سبتمبر الرمز
مصطفى ناجي الجبزي يكتب مع احتفال اليمن في العيد الـ59 للثورة: سبتمبر الرمز
ما من شك أن الحرب الجارية في اليمن تدور حول الرمز قبل أن تكون مرتكزة على علاقات القوة المادية. وهي حرب على الرغم من أبعادها المتعددة ومستوياتها المتنوعة التي يصعب ايجازها وتبسيطها إلا أنها تقوم على ثنائية رمزية شديدة الوضوح هي سبتمبر الجمهورية والنور وسبتمبر الكذوب الظلامي والكهنوتي.
ولو لم يكن للرمز من سلطة لما اختار أماميو العصر بنزعة ثأرية شهر سبتمبر لمحو سبتمبر الجمهورية. انقضوا على ثورة اليمنيين كل اليمنيين في 21 سبتمبر مستعجلين أمرهم ليقيموا حفلتهم الشيطانية الخاصة بهم وبمعاونة سرّاق الشرف الجمهوري العظيم.
ها هم اليوم يستولون على جغرافيا ثمينة ويحبسون شعباً لا أطيب منه (حد السذاجة وإلا لما قَبِلَ بدجلهم) ويسيطرون على الموارد والإعلام لكنهم عاجزون عن جعل حفلتهم حفلة للجميع أو تكريس رمزهم ليكن رمزاً وطنياً.
هم يقدّسون أزلاماً والشعب يقدَس الفكرة. هم يدعون الناس إلى الولوج من باب العبودية والتزلم، والشعب يدعوهم إلى اكتشاف مسرح الحرية. ينادون بحيا على شر الأمس ويناديهم الشعب بحيا على خير الغد.
مضت خمسة أيام منذ أن عبأوا المجتمع قسراً ليحتفي بكذبتهم واكتشفوا انهم إنما يحتفون بخيبتهم ويلعنون خطواتهم ويكرسون عزلتهم المختارة ورفضهم لأنفسم وللناس.
ثم هلّ يوم 26 سبتمبر لتلهج به الألسن وتقدسه الضمائر دون تعبئة ولا قسر ولا عصبوية سوى الانحياز لقيم الخير والجمال في هذا اليوم، لقيم النور والضياء، لقيم العدالة الاجتماعية والمساواة، للتنوير والطبابة، والحياة.
لم يكن سبتمبرنا كاملاً، وهذه هي طبيعة الأشياء الكبيرة التي لا تأتي ناجزة لأنها معجونة من أحلام وتطلعات العامة ولأنها تروم الغد المتبدّل غير المتوقع. كما أن سبتمبر ثنية في التاريخ المعوج لألف عام وثقيف لرمح متطاول انحرف عن المجد وأركن في زاوية مظلمة.