اهتمامات

حتى لا نتشظى أكثر.. وقفة مع لقاء السلفيين بالحوثي

ثابت الأحمدي يكتب: حتى لا نتشظى أكثر.. وقفة مع لقاء السلفيين بالحوثي


تابعتُ كغيري لقاء إخواننا بعض قيادة السلفيين في اليمن مع محمد علي الحوثي، الحاكم الفعلي لصنعاء، الثلاثاء الماضي 9 نوفمبر، وما أحدثت من جدل وتعليقات لدى بعض الأخوة، وخاصة في الخارج، ما بين مهاجم ومبرر وصامت. وكنت قد قررت عدم الكتابة عن هذا النشاط، حتى رأيت بعض الجدل المتزايد، فقررت أن أدلو بدلوي في هذا المضمار، كمقاربة موضوعية للحدث من زواياه المختلفة، وبرؤية أوسع. أقول:
أولا: لا أتفق مع الأخوة الذين هاجموا قيادة السلفيين الذين ظهروا في لقاء مع الحوثي، فهم واقعون تحت سلطتهم، وليس بوسع أحدهم رفض الدعوة الحوثية سواء لهذا اللقاء أو لغيره. وأتذكر هنا بالمناسبة فعالية مزعوم الإعلان الدستوري عقب الانقلاب الحوثي في 2014 في قاعة القصر الجمهوري بصنعاء؛ حيث تم إجبار شخصيات جمهورية على الحضور قسرًا، ومن حاول أن يتملص منهم ذهب إليه أبو علي الحاكم بنفسه إلى بيته، وأخذه بسيارته إلى القاعة.
ثانيا: لا يخفى على المهتم بالشأن الفكري والديني من فترة طويلة الخلاف الحاد بين السلفيين من جهة "والرافضة" كما يسمونهم من جهة أخرى. والسلفيون يعتبرون خلافهم معهم عقائديا، حديًّا، غير قابل للتفاوض، وقد ألفوا في ذلك الكتب والدراسات.
ومن المعروف أن الخلاف العقائدي بين أي جماعة وأخرى أشد أنواع الخلاف. وأستطيع أن أقولها بكل وضوح أن موقف إخواننا السلفيين تجاه "الهادوية الجارودية" في اليمن أسبق من مواقفنا نحن، ولطالما كنا نصمهم بالتطرف والغلو تجاه الآخرين. وإن كان بعضهم كذلك حقا. مع الأخذ في الاعتبار هنا أن مناوءتهم لهم لكونهم "رافضة" ويسبون أم المؤمنين عائشة، لا لكونهم خطرا وجوديا على الدولة والمجتمع.

ثالثا: ليكن في ذهن الجميع أن الجماعة السلفية في اليمن ضمن الأوراق السياسية التي يلعب عليها الحوثي، متظاهرا بإتاحة الحرية للجميع، والتعايش السلمي إلى آخر هذه التقليعات التي يتشدق بها، مستغلا بعض الخلافات بين السلفيين من جهة وحزب الإصلاح العدو اللدود للحوثي من جهة أخرى، لضرب أحدهما بالآخر. وهذا من قبيل الممكن للأسف الشديد، لأن بعض الفصائل السلفية لم تتورع عن مهاجمة نظيرها السلفي، فما بالك بالآخرين، ومنهم الإصلاح أو المؤتمر أو الاشتراكي أو غيره..؟!
رابعًا: ما قد يخفى على البعض أن السلفية بطبيعتها جماعة "انشطارية" تتحد لتتفرق، وهي اليوم "سلفيّات" ولم تعد سلفية واحدة، وأن بعض الجماعات السلفية تكفر وتفسق وتُبدّع بعضها بعضا، ولا تقبل بالفصيل الآخر من بني جنسها. جزء من هذا الخلاف "ذاتي" متعلق ببنية الجماعة الفكرية ومثالية البعض المفرطة، خاصة من فصيل السلفية "العلمية" أو السلفية "القصورية" حد تعبير خصومها، فلا يزال هذا الفصيل في عالم آخر، ويكاد الفرد الواحد منهم يختلف شقه الأيمن مع شقه الأيسر..! وجزء من هذا الخلاف "موضوعي" له امتداده الخارجي.
وإلى جانب السلفية العلمية ونموذجها الشيخ محمد الإمام في معبر، فثمة السلفية الحركية وأنموذجها حزب الرشاد وحزب السلم والتنمية وأيضا الحكماويون بزعامة الشيخ محمد المهدي، وحزب النهضة "المجهري" وشخصيات كبيرة في منزلة بين المنزلتين من الحزبية، إن لم ينضووا في حزب معين إلا أنهم لا يحرمون الحزبية، كما يفعل "المعبريون" أو "الدماجيون"، وعمليا يمارسون نشاطا دينيا واجتماعيا يقترب من أنشطة الأحزاب السياسية في الآلية والأداء، لكسب مزيد من الأتباع في مراكزهم العلمية.
أما الفصيل السلفي الثالث وهو السلفية الجهادية، وقد أفضى أحد رموزها الكبار إلى بارئه قبل سنوات قليلة، ولا أعرف خلفه في هذا الجانب، وهؤلاء أيضا منقسمون على أنفسهم، في الولاء السياسي، ومتوزعون أيضا في أكثر من مكان... إلخ.
خامسًا: ما يجب أن نفهمه ونعيه أن الحوثي جماعة أيديولوجية عقائدية صلبة، يستند إلى نظرية كهنوتية هي خليط من الدين والسياسة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل بغيره مهما كان، وما يمارسه اليوم هو حالة من الاستعراض السياسي أمام الرأي العام لا أكثر، وفي حال تهيأت له كل الأمور، واستطاع بسط نفوذه الكامل فإن يومهم آتٍ لا محالة، سجنا وقتلا وتشريدا، كما فعل مع سلفيي دماج، ليخلو له المكان وحده لا شريك له.
الحوثي الآن لا يريد فتح أكثر من جبهة في الداخل، لاسيما وهو يدرك أن السلفيين قوة لها وزنها في المجتمع، وباختصار.. كلما كانت أي جماعة أكثر وعيا بخطر هذه الجماعة كلما كانت أشد عرضة للبطش والتنكيل، وإذا كان قد بطش بالدماجيين على محدودية وعيهم السياسي والثقافي، وعلى سلميتهم المعروفة، فما بالك بالفصائل والتيارات الأخرى الأكثر وعيا منها؟

وأكثر من ذلك لقد بطش ببعض الرموز الإسماعيليين وهم بنو عمه من الرضاعة، فما بالك بالجماعات الأخرى؟ ليس ذلك فحسب؛ بل لقد اغتال بعض الرموز من أبناء عمومته في النسب والفكر والجغرافيا؛ لأ نه شم رائحة معارضة منهم..! جدبان والمتوكل وأحمد شرف الدين وحسن زيد أنموذجا.
سادسًا: يأتي لقاء إخواننا السلفيين بالقيادة الحوثية بعد سبع سنوات من خذلان رفاقهم، وانقطاع الأمل لدى بعضهم، فربما لجأ البعض منهم إلى البرجماتية السياسية، كسلطة أمر واقع، للتعامل مع الحوثي حتى تنفرج الغمة، وعلينا تفهم هذه النقطة تحديدا.
سابعًا: لقاء إخواننا السلفيين بالقيادة الحوثية مثل أي لقاء آخر لبقية التيارات الأخرى التي لها لقاءاتها الخاصة معهم، سواء على الصعيد الفردي أو المؤسسي، إلا أنهم لم يشترطوا عدم التصوير، بل لقد بادروا هم إلى ذلك..!! والحقيقة أن الكل معذور، بلا استثناء، فمواجهة هذه الجماعة اليوم بدون تنسيق جماعي، نوع من الانتحار.
أخيرا أتمنى على زملائنا ورفاقنا عدم الإساءة لإخواننا السلفيين تحت ذريعة ذلك اللقاء، فمن يده في الماء غير من يده في النار. ولو أتيحت لنا الفرصة في الجلوس معهم وتلمس مبرراتهم ربما لأقنعونا بذلك.
هذا مجرد رأي، حتى لا نتشظى أكثر وأكثر، فإخواننا السلفيون مهما اختلفنا معهم، جزء من جسدنا وهويتنا، وسبق لنا خلافات فكرية معهم، لكنها جميعا في بطون الكتب وصفحات الجرائد، ولم يسبق لسلفي قط أن قتل خصما له لاختلافه معه. ووحده الحوثي عدونا التاريخي الوحيد فقط.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.

زر الذهاب إلى الأعلى