آراءشخصيات وسير

في أربعينية المرحوم محسن أحمد العيني: صانع النصر الدبلوماسي الجمهوري الأول

السفير احمد حسن بن حسن يكتب في أربعينية المرحوم محسن احمد العيني: صانع النصر الدبلوماسي الجمهوري الأول


في ال 25 من اغسطس الماضي حملت الاخبار المؤسفة الينا، رحيل دولة الاستاذ محسن احمد العيني الى مثواه الاخير، وبموته فقدت اليمن احد رموزها الكبار ممن تركوا بصماتهم في تاريخ اليمن الحديث، والذي تتلمذ على أيادٍ يمنية مناضلة معروفه الى جانب صف الشعب اليمني وحقوقه المهدورة لنيل حياة كريمة وآمنة.
مثل الاستاذ النعمان ورفيقه الشهيد الزبيري وبقية المناضلين اليمنيين الاخرين وهم كثر منهم من قدم نفسه شهيدا، واخر من سجن وعذب وشرد، حتي تحقق للشعب اليمني نيل حريته واسترداد عزته وكرامته في ثورتي ال 26 من سبتمبر 1962 م في شمال الوطن من الامامة البائدة، وال 14 من اكتوبر 1963 م في جنوبه من المستعمر الاجنبي. وتزامنت هذه الذكرى الاربعين لرحيله بين تاريخ اندلاع هاتين الثورتين العظيمتين للشعب اليمني الحر الأبي.
المرحوم العيني انضم في بداية عمره بالدراسة في مدرسة الايتام بصنعاء، قادما من خارجها من قريته بني بهلول، والتي عاد اليها جثمانه ليقبر فيها، من غربة طويلة بالخارج طوال حياته سواء كانت برضائه او مجبرا عليها، وان يكون خارج بلاده لكل هذه السنين. ومدرسة الايتام كانت ليست مقتصرة على الايتام فقط وتسمى بهذا الاسم، وانما على بقية الطلبة الاخرين غير الايتام، ولأنها المدرسة الوحيدة في صنعاء.
ويسعده الحظ وان يكون من بين الطلبة الذين قد اختيروا في اول بعثة تعليمية حكومية للدراسة في الخارج والمسماة ببعثة الاربعين في 1947م الى بيروت ثم تحويلها الى القاهرة ولاحقا منهم سافروا الى دول أوروبية وامريكا، والمعروفة بـ(بعثة الاربعين) طالبا، لينظم اليها بعد ارسالها ثلاثة طلاب من بينهم الاستاذ القانوني القدير حسين حبيشي رحمه الله كما جاء في كتاب مذكرات الاخير.
وسواء من درسوا في مدرسة الايتام بصنعاء او المدرسة الاحمدية بتعز او المدرسة السيفية في الحديدة، والتي ارسلت معظم اعضاء هذه البعثة من هذه المدارس، كانوا من تحملوا مسئوليات كثيرة وكبيرة وتقلدوا مناصب عليا وكمثال المرحوم العيني، ما بعد ثورة سبتمبر في 1962م. فهو وفي مثل هذا السن شخصية من عائلة مثل العائلات التي تواجه مصاعب وشغف الحياة في عهد الامامة.
هذه البعثة الدراسية الاولي للخارج كانت باقتراح من السفير فيما بعد وعمل لليمن بهذا المنصب سواء في النظام الملكي او الجمهوري، والذي اصبح ممثلا سواء في باريس او جنيف او نيويورك، يمني الجنسية ولبناني الاصل الا وهو د.عدنان الترسيسي التي تزخر المكاتب بكتبه القيمة عن اليمن التي احبها مثلما احب بلاده الاصلي لبنان الطبيعة الساحرة والجمال والثقافة والنضال العربي القومي ايضا. الذي كان يعمل مستشارا لعبد الله حميد الدين وزير المعارف ومن ثم الخارجية..
وكانت حجة السفير د. الترسيسي طالما واليمن قد انفتحت على العالم وانضمت الى الامم المتحدة في هذا العام 1947 م، فانها تحتاج الى كوادر متعلمة كفؤة تخدم هذا الانفتاح الجديد لليمن على العالم في المستقبل القريب. كما جاء في كتاب مذكرات احد طلابها والذي تقلد مناصب كثيرة عالية مثله مثل بقية أعضاء هذه البعثة الاستاذ احمد قائد بركات.
اذن المرحوم الاستاذ العيني درس في بيروت ثم القاهرة ومن ثم الى باريس مع زميليه من اعضاء البعثة يحي جغمان ومحمد الرعدي وايضا كانا لهما نصيبا كبيرا من المناصب العليا ما بعد الثورة كما اسلفنا كوزراء او سفراء.
ولأسباب تتعلق بالبعثة الى باريس عاد منها ليكمل في القاهرة من جديد.

