهاشميين العنصرية بقوله:

ذو الكبر واهل العنصرية
والله ما تسووا حذا
ستي غزال المقدشيّة

لقد عمق السلاليون شروخهم في وجدان الأمة الإسلامية، وخاصة في اليمن التي غالبوا أهلها بمحبتهم للدين الإسلامي، وللنبي المصطفى عليه صلوات ربي وسلامه، فجعلوا من حب اليمنيين له وسيلة يجعلون من قرابتهم إلى النبي سببا لا ينقطع في استعباد اليمنيين وحكمهم وبذر عنصريتهم الطاغية التي تطفو على ادعاءاتهم بالعدل والفضل والكرامات، كأن لا محب للنبي صلوات الله وسلامه عليه، سواهم، وكأنه خُلق ليمنحهم الحكم وكأن في الحكم تلخصت رسالته. وتكذيبا لهذا الادعاء يبرز قوله شعرا في محبة النبي فيقول:

نحبه فوق ما قالوا وما كذبوا
وفوق ما خذلته الريح واحتملا

نحبه حكمةً للخلد تحرسنا
لا حاكماً يجتدي أحفاده القُبلا

وهنا تتجلى طبيعة الصراع التي استحدثه القرشيون عبر تاريخ ادعائهم بالإمامة والتمايز والرفعة على سائر الأمم والشعوب بما فيهم القبائل العربية الأخرى، وحول هذا نجد الدعيس الخالد يختصر ذلك بقوله:

للمرة الألف ما زالت قريشُ على
باب الهدى ترصد الأملاك و الرُّسلا

حمّالةُ الجهل ما زالت بلا خجلٍ
متى الخطيئة كانت تعرف الخجلا

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى