آراء

الأقيال وتهمة العنصرية!

د. لمياء الكندي تكتب: الأقيال وتهمة العنصرية!


ليس أضر من العداوات الصريحة والواضحة في مسار حركة الأقيال على اليمن إلا تلك العداوات الباطنية التي تأتي من رفقاء النضال وشركاء البناء تحت مبررات متعددة.

أو تلك الدعوات التي يطلقها المحايدين تحت لافتة محاربة العنصرية، بل أن بعضها تمضي نحو اتهام تيار الأقيال بممارسة العنصرية والتحذير من أن تكون عنصريتهم مستقبلا بديلا للعنصرية السلالية الهاشمية في اليمن بل يصفونها بالأخطر والأسوأ في تجنٍ عظيم على الأقيال يفضحه تاريخ السلالة الأثيم!!

لعل من يتهمون الأقيال بالعنصرية يجهلون المعنى الكامل لها، فلا يميزون بين أشكالها وممارساتها وسلوكيات المنتمين إليها رغم أنهم كانوا طيلة سنوات بل قرون طويلة وقودا ورمادا لسيطرة ونفوذ العنصرية العلوية الامامية فتناسوا فظاعة سلوكها الإجرامي تاريخيا.

انتقلوا من محاربة السلالية والعنصرية الهاشمية الامامية الحوثية إلى كبح جماح حركة الأقيال الوليدة حاضرا المعتبرة تاريخا.

استهدفو ساحة الأقيال الوطنية وتأهبوا لحرب الفكرة وقمعها من قبل أن تتضح لهم مساراتها ورؤاها رغم إدراكهم أن لا عنصرية ولا أي خطابات فئوية ولا مناطقية ولا حزبية مهما بلغت أو بالغت بالانحياز لنفسها يمكن لها أن تحدث في اليمن واليمنيين تشوها ومسخا للوجود والهوية كتلك الممارسات السلالية العلوية في اليمن.

ومع ذلك انطلق البعض لتشويه الخطاب القومي اليمني والتحذير منه رغم أنه ما زال تيارا وليدا تمخض من خضم الأحداث الجسيمة التي تعرض لها اليمنيون وعبَّر عن حاجتنا له في ظل عملية المسخ والاستهداف الممنهج تجاه وجودنا وهويتنا اليمنية الخالصة.

لقد اعتبرنا سابقا أن أكبر الأخطاء التي مرت بها اليمن في مرحلة ما يُعرف بثورة الشباب السلمية في فبراير 2011، وما تلاها: أنها كانت مرحلة قاصرة بل وعاجزة عن إحداث تحول تاريخي تقوده النخب السياسية والفكرية الطليعية في اليمن.

لم تنتج تلك المرحلة إلا المزيد من الانقسامات التي نتج عنها تراجع في الأداء والشعور بالواجبات الوطنية على المستوى الوظيفي أو الشعوري وهو أساس الكارثة التي نحن فيها.

وأكبر عيوب تلك المرحلة أنها لم تحظَ بولادة نخب سياسية وفكرية جديدة تقود عملية التحول الثورية تلك أو تحدد مقومات الانتقال السلمي لليمن وتوجهه.

كان غياب النخب المتسبب في عدم ظهور قيادة جديدة تتبنى الخطاب الشعبي والوطني من أبرز عوامل الاستسلام والتسليم بمشروعية الاحتلال الحوثي للدولة والزحف عليها ومن ثم إسقاطها وحكمها.

فحفاظُنا على صراعنا الحزبي مقابل ضياع الشعور بالحس والهوية الوطنية، فتح الباب واسعا أمام الحوثيين لممارسة عنصريتهم بشرعية التفرق والاختلاف والتمزق التي منحناها لهم، وهو ما أرادوا أن نعيشه ونكرره اليوم فنخرج من هذه الحرب بدون رؤية ولا تكتل ولا قيادة ولا قواعد وتيارات جديدة ولا انتماء ولا هوية تضخ دماءها النقية في جسد الوطن المثخن بجراح الحرب.

لعل الإشكالية الأكبر لدى الجماعات العنصرية يكمن في نوعية الخطاب الموجه الذي يمارسه أعضاء وقادة هذه الجماعات نحو عامة الشعب وهو خطاب مؤدلج يحتكر الصالح العام في محيطها الخاص ودائرتها الضيقة، ولقد يرى البعض حسب هذا التوصيف بأن تيار الأقيال يتبنى نفس هذا الخطاب العنصري. هكذا تظهر الأشياء على العامة فتسبقها الأحكام التي تغلق الأفهام. وهذه هي معضلة الفهم السياسي في البلد حتى مع من يدَّعون ممارسة السياسة عندما يتم تناولها بشكل عابر والتقاط سريع للأحكام من خلال سلوكيات فردية لا عقائدية تخص الأقيال من حيث الفكرة والنهج والهدف والغاية.

فيتم مهاجمة التيار والفكرة وعقيدته الحضارية والوطنية بسوداوية عدائية غير مبررة وفق هذه المزالق والرؤى الفردية، دون النظر في الإطