خالد الدعيس.. الموقف والشعر (2-2)
د. لمياء الكندي تكتب حول الشهيد خالد الدعيس.. الموقف والشعر (2-2)
لقد دفع الشعور اللامتناهي من العنصرية التي تشكلت من خلالها الشخصية الهاشمية السياسية ومحركاتها الفقهية إلى خلق مجموعة من الادعاءات الزائفة التي تنفيها الأفعال الناتجة عن بلوغ هذه الفئات من الناس حد الارتواء بالأفكار العنصرية والتمييزية ومحاولة تطويع المجتمع والدولة لصالحها، مهما كانت النتائج ومهما بلغت تلك الوسائل من اتباع ممنهج للعنف وإشعال الحروب والهدم والتدمير واستخدام دعايات واهية تظهر تكسبهم من خلال الدين واستغلال الأوضاع الداخلية للبلاد لتصب في ميزاب طموحاتهم وفي ذلك يقول الشهيد الخالد بلغة عامية جزلة:
ويدعي انه يهم ويحنج
يقتل ويسفك واستوى يتشجى
يفجر الدور واستوى يتفرج
الظلم له عُقبى وخيمة تُرجى
وكل باغي في لُوحها مُدرج
ما منها مهما تبطي منجا
لا جات ما تسمع لذي يتحجج
لا تسمعوا اعلامه فمهما غجّا
كذّاب مهما قال مهما هرّج
عيروه يا اخواني الاذان الصنجا
بهذه اللغة المتحدية مضى الدعيس مخاطبا السلالة، ومخاطبا بصفة جمعية أبناء الشعب فهوا واحد منهم وهم منه ثنائية لا يمكن أن تنقسم ومحورية لا يمكن أن تتجزأ تلك المواقف والخيارات التي وقف عندها شهيدنا ودعانا إليها.
قولوا لمن رصّوا العمايم والتوز
والقاوق اللي جاء من 'ديلم' و 'قُمْ'
قد جالكم أهل المعاوز بالعَوَزْ
بارق تهامةْ قد لمحته من نقُمْ
قد اليمن كله تحرز واحترز
واصبح صغير السن يعرف دجلكم
كيف لا يحدد خالد ومن هو مثله من الماضين في طريق الكفاح خياراتهم ويضيقونها حتى تبدو واحده متوحدة في أهدافها ودوافعها لمواجهة من أسماهم الطارئين على البلاد، نعم يا خالد فهم الطارئون ولن يستحكموا وكفانا في هذا قولك:
الطارئون على البلاد استحكموا؟!
كلا ولو ظنوا بذا وتوهموا
هذي الطلائع من كتائب حميرٍ
وعلى الربوع مسيرها يتقدمُ
إن الكرامة لا تموت وشعبنا
عند الكرامة مستميتٌ مُقْدِمُ
لقد واصل خالد وسم نقوشه ومواقفه بإباء منقطع النظير، فكان مترصدا لعداوة الإمامة، وما نتج عن سيطرة الحوثيين من بؤس وتهجير وتغريب، قرن به حالة اليمنيين اليوم بمرارة وشاعرية موجعه ليصف حالنا بقوله:
قولوا لأكوام الأذى
إذا غادر الإنسانُ أرضاً بها الذي
يُحِبُّ فكل الأرض من بعدها منفى
وقحْلَاءَ يُلْفَيْهَا على من بها فإن
ترحَّلَ عن بيدا فقدْ حَلَّ في فَيْفا
وتَخْفى بعينيْهِ الشُّخُوْصُ جَمِيْعُهَا
وما حالهُ عنْ أيِّ نَاظِرَةٍ تَخْفَى
كان خالد إلى أن ترصدته الشهادة يتطلع بروح الإنسان الطبيعية التواقة إلى الحياة التي يفترض أن تكون قدره وقدر كل اليمنيين، الحياة البسيطة والعادلة التي لا تشوبها الحرب ولا تشوهها أفعال الطغاة والأدعياء الذين حولوا حياته وحياة اليمنيين إلى غربة وبؤس وحنين دائم إلى الاستقرار والجمال والتأمل والكمال، فنراه يرثي هذا الحال الذي أوصله لنا أدعياء السلالة وحوثتها الظلاميون الذين أفقدوه وأفقدونا حق العيش والحياة الكريمة وفي هذا يقول:
أباتُ أنيس القفر والقفر مُوْحشي
يُضِيْءُ جوايَ الليلَ والليلُ غَاطِشُ
ودونهما في الروح قفرٌ ودلجةٌ
فلِمْ أنا حتى الآن يا ناس عائشُ
تكادُ بصدري أنْ تحزَ أديمهُ
وشائجُ ذكرىً في ضلوعي حَرَائِشُ
تُسَرِّحُنِيْ ذكراي في غاب أَسْرُحٍ
لها في مدى روحي عُوَاءٌ وناهشُ
فَلَلْبُعْدُ قوسٌ والحنايا كنانةٌ
وشوقيَ سهمٌ ما عن القلب طائشُ
وقد كُنْتُ ذا لَهْفٍ عجيبٍ وشملنا
قريرٌ فكيف اليومَ والشملُ نافِشُ
لقد أفاض لنا خالدٌ من بحر قصائده أيقونات خالدة من حكيم الشعر، وفروسية الموقف، ولم تغب عنا منابعه الصافية التي تفيض من قرارتها وجدانياته الخالدة، فقد كان محبا منكرا للوعة الفراق ولظلمته وسطوته على قلوب العاشقين، ولكنه كان مؤمنا بقدرة الحب على مغالبة الفراق حتى يشع الوصل صباحا مشرقا وفي ذلك يقول:
ما قالهُ العشاق قبلي في الفرا
قِ نكرته حتى عليَّ تحققَ
فعرفته وعرفت أن كلامهم
لا زال عن معنى المُعَنَّى ضيقا
قد بتُّ مختنقاً أحاول زفرةً
ثمْ لا أطيقُ على الشهيقِ تنشقا
فإلامَ يا شوق الحبيب إلى متى
حتَّامَ تبقى في عذابي مطرِقا
ساءلتهُ وأنا بعين جوابه
أدري فليس سواه إيذانُ اللقا
فالشوق ليل البعد يمكث مُطْبِقاً
حتى يُشعَّ الوصل صُبحاً مُشْرقا
عناوين ذات صلة: