اهتمامات

علي محمد سعيد أنعم: صفقة «شل» و«مخ اليمن» (4)

لطفي نعمان يكتب: علي محمد سعيد أنعم: صفقة «شل» و«مخ اليمن» -- ثروة توقد ثورة - بانوراما من الميلاد إلى الإيقاد (4)


مضت السنون على مقام علي محمد سعيد بالحديدة وتنقله بينها وبين عدن، لما يخص تسيير شؤون العمل المشترك بينه وبين عمومته، واطمئنانهم على نجاح عملهم الذي يديره في الحديدة.

ولأن «لذة الحياة في التنقل»، وجني فوائد الأسفار:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا .. وسافر ففي الأسفار خمس فوائد:
تفريج هم، واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجدِ

فقد جنى فوائد جمة أهمها: علماً ومعرفةً ومتابعةً لرياح التجارة واتجاهات الربح والوفر، ومناخها المواتي.

حتى استهواه ما طالع من مواد بصحيفة «النهضة» لعبدالرحمن جرجرة، عام 1953م.. واكثرها التصاقاً بذاكرته «المخا: مخ اليمن».. تناولت المقالة، حسبما يذكر الشيخ علي، توجه الحكومة في الشمال إلى تنشيط ميناء المخا واستعادة مجدها الغابر. علاوةً على تخفيض قيمة الجمارك في المخا إلى 8% من قيمة السلعة بينما تحددت في جمرك الراهدة ب12%.

أنشئت شركة تصريف لمنتجات مصافي عدن ومنها «شل»، فتمكن علي محمد سعيد من نيل توكيل «شل» لصالحه وأعمامه. بعدما أبرم صفقة ضخمة لنقل المنتجات إلى «مخ اليمن»، ويتسرب بنفسه إليها.

في الطريق إلى المخا:

تسرُب علي إلى «مخ اليمن»، هال عمه هايل، كونه لم يُخطَر بخطوة علي المفاجئة، وقد اعتيد أن يشاورهم في الأمر، لا سيما وهم يعتبرونه عمودهم الفقري وغيابه بهذا الشكل سيخلف أثراً وفراغاً مهولاً، فانصرافه إلى المخا دونما استعداد وتنسيق مسبق قد يتهدد سلامته بالدرجة الأولى، فكان قلق العم هايل على سير العمل مشوباً بالخوف على ابن الجميع ومحط ثقتهم. فحمل هايل نفسه إلى الراهدة حيث التقيا ليثني علياً عن سفره وفكرته، وبرغم المعاذير بأن السلع المتفق على ترويجها في عرض البحر لم يبق غير استلامها، والمحاذير من الخسائر الناجمة عن التفريط فيها، ارتأى العم في سلامة الابن ربحاً أكبر، ووفراً أعظم.

ورغماً عما أعظم الهايل من التهديد والوعيد، ليثنيه عن خطوته، فقد واجهه علي بدموع حرى وإصرار أحر، أذاب المخاوف والمحاذير. غير أنه ولزيادة اطمئنان هائل سعيد عليه الذي وقاه خطر التعرض للملاريا، استودعه عبدالحميد الأصنج شريكاً في الربح دونما أدنى خسارة أو بذل من الأصنج. وما ذلك إلا ليطمئن على سلامة علي. وقد واصل مسيره إلى المخا ليخطئ طريق الوصول إليها، إلى أن أصاب موضعه.

وهنالك في «مخ اليمن»، حط رحاله في دار شكري زيوار مدير مال مقبنة، ابتداءً لبنائه داره الخاص بما توفر من أدوات وإمكانيات، ترافقت وتأسيس مشروع تجاري جديد لهائل سعيد وشركائه، مما يجعل «الشريك علي» هناك التاجر الوحيد والمتوفر في كل المواسم.. لتمويل اليمن من أقصاه إلى أقصاه بسلعة الجاز من بعد بناء لسان الميناء وخفض الجمارك.

حادثة أحدثت دوياً للشركة:

لم تخل الحياة من عوارض ومفاجآت، فاجأته بآثارها النافعة للجميع. إذ انعدم البترول في اليمن ككل، مما يستلزم توفيره لمواجهة طوارئ من نوع تُعرّض الناس أحياناً لموقف لا يحمد مقترفوه عقباه.. ويحمده آخرون. ففي مرة مر بعض العساكر على سيارة الدورية بالمخا في طريقهم إلى باب المندب وطلبوا من علي تموينهم بثلاثة براميل بترول غير أنه أجابهم بإمكانية توفير برميل واحد، وطال الأخذ والرد حتى ادعوا عليه كذباً بأنه امتنع عن تموينهم وتلفظ على الإمام فيما -كما يروي بنفسه- لم يذكر الإمام لا بسوء ولا بحسن. واستدعوا من زملائهم بباب المندب من اعتدى عليه بالضرب باب داره، برغم المقاومة.

فرفع عقب ذلك برقية إلى الإمام أحمد حميد الدين تضمنت شكواه مما تعرض له من العساكر، وهو يقف دوماً مع الإمام بالحق والباطل، طالباً إنصافه وما لم يُنصف فسيعود عدن حيث اليهود والنصارى. ويصدر جواب الإمام إلى نائبه في تعز حمود الوشلي آمراً إياه بالنزول إلى باب المندب ومعرفة الجناة والضرب بيد من حديد.
فوصلوا إليه لدى الشيخ محمد علي عثمان عامل المخا، يطلبون نزول الشاكي لإحضار المشكي بهم. غير أن الشيخ عثمان عامل المخا رفض ذلك واتفق وعلي على رفض طلبهم، ثم استقر الرأي على بقاء علي وأن يذهبوا هم لإحضار المعتدين.
فكان نزولهم وإحضارهم للمعتدي مقيداً وماشياً على قدميه من المندب إلى المخا وأودع السجن ثم طلبوا من علي محمد سعيد العفو على أن يُهَجِروه في باب بيته، فامتنع حتى اقتنع بتأثير محمد مطهر بتقديم العفو وقبول الهَجَر الذي حدث بدخول الجناة لبيته حابين على أقدامهم، وكذا ذبح الأثوار وإطلاق الرصاص حتى يعرف الناس برد اعتباره. فأحدث الحادث بنتيجته الأخيرة دوياً طيباً زاد مكانة وهيبة «هائل سعيد وشركاه» في الخط التهامي.

زر الذهاب إلى الأعلى