وكان الزمان قد مضي واصبح في الخمسينات ليخرج منها ويعود للوطن ولكن لم يتحمل ما يعيشه شمال الوطن في عهد الامامة والقي خطابا في احدي المناسبات في ميدان الشهداء في عز العرضي سابقا، وخاصة وانه قد ارتبط بمؤسسة الحركة الوطنية وزعمائها فعاد الى عدن هاربا، مثلما هرب المناضلون الآخرون اليها وعملوا مدرسين فيها في المدارس غير الحكومية، التي كانت لا تقبل أي طالب لا يحمل شهادة ميلادها أي عدن المستعمرة والتحق بالشيخ قاسم غالب واحمد المروني ومحمد الرباعي وعبد العزيز نصر....الخ. وعمل في المعهد العلمي الاسلامي للبيحاني كمدرس، والعمل مع بقية الاحرار والذين انخرط معهم في اطار العمل النقابي مثل سعيد الحكيمي واحمد محمد حيدر ومحمد سعد القباطي اول وزير للمغتربين في الحكومة اولي للثورة....الخ.

الا ان المرحوم العيني يُفاجأ بانه قد اتخذت السلطات البريطانية ترحيله من عدن وبطلب من الامام احمد في تعز، ويودع زملائه في حفل مهيب وينشر في الصحف العدنية والاقليمية، ويعود الى القاهرة عام 1961م. وبهذا الصدد وللاستشهاد وبعد رحيله فقد كتبت كرثاء له تصف مناقب المرحوم زوجها من زاوية الانسان وليس المناضل، زوجته ام هيثم رفيقة حياته وهي من الرائدات للمرأة اليمنية لنيل حقوقهن في ظل نظام كهنوتي كان ضد حقوق اليمني واليمنية على السواء (قببل ان اصل عدن كان الانجليز قد سبقوني وطلبوا مغادرة العيني خلال 48 ساعة او تسليمه للإمام احمد لم استسلم وتبعته الى مصر... وكان زواجنا في 25 يوليو 1962م أي قبل الثورة الخالدة بشهرين ويوم ).
وبعدها تنطلق ثورة 26 من سبتمبر 1962م، وتشاء الصدف ان يكون المرحوم العيني في بغداد في مهمة لاتحاد عمال العرب، ويعين كوزير للخارجية في اول تشكيل حكومي في 27 من سبتمبر 1962م، ويلتقي بالزعيم عبدالكريم قاسم ويعود الى القاهرة سريعا ويلتقي بالرئيس جمال عبدالناصر ويعود الى صنعاء في اول عشرة ايام من قيام الثورة السبتمبرية المباركة ويشارك في اول اجتماع للحكومة اليمنية الجديدة برئاسة عبد الرحمن البيضاني في 9 اكتوبر 1962م ويطلع المجلس على مهمته الاولي كوزير للخارجية في العراق ومصر.
الا ان المرحوم العيني يفاجأ بانه غير مرغوب به في هذه الحكومة لانه ينتمي لحزب البعث العربي الاشتراكي والذي كان سبب انفصال الوحدة مع مصر والتي سميت بالجمهورية العربية المتحدة، التي اصبحت الداعم الاول لهذه الثورة وعبر ممثلها البيضاني والذي عينه على هذا المنصب وغيرها، ولابد من التخلص من يعتبرهم بانهم سيكونون عثرة في وجه طموحه ولذا ارسل المرحوم العيني بمهمة وتحت منصب وزير الخارجية الى نيويورك للحصول على الاعتراف من المجتمع الدولي بالنظام الجمهوري الجديد ولان النظام الملكي لايزال يتربع على كرسي اليمن في الامم المتحدة.
مثله مثل الاستاذ النعمان الذي عين للجامعة العربية للحصول على اعترافها وقبولها بالجامعة العربية وبحجة أنه ارسل برقية تهنئة للإمام الجديد البدر الذي اطاحت به الثورة السبتمبرية بعد اسبوع من جلوسه على كرسي عرش ابيه، وتم الاعتراف بالنظام الجمهوري فيها الا في دورتها في مارس 1963م وكان الاستاذ النعمان اول مندوب فيها للنظام الجمهوري.
الا ان المرحوم العيني يفاجأ بعزله وهو في المهمة في التشكيل الثاني للحكومة اليمنية والذي كان في 31 اكتوبر 1962م ليحل محله المتربص البيضاني ومن دون اشعار مسبق بل سمعه من الاعلام، فحنق وترك نيويورك والمهمة المكلف بها ليعود الى القاهرة.
ولكن أرغم على العودة لإكمال المهمة التي كان قد بدأها ليواصل العمل الدؤوب لنيل الاعتراف بالنظام الجمهوري والذي تحقق في 20 من ديسمبر 1962م قبل تعليق اجتماعات الجمعية العامة بيوم واحد ويتم طرد الوفد الملكي من الجمعية العامة ممثلا بأحمد محمد الشامي ومحمد حسن الحيفي وعبد الله الشرفي، لان الحسن حميد الدين المستشار بالوفد وليس سفير ومندوب اليمن كما يشاع لقد كان يشغله السفير كمال عبد الرحيم (مصري) مدير مكتب الجامعة العربية بواشنطن من 1955- 1962م كان قد غادر نيويورك في اليوم التالي لاندلاع الثورة السبتمبرية متوجها الى لندن ومعلنا نفسه اماما جديدا بعد شيوع بان الملك الجديد قد لقى حتفه تحت انقاض قصر البشائر.
ويتربع الوفد الجمهوري كرسي اليمن ويلقي السفير والمندوب الدائم الجديد المرحوم العيني كسفير واول مندوب للنظام الجمهوري في الامم المتحدة - مثلما كان الاستاذ النعمان السفير والمندوب الدائم في الجامعة العربية - خطابه الاول في الدورة 17 للجمعية العامة والتي كانت قد قبلت الجزائر بعد استقلالها من الاستعمار الفرنسي وحضور رئيسها بن بيلا والتي كانت من الدول المؤيدة وبزخم كبير لانضمام النظام الجمهوري بالرغم من انضمامها الحديث جدا للمنظمة الدولية مع بقية الدول التحررية في ذلك الوقت.
ومن حسن الطالع كان قد اشار الى ذلك الاخ الدكتور احمد عوض ب مبارك وزير الخارجية وشئون المغتربين في كلمة اليمن الى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 من سبتمبر الماضي، واصفا لهذا الحدث الهام في تاريخ الدبلوماسية اليمنية ب بالانتصار الدبلوماسي الجمهوري الاول. وهو حقا قد كان ذلك الوصف في محله.

ويستعين المرحوم العيني بشباب اليمن من زملائه الذين كانوا يدرسون في الدول الغربية ويتم تعينهم بصورة دائمة او مؤقتة بالوفد اليمني في الامم المتحدة مثل يحي جغمان وعلى الخضر وغالب على جميل ومحمد الجنيد ومحمد سعيد العطار والذين بعضهم كانوا قد عاونوه ومن المساعدين له في مهمته الرائدة لتحقيق النصر الدبلوماسي الجمهوري الاول.........

ولنا بقية إن شاءالله.

زر الذهاب إلى الأعلى