[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

صبراً.. آل ياسر العواضي!

أنور العنسي يكتب: صبراً.. آل ياسر العواضي!


قد لا يساوي رحيل الأشخاص مهما بلغت درجة قربك منهم فقدانَ وطنٍ بأكمله بكل ما عناه لك الوطن من هويةٍ ومعنى وأهلٍ وبيت.
غير أن فقدانَ شابٍ مثل ياسر العواضي ، الذي وُلِد (رجُلاً) هو فقدانٌ لبعض آخر ما بقيَ في الوطن من الرجال ، وبقيَ الوطن فيهم.
عرفت ياسر منذ طفولته عندما كان والده محافظاً لمحافظة ذمار ، وأدركت منذ ذلك الحين أن هذا الفتى الخارج من صُلبِ رجلٍ جمهوريٍ صَلبٍ سيتجاوز بذكائه غير الاعتيادي في عمره آنذاك كل مشائخ آل عواض الأبطال والشعراء .. هذا ما قلته يوماً لأصدقائي من أبناء عمومته.
وبالفعل فلم تكد تمر سنوات حتى لمع نجم ياسر ، وسرعان ما استطاع نسج علاقة صداقةٍ وعملٍ خاصة مع رئيس البلاد الراحل علي عبدالله صالح ليس على أساسِ من علاقة الأخير بوالده ، ولكن على خلفية ما وجده صالح في شخص ياسر من الألْمَعِيَّةٍ ، والنباهةٍ ، والرأيٍ السديد.
إعتاد أبو رامي أن يناديني بـ (والدي الحبيب) و (والدي العزيز) وبسؤاله الدائم الحميم عن أحوال (والده أنور) في الغربة ، فقد كان لديه على ما أعتقد شعورٌ بأن عليه أن يعيد الدفء إلى علاقتي بحليفه (الزعيم) بعد سنوات الجفاء وليس الغياب فقط .. ولقد نجح في ذلك ، وظل خلال سنوات صالح الأخيرة ، هو وعارف الزوكا وشخص آخر (لن أذكر إسمه لأسبابٍ أمنية) بمثابة حلقة الوصل مع صالح .. يمدونني بكثير من التسريبات والمعلومات ، ما ينفع منها وما لا ينفع ، وقد تعاملت معهم كما اتعامل مع بقية القوى السياسية الأخرى!
في أول مشاورات سلامٍ يمنية في جنيف بسويسرا ، نهض ياسر بسرعة من بين جلسائه المؤتمريين والحوثيين ، كان من بينهم مهدي المشاط وحسن زيد .. عانقني بحرارة قائلاً بصوتٍ عالٍ ليبلغ أسماعهم "أنقل إليك من اليمن تحيات البشر والشجر والحجر ، البلاد كلها في شوقٍ إليك والدي".
خلال تلك الأيام من المشاورات كان لياسر حضوره في مداولاتها واطلالاته الجيدة في وسائل الإعلام الدولية ، لكن الأهم من ذلك بالنسبة لي أنني لاحظت عناية شديدة كان يوليها لصديقه حينذاك (مهدي المشاط) وعندما سألته عن سبب هذا ، قال "هذه توجيهات الزعيم" ولعل هذا يعني أن تحالف المؤتمر مع الحوثيين في تلك المرحلة كان جاداً وحقيقياً ، حتى وإن ظهرا كوفدين مستقلين أمام وفد الحكومة.
وحين حانت ساعة الحقيقة ، وافترق الطرفان (المؤتمر والحوثيون) كان لدى ياسر كغيره من مشائخ البلاد الأذكياء ميزان ذهبٍ حساس لقياس الأمور وتخيُّل النهايات ، فقرر الرحيل عن صنعاء قبل أن يرحل صالح !
فعل ذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قيادات المؤتمر غير مكترث بالشائعات التى حاولت النيل من شجاعته وولائه لحليفه (الزعيم) الذي ربما تأخر في سماع نصائح ياسر وآخرين ، ووجد نفسه في الأخير وحيداً ومحاصراً !
أتصور أن أبا رامي نضج كثيراً خلال السنوات القليلة الأخيرة ، وذلك بعد خسارة حليفه صالح للسلطة ثم للحياة أيضاً ، وزاد إدراكه أكثر لعبثية الأقدار ، وخيانات بعض القبائل وألاعيب السياسة ، وخذلان الكثير من الناس.
أحاديثنا الطويلة ومراسلاتنا العديدة ، وقصائده الحارة أثقلت كاهلي بالألم ، وبالخوف منه والخوف على سياسيٍ شابٍ فذٍّ مثله ، كان لديه الكثير مما يمكن أن يفعله لخدمة وطنه ، فانتهت تجربته قبل أن تكتمل لكن عزاءه أنه اكتمل رغم رحيله المبكر بموقف سياسي وطنيٍ واضحٍ ، شجاعٍ وشفاف.
وداعاً ياسر العزيز!

زر الذهاب إلى الأعلى