اليمن بين ضرورة الحرب وعبثيتها
د. لمياء الكندي تكتب: اليمن بين ضرورة الحرب وعبثيتها
يرى البعض أن اليمنيين اليوم يخوضون حربا عبثية، لن يكتب في نهايتها انتصار كامل لأي من أطرافها، بل يذهب البعض في إطار حديثهم عن الحرب إلى ترجيح كفة النصر للحوثيين بناء على معطيات واقعية تفرضها مسارات المعركة والسياسات المحلية والإقليمية المحركة لها.
تساعد بعض الكتابات والآراء المصحوبة بتوجه إعلامي وفق ما يعرف بالقراءة الواقعية أو بالأصح القراءة الانهزامية للأحداث، في خلق تصور مُعتم وانعكاس ظل قاتم يرجع سلبا على المنطلقات العامة التي قامت من أجلها الحرب.
على العالم الذي يتفرج على مأساة اليمنيين وحربهم أن يتوقف عن التنظير العبثي وهو يتناول الحرب فيها، على الإعلام العالمي الذي يغفل قضية الحرب في اليمن ويمارس نوعا قاتلا من الحياد والنفاق تجاه ما يعانيه الشعب من حرب فرضت عليه من قبل المليشيات الحوثية أن يتوقف عن تناول هذه الحرب بلغة النفاق والحياد والتزييف الذي يميع قضية اليمنيين ويفتح الباب واسعا لكهنة السياسة أن يمارسوا كهانتهم في الوقت الذي يفرشون السجاد الأحمر من دمائنا لتأمين العبور الحوثي واستكمال سيطرته على مختلف مناطق اليمن.
على من أصابهم الملل والتذمر من استمرار هذه الحرب ووصفها بالعبثية أن يجربوا أن يعيشوا معنا كشعب الواقع الحوثي الذي فرض علينا بقوة السلاح والانقلاب.
على أولئك المحايدين من أصحاب النظارات الشمسية والرؤى الثقافية الخارقة، وأصحاب النظريات الواقعية أن يدركوا معنى أن يستكمل الحوثيون حربهم في السيطرة الكاملة على كل التراب اليمني، أن يدركوا المعنى المترتب على سقوط مارب العز بأيدهم، و معنى أن تتحول اليمن إلى سياج أمني بإشراف سجان واحد يملك إذن بقائنا على قيد الحياة وإذن حريتنا وعيشنا وكرامتنا.
على من ينتظرون أن تنتهي الحرب وأن يكمل الحوثي سيطرته على امل تسهم هذه السيطرة في إنهاء الخصومات البينية والصراع حول السلطة، بما يمكن الشعب أن يكون أمام خصم واحد وحكومة واحدة وقرار سياسي وعسكري واحد يكون هو المسؤول شعبيا ورسميا تجاه ما يحدث، عليهم أن يعيدوا تقييم ومراجعة حساباتهم فتجاربنا مع الحوثيين ومن قبل مع الإمامة تظهر لنا حجم الجناية التي ارتكبتها هذه السلطات بحق الشعب وبعدها كل البعد عن القانون والمسائلة والنظام والقانون، عليهم إذا ما كانوا يعتقدون خيرا بالمليشيات الحوثيه رغم ما حدث وما يمكن له أن يحدث أن يتبرأوا من هويتهم اليمنية، ومن تفكيرهم وآمالهم التي لا تصنع غير الهزيمة ولا تنتج غير الجريمة المنظمة بحق الناس بكل أطيافهم وانتماءاتهم.
على من يؤمنون بعبثية الحرب أن يعرفوا أن العبثية تكمن في تربية الهزيمة كثقافة عامة ومن منطلق حيادي ودعاوي أفاكة، تمهد لاستعباد الشعب، ورهن مصالحه وموارده بيد عصابات مليشاوية لا تفقه من أمر الدولة والنظام إلا لغة السيطرة والسلطة.
عليهم أن يعرفوا أن من سرق من فم الشعب لقمة عيشه وهو مازال في بداية سيطرته وحاجته لحاضنة شعبية وفي ذات الوقت الذي كان فيه حاملا شعارات محاربة الجوع وإسقاط الجرعة التي أظهرت تناقضات وزيف انقلابه، لن تمنعه سلطته من البطش والتنكيل بهذا الشعب وقد توفرت له مقومات السيطرة.
