عن بعض ما فعلته بنا عصور الكُتَن
عبدالله الحرازي يكتب: عن بعض ما فعلته بنا عصور الكُتَن
بينما كان يحيى حميد الدين يخوض حروبه منذ عام 1872م باسم الحق الإلهي المزعوم ضد تواجد الدولة العثمانية في اليمن كانت الأخيرة تنجز للحياة في هذا البلد شيئاً من الملامح الأولية للحضارة ليس في اليمن فقط بل في جزيرة العرب برمتها.
لا يعرف أحد من اليمنيين اليوم أنه كان لديهم عام 1878م أول كلية للبنات في صنعاء تحمل ذات الاسم كلية البنات. وفي ذات العام افتتحت كلية الإداريين والمحاسبين أيضاً في صنعاء، إضافة إلى جامعة الصنائع التي كانت تهتم بإخراج الحرفيين المدربين.
كما عرفت اليمن والمنطقة أول جريدة باسم جريدة صنعاء عام 1297 هجرية الموافق لعام 1879 ميلادية وعمل فيها يمنيون كثر بعد أن نقلت مطبعتها من الحديدة إلى صنعاء وصدرت هناك لمدة عامين باسم جريدة اليمن!
كان في صنعاء مستشفيان! إضافة إلى تأسيس الكثير و الكثير من المؤسسات الحديثة في مجال الجيش كالمبنى العثماني العظيم الذي يستخدم بعد ترميمه اليوم مجمعاً للدفاع.
وكذا شهدت اليمن قبل مجيء بيت حميد الدين بدايات مؤسسة السجل العقاري باسم الأوقاف وهيئة البرق والبريد.
كنت أظن أن المجلس التشريعي بعدن هو أول مجلس تشريعي في الجزيرة العربية لكن يبدو أن العثمانيين سبقوا الانجليز بكثير إلى تأسيس مجلس تشريعي في صنعاء أو على الأقل بالتوازي معه.(يحتاج الموضوع لبحث).
وكثير غير ذلك من المصالح والمؤسسات العمومية والخدمية والتعليمية والعسكرية.
ما الذي حدث بعد ذلك؟
عام 1911م حدثت كارثة حضارية عظمى في هذا الجزء من العالم اسمها يحيى حميد الدين ودولته الإمامية المتخلفة التي عاشت ك "كتنة" بشعة على لحم ودم ودين وحرية هذا الشعب وما تركه التواجد العثماني.
محا وقضى، من أطلق على نفسه المتوكل على الله، وباسم الله والحق الإلهي، وبمجرد دخوله صنعاء، على كل تلك الملامح وأكثر، وأعاد البلاد إلى ما قبل الإنسانية، كما فعل أسلافه من أئمة الظلام والدجل والزيف.
تحولت تالياً في عهده وعهد ولده الناصر لدين الله أحمد من بعده، غالبية تلك المؤسسات إلى هباء إلا ما يخدم بقاء سلطتهم الكهنوتية وابتدأوا بمؤسسات التعليم والسيادة الشعبية بشكل انتقامي قذر ومنحط.
حوّل يحيى حميد الدين مبنى المجلس التشريعي إلى مصنع "شمة" ليتبردق القبائل بدلاً عن الانشغال بأمور بلدهم.
حوّل أحد المستشفيات إلى دار له أطلق عليه دار السعادة!
حوّل جامعة الصنائع إلى سجن الصنائع!
لا تُعرف نهاية كلية البنات، غير ان كلية الإداريين والمحاسبين منح مبناها أحمد حميد الدين لأحد أصهاره!
أرادوا اليمن واليمنيين مجرد قبائل جاهلة ومبندقة وعلى الدوام جاهزة لتقبيل ركب حكام كهنوت جاءوا بجهلهم وحقاراتهم وحقدهم كشذاذ آفاق يدعون نسبتهم لرسول الله.
كان يرعبهم أن يكون هناك متعلم من أبناء القبائل لأنهم أنفسهم جهلة لا يحملون من العلم سوى خزعبلات فقهية عن أحكام الطهارة والنجاسة وعقائد بالية خلاصتها أنهم ظل الله في الأرض، لا تستطيع جميعها أن تنبت في هذه الأرض التي نجسها وجودهم عليها، نبتة ريحان.
أتساءل ويقطر من قلبي دم الغيظ: كيف كان يمكن لسيناريو مختلف أن يصل باليمن لو أن من استلم البلد بعد العثمانيين كان اليمنيين أنفسهم أو من يخاف الله وفي نفسه ذرة خير و ليس شذاذ الآفاق من نسل الكتن؟
سأترككم مع فقرة لأمين الريحاني أشهر مؤرخي العرب في عصره الذي زار اليمن في عهد الكتن يذكر أن من يريد أن يرى كيف كانت الحياة في القرون الوسطى فعليه بزيارة اليمن فيذكر: «وكأنك في السياحة في تلك البلاد السعيدة، تعود فجأة إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) لا مدارس، ولا جرائد، ولا مطابع، ولا أدوية، ولا أطباء، ولا مستشفيات في اليمن، إن الإمام هو كل شيء هو العالم، والطبيب، والمحامي، والكاهن».
كان هناك يا أمين الريحاني، لكن عهد الكتن عاود وجوده قبل حضورك. وها نحن نسترخي ونستعد لأن نرى مبنى مجلس النواب أو جامعة صنعاء مصنعاً للشمة مجدداً.
عناوين ذات صلة: