اهتمامات

ولاية بني هاشم واستراتيجية تدمير الإسلام من الداخل

د. نادين الماوري تكتب: ولاية بني هاشم واستراتيجية تدمير الإسلام من الداخل


ربما لم يتعرض دين لحملات التشويه ومعاول الهدم والتدمير من داخله، كما تعرض الدين الإسلامي الحنيف، هذا الدين الذي قامت ركائزه الأساسية على العدل والمساواة والتآخي والمحبة، ولم يقصر هذه القيم على أتباعه فقط بل امتد بها للبشر جميعا دون تمييز..
وقال نبيه صلى الله عليه وسلم "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، ونزل القرآن الكريم يعاتب مبلغه عندما اهتم بأحد كبار القوم على حساب رجل أعمى قائلا "وما يدريك لعله يزكى، أو يتذكر فتنفعه الذكرى"، ذلك الدين هو نفسه الذي يكاد يكون مخطوفا على يد مجموعة أو طائفة تزعم أن الله سبحانه وتع إلى ورسوله الكريم ميزهم دون غيرهم وأعطاهم حقاً إلهياً بالولاية والحكم، لمجرد أنهم من بني هاشم أو من نسل النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعمون.

ولن نتطرق هنا إلى حقيقة ذلك النسب الشريف الذي نجله ونحترمه ونقدره، وكيف لقبيلة أو فرع من قبيلة أن يتحول عدد أبنائها إلى ملايين البشر حول العالم، ولكننا نحاول أن نناقش صلب الفكرة أو المعتقد الذي يستند إليه هؤلاء في ادعائهم بأحقيتهم في الولاية والسلطة والحكم دون عن سائر أتباع هذا الدين، لأنه لو صحت تلك الادعاءات فإننا نصبح أمام دين للتميز والعنصرية على أساس العرق والنسب.

يدعي من يسمون أنفسهم بالهاشميين أنهم أحق بالولاية لانتسابهم إلى بني هاشم وبالتالي إلى النسل النبوي الشريف، وهو ادعاء مردود عليه من صلب العقيدة الإسلامية ومن السيرة النبوية المطهرة الثابتة ثبوتا قطعيا لا شك فيه، فالقرآن الكريم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع بصيغة التعميم مثل قوله تع إلى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقوله عز وجل "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" وقوله تع إلى "وما عليك إلا البلاغ" وقوله عز وجل "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر".

ونلاحظ هنا أن الآيات واضحة المعنى والدلالة، فهي تقصر دور الرسول صلى عليه وسلم على البلاغ والبيان، وتقصر ذلك البلاغ والبيان على الرسول وحده دون غيره، فهو حامل الرسالة من الله عز وجل وهو وحده المنوط به تبليغها، على أن يمارس هذا التبليغ باللين والحكمة والموعظة الحسنة وليس بالإكراه أو الإجبار..
إذن فإذا كان نبي الأمة كلها مجرد حامل وبلغ للرسالة، ولم يقل الله تع إلى في شأنه أنه ملك أو حاكم أو أمير، مثلما خص أنبياء آخرين بالنبوة والحكم معا، مثل داوود عليه السلام وسليمان عليه السلام، فكيف يمكن أن يكون الحكم والسلطة والولاية لنسله فقط والمنتسبين له فحسب، وهو جل شأنه الذي قاله فيهم "ما أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى"، والمودة مدلولاها واضح وهو الحب والإحسان إلى آله الكرام، ولو كان الحكم منحة إلهية أو نبوية لهم، لنصّ القرآن على ذلك صراحة.

أما السيرة النبوية المشرفة فمليئة بالمواقف التي تبعد كل البعد عن تمييز أهله على سائر المسلمين، فهو صلى الله عليه وسلم الذي بمجرد دخوله إلى المدينة المنورة قام بالتآخي بين المهاجرين والأنصار، وهو الذي جعل بلالاً رضى الله عنه مؤذناً له وهو العبد الحبشي، وهو الذي قرر أن يصحبه أبو بكر الصديق في أخطر رحلة في تاريخ الإسلام وهي الهجرة وليس واحدا من أهل بيته، وهو الذي قال لإعرابي رآه متهيبا منه "هوّن عليك فما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة"..
وهو الذي كان يفخر بأنه لم يكن عظيما ولا ثريا ولا سيدا في قومه بل كان يتيما ووحيدا وراعيا للغنم، وهو الذي منح قيادة الجيوش إلى أصحاب الكفاءات وليس لأصحاب الحظوة والقربى، فكيف لهذا النبي العظيم الذي رسخ لقيم الإخاء والمساواة والتعايش أن يميز أهل بيته عن سائر المسلمين ويمنحهم ولاية أبدية وحقا أزليا في الحكم والسلطة.

إن ما نراه في عالمنا العربي اليوم من ادعاءات الحق في الولاية والحكم والسطة لمن يقولون إنهم من بني هاشم أو من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فقط نوعا من الجنوح نحو شهوة الحكم والسلطة بادعاءات باطلة، ولكنه في الحقيقة تدمير لرسالة الإسلام القائمة على العدل والمساواة في الدنيا والآخرة.

ولعل المثال الأوضح على السلوك التدميري لهؤلاء المدعين الانتساب للنبي صلى الله عليه وسلم، هم جماعة الحوثي في اليمن، الذين منذ أن جثموا على صدر الشعب اليمني ولم ترَ البلاد من حكمهم إلا المأساة تلو الأخرى، والانهيار الشامل في المرافق والخدات والبينة والأساسية، فهل ما وصل إليه اليمن هو ما يرضى الله ورسوله، وهل المشردون واليتامي والأرامل والمهجرون هم الأمة التي كان يطمح الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تأسيسها.

إن الاستمرار في هذا النهج لن يؤدي إلى تدمير اليمن فحسب بل تدمير الأمة كلها، بل لا نبالغ إذا قلنا سيؤدي إلى تدمير جوهر رسالة الإسلام الحنيف.

- أكاديمية ودبلوماسية يمنية

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى