آراء

حتى لا نتطبع مع البشاعات

د. ثابت الأحمدي: حتى لا نتطبع مع البشاعات


الإنسان في محصلته النهائية "نفس" مكونة من أحاسيس ومشاعر، والصدمة النفسية التي تنتابه أحيانا لا تقل خطرا عن الصدمة المادية التي يتعرض لها، غير أن من يدركون ذلك قليلا..
في الحقيقة نحن فوضى غير مسبوقة في النشر بلا ضوابط أو معايير أخلاقية، وجزء كبير من ذلك يعود إلى الجهل لدى الكثير بخطر ما نتناوله أحيانا، وبخطر الانعكاسات النفسية لبعض الأخبار الصادمة والصور المرعبة.
الصورة في حد ذاتها مادة إعلامية تختزل النص بصريا، وتقول كل شيء بلغة العين، وقد تكون أكثر بلاغة وأوجز تعبيرا في إيصال الرسالة. غير أن لها وجها سلبيا آخر حين يتم عرضها بما تحتوي عليه من مشاهد العنف والإرهاب..!
في بعض الأفلام الأجنبية يتم التنبيه على وجود مشاهد عنف أثناء عرض الفلم، تنبيها للكبار لإبعاد أطفالهم عنها قبل الوصول إليها، حتى ذبح الحيوانات التي تؤكل، يُعاقب القصّابون إن تم الذبح أمام الأطفال..! وإن حدث وأن تعرض طفلٌ لرؤية أي مشاهد عنف أو إرهاب يتم عرضه على طبيب نفسي فورا، لإعادة تأهيله..! بل إذا تم فقط تعنيفه حتى من أحد الأبوين..! ويدون أمام اسمه في سجله المدرسي مصطلح "طفل معنف". ولعل الكثير يتذكر أحداث سبتمبر في أمريكا في العام 2001م، كيف تفاعل الإعلام الغربي مع الحدث لشهور عديدة، ولا يزال، لكنهم مع هذا لم ينشروا صور الضحايا، مراعاة لقوانين الصحافة، وقبل كل شيء، مراعاة للمشاعر الإنسانية العامة، ومشاعر أهالي الضحايا. وهو جزء من احترامهم للإنسان بشكل عام.
يحرم ميثاق الشرف الصحفي عرض الصور التي تحتوي على مشاهد مخيفة أو مرعبة أو خادشة للذوق العام، ومنها صور القتلى، غير أن الإعلام الجديد بمنصاته الحديثة قد أحال المشاهد كلها فوضى عارمة لا أول لها ولا آخر..
الكثير لا يدركون الأثر النفسي الكبير الذي تطبعه صور القتلى في ذهنية المتابع، خاصة إذا ما تكررت هذه المشاهد، وما أكثر تكرارها في بلادنا للأسف الشديد..!
يوما بعد يوم ومرة بعد مرة تتطبع النفس الإنسانية مع القبح، ومع البشاعة، ومع مرور الوقت تتبلد المشاعر والأحاسيس، فلم تعد الجريمة محل استنكار أو رفض؛ بل يتقبلها الجميع بتلقائية وبرودة.
إنّ نشر الصور التي تحتوي على مشاهد عنف أو إرهاب خطير للغاية، ونتمنى على الأخوة الصحفيين والمدونين والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي التنبه لهذا والكف عن نشر تلك الصور، عملا بميثاق الشرف الصحفي، وقبل ذلك مراعاة للمشاعر الإنسانية.

عناوين ذات صلة:

الطفلة اليمنية والقضايا المنظورة.. حرمة النشر

زر الذهاب إلى الأعلى