
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - المعرّي السجين
إلى الصديق الشاعر الكبير
عبدالله البردّوني في سجنه الآخر
لأنهُ يرى همومَنا
أحزانَ عصرِنا بلا عينينْ
يرى تململَ النُّجُومِ
يلمحُ انكسارَ النورِ في (الشَّطْرَينْ)..
عيناهُ ذابتا في ليلِنا الضَّريرِ
شمعتَيْنِ
دمعتَيْنْ
لأنهُ يقرأُ في الظلامْ
ما تكتبونَهُ
ما تذخرونَهُ لشعبِنا منَ الأوهامْ،
لأنّهُ يصنعُ أعيناً جميلةً،
أجنحةً للصمتِ.. للكلامْ
زرقاؤُنا تطلُّ منْ لسانِهِ الحزينِ كلَّ عامْ،
تقولُ للإمامْ:
(يا صانعَ الظلامْ
ما زلتَ بينَنا
أشباحُكَ (الوِشاحُ) بينَنا
تشربُ منْ دموعِنا
ومنْ دمائِنا،
تنهشُ في العظامْ).
لأنّهُ إنسانْ..
لأنّهُ فنّانْ
أشعلتُمُ القيودَ في يَدَيْهْ
أطفأْتُمُ النهارَ في عينيهْ
فأيُّ لعنةٍ وعارْ
يا (فارسَ) الأحزانِ والدَّمارْ
يا أيها المحاربُ المغوارْ
أوَّلُ مَرَّةٍ تخوضُ حرباً
ثمَّ لا تلوذُ بالفرارْ!
أوَّلُ مَرَّةٍ تحقِّقُ انتصارْ!
فواصلِ الزَّحْفَ على القصائدِ،
انْتَقِمْ منَ الحروفْ
يا (فارسَ) الظروفْ
ثَبِّتْ قيودَكَ الثِّقالَ في القمرْ
امنعْ حقولَنا عنِ الخِصْبِ،
امْنَعِ الثمرْ
عنِ الشَّجَرْ.
* * *
يا فقراءَ شعبِنا
يا أيها الجياعُ السّائرونَ في انْكِسارْ
لا تكفروا بالكلماتِ.. بالأشعارْ
فربما غداً
بعدَ غدٍ ستُهدمُ الأسْوارْ
ستُزرعُ النجومُ في ظلامِكم
سينهضُ الثُّوّارْ.
وأنتَ أيها المناضلُ الضَّريرْ
يا منْ ترى بعينيكَ العجيبتينِ باطنَ المأساةْ
ترى الذي نراهُ
والذي لا نستطيعُ أنْ نراهْ
بالكلماتِ البِكْرِ تذبحُ الطُّغاةْ
عيناكَ مثلَ عينَيْ وطني
تنتظرانِ الفَجْرَ، تحلمانِ بالضياءْ
خلفَهُما زرقاؤُنا..
بالكلماتِ الخُضْرِ بالأشعارْ
تقرأُ حزنَنا
ترى تململَ الأشجارْ
تزرعُ في الصَّحارى الظِّلَّ
في الجليدِ تُذْكي النّارْ.
مغمضتانِ
في انتظارِ القادمِ المسيحْ
هل سيطولُ فيهما عذابُنا..
انتظارُنا الجريحْ؟
نَهارُنا الذبيحْ
إني أراهُ قادماً يصيحْ
أراهُ قادماً يصيحْ.
* في عامي 68 و1969م امتلأت السجون بالمناضلين وأبطال الصمود، وأشيع في الفترة نفسها أن صديقي وزميلي الشاعر الكبير عبدالله البردّوني قد كان واحداً من السجناء؛ فكتبت هذه التحية.




