من الأرشيف

علي محمد سعيد أنعم: ثروة توقد ثورة (5)

لطفي نعمان يكتب حول علي محمد سعيد أنعم: ثروة توقد ثورة - بانوراما من الميلاد إلى الإيقاد (5)


الانتقال إلى الحياة بتعز:
أعقب نجاح علي محمد سعيد، بتشجيع هائل سعيد وباقي الشركاء، في توسيع نشاط الشركة من ثغر اليمن: عدن إلى شماله مخ اليمن: المخا.. من بعد عروس اليمن: الحديدة.. انتقاله إلى عقل اليمن: تعز، عاصمة المملكة المتوكلية اليمنية حيث التطورات المتيحة لفتح مجال حياة جديدة، مما هيّأ لعلي الاستيطان هناك وبناء منزله الخاص بتعاون ومساعدة المثقف المتحمس الحر ناشر عبدالرحمن.
ونظراً لتتابع التطورات في تعز، بحكم «تعصيمها» من قبل الإمام أحمد، أس جعلها عاصمة لمملكته منذ سنة 1948م، فقد افتتحت السفارات ونشطت هناك. وواتت علياً فرصة استثمار عقاري، بتأجير أولى منازله للملحق السوفيتي. ثم منزل آخر ليصبح مقراً للسفارة. فيبدأ التاجر الوطني من خلال هذا اتصالاً دبلوماسياً.. بإحدى عواصم القرار الدولي.

من شرق أفريقيا إلى قلب آسيا:
ابتدأ نشاط هائل سعيد وإخوانه ثم شركائه من شرق أفريقيا بالصومال فجنوب غرب آسيا عدن، وامتد -بابن أخيهم وشريكهم علي- من جنوب اليمن متسعاً إلى، وفي شماله.
وسنحت فرصة الخروج بمجال صلاتهم وعلاقاتهم التجارية إلى قلب آسيا من خلال سفيرهم في الشمال: علي حين شق قناة تواصل مع الدبلوماسيين السوفيات الذين مكنوه والشركة الأم من الحصول على توكيلات لمنتجات سوفياتية. فسافر في العام 1958م إلى موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي. لإبرام ما تيسر إبرامه من الصفقات.

الاتصال برجال وتفاعلات الحركة الوطنية:
واكب الحركة التجارية النشطة لعلي محمد سعيد، توطيد صلاته برجال الحركة الوطنية المتواجدين في النطاق اليمني، لا سيما من جمعهم المكان بالعلي، كالحاج سيف عبدالرحمن بالحديدة والشيخ محمد علي عثمان عامل المخا والعامل الأديب علي محمد عبده، ثم ناشر عبدالرحمن بتعز، والقاضيين عبدالرحمن الإرياني وعبدالله عبدالإله الأغبري والأديب مصطفى يعقوب والشيخ جازم الحروي والأستاذ عبدالحفيظ بهران وأحمد الرضي والشيخ عبدالقوي حاميم بتعز.. وغيرهم كثير، وكان اللقاء ببعض رجال الحركة المرتبطين بوظائف رسمية يتم بسرية لا تؤثر أو تحرج أحداً.
وإذ تندلع أحداث لم يشارك فيها علي محمد سعيد، فبالتالي لا يُنسب إليه دور في انقلاب مارس 1955م على الإمام أحمد وتنصيب سيف الإسلام عبدالله إماماً لأسبوع انقلب بعده الإمام أحمد على إمامه والمنقلبين عليه كالمقدم أحمد الثلائي، غير أن علياً تعرف بأحد رجالات الانقلاب وهو الضابط محمد قايد سيف. ووطد صلاته برجال حركة الأحرار من المغتربين كأحمد عبده ناشر وعبدالغني مطهر.. وقيادة الاتحاد اليمني بعدن وشباب الحركة الوطنية كمحمد أحمد نعمان، وعلي الأحمدي وعلي محمد عبده وصالح الدحان. وغيرهم.
ومن خلال صلته الوطنية واتصاله بالأستاذ أحمد محمد نعمان تمكن من إنجاز ترتيبات تدريس أبناء عمومته: عبدالجبار هائل سعيد، ومحمد عبده سعيد، نتيجة إقناع الأستاذ نعمان لهم جميعاً "أن اهبطوا مصر" لتيسير تدريسهم في القاهرة، عوضاً عن بلدان أخرى.. فألحقوا ببعثة الاتحاد اليمني بالقاهرة. أواخر الخمسينيات.
وقبيل ما سمي بانتفاضة القبائل عام 1959م بقيادة الشيخين الشهيدين حسين بن ناصر الأحمر وحميد بن حسين بن ناصر الأحمر، جمع الشيخ ناشر عبدالرحمن بين الشيخين علي محمد سعيد وحميد الأحمر.
وبدأ يتحسس روح المطالبة بالتغيير لدى عدد ممن كانوا محيطين بالإمام أحمد كأحمد محسن قائد.
وبتزايد انشقاق الأسرة الحاكمة في الدفع بمسير الحركة الوطنية إلى الأمام. يكون الاقتحام الحذر من قبل علي محمد سعيد لمجال التحرك الوطني، وربطه للحركة بعبدالغني مطهر الذي أقدم على التواصل والحركة ممثلاً عن التجار الوطنيين.

حوالة حولت ليله جحيماً:
ومن الفعاليات الوطنية التي اشترك بها علي محمد سعيد، محاولة سعيد حسن فارع الذبحاني الشهير بـ«إبليس»، لاغتيال الإمام مطلع العام 1960م التي استلزمت ترتيبات مادية تكفل بها علي خلال حوالة مكتوبة بمبلغ قدره عشرة آلاف ريال، لكن إحباط المحاولة وانكشاف أوراق «إبليس»، حوّل ليل علي جحيماً، إذ خشي اتضاح صلته بتلك العملية، وهو الحذِر بطبعه والحريص على عدم تأثر عمل الشركة بتداعيات التدخل في فعل سياسي من هذا النوع.
غير أن أوراقاً أخرى من بينها حوالة الشيخ علي سَلِمَت الوقوع في يدي عيون وعساكر الإمام، وسُلمت إلى الشيخ أحمد أمين عبدالواسع نعمان، فطمأن علياً ذات نهار على نجاته من الاشتباه لأن ورق الحوالة محفوظ لديه وسيتولى إتلافها بنفسه.. وعلى الرغم من اطمئنان علي إلى مآل الورقة لكنه فاجأ النعمان أحمد أمين بزيارة مساء نفس اليوم يطلبه الورق ليتلفها بنفسه، فسلمها له. ولما همّ بالخروج ما استطاع نظراً لدخول «اليسك» أي موعد حظر التجول في الشوارع العامة. فأمسى بدار النعمان إلى أن أشرق الصباح وهدّأ بعودته إلى داره من روع أهله القلقين عليه، بعدما هدأ روعه هو!

زر الذهاب إلى الأعلى