عليهم أن يدركوا أن من قام بهدم المساجد والمنازل وقتل وروّع الآمنين ومنع التعليم وقطع الرواتب وعطل مؤسسات الدولة وطارد كوادرها واستهدف نخبها وخبراءها، أنه غير قادر أن يتعامل مع واقع دولة طبيعية، ولن يتحمل أعباء دولة بدون حرب فالحرب هي الغطاء الساتر لكل جرائمهم وهي التي تغطي على الفساد المالي والإداري والنهب المنظم وتعطيل ومصادرة موارد الدولة الحرب يا محايدين هي من تغذي مصادر الانقلاب غير الشرعية وتمنحهم الحق في ارتكاب الجريمة وابتزاز الناس ومصادرة حقوقهم وحريتهم ومنع رواتبهم.
لذا لابد لهذه الحرب ان تحقق السلام بعقيدتها الجمهورية ووهجها النضالي وفكرتها القومية في تحقيق الذات اليمنية والانتصار لها. أما اولئك المأملون على توقف الحرب بشكلها الحالي حسب فرضية النظرة الواقعية لصالح الحوثيين وإمكانية السلام، أقول لهم جازمة إن هذه الحرب لن تكون الحرب الأولى كما لن تكون الأخيرة بالنسبة للحوثيين.. سيفتعلون الحروب واحدة ضد أخرى، وسيستمر مشهد ترويع المجتمع وابتزازه اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعقائديا ومذهبيا، وسيفتحون جبهات متعددة وسيجدون المبررات لها.
لقد اعتاد هؤلاء المتوردون على الحرب وتعايشوا معها ومع الفوضى والجريمة المترتبة عنها كعقيدة سياسية وفكرية واجتماعية عادلة، لذا لابد للحرب ان تستمر باتجاه السلام على وجهتها الحالية حاملة في مساراتها راية الثورة والجمهورية.
على حالة السخط الشعبي والوجدان الشعبي الحر المناهض للحوثيين أن يظل تمترسا في جبهة الصمود الجمهورية، وأن لا يتأثر بالدعايات أو المآلات التي تنتج عنها الحرب فأهم ما في هذه الحرب أننا موضوعها وأننا كشعب مادتها وجوهرها الطبيعي وكيانها المستهدف ونحن فقط من يملك قرار استمرارها الذي عقدناه بهزيمة شاملة لمتوردي الإمامة وتشييع خرافتها الدينية والسياسية إلى مزبلة التاريخ وإلى الأبد.
ستظل هذه الحرب قائمة طالما ظل الوجود اليمني مهددا بفقدان ذاته وأمنه واستقراره وطالما هناك من لا يزالون يؤمنون بأحقية الحكم الامامي، وكذا الذين ما زالوا يقفون موقف الحياد تجاه ما يجري، فحربنا هي حرب بين مشروعين قدر لهذا الجيل أن يخوض بطولاتها وأن يتعلم من دروسها وأن يستخلص العبر منها بأن لا وجود ولا كرامة ولا أمن ولا حياة كريمة وعادلة لليمنيين مع وجود هذه الشجرة العنصرية الخبيثة التي تمارس سياسة وعقيدة التمييز والتفريق الاجتماعي بين اليمنيين من منطلق شرعية الحكم لهم والتبعية المطلقة لنا.
إن الإنسان اليمني بعقيدته الجمهورية وإيمانه المطلق بحريته وكرامته لا يعنيه الاستعانة بصديق أو الجمهور أو الحذف، "على غرار برامج الحظ واليانصيب"، ليربح وجوده ويقرر مصيره فخياراته حددت سلفا وهو من سيصنع الانتصار الكبير بصموده ووقوفه الصارم أمام موجات الاستعباد الثقافي والسياسي والاجتماعي القائم وهو وحده من سيتمكن بإرادته الحرة من الانتصار الكامل لقيمه وأهدافه ودولته، مهما كانت الخسارة ومهما عظمت التضحيات، ولسان حاله ما دمت أكافح وأناضل عن وجودي كيمني وكشعب فلن أكون اضعف من فيتنام ولن يكون الحوثيون أقوى من أمريكا، فالعاقبة بالنصر لأبناء القضايا العادلة وعلى هذا جرت سنة الله في الأرض، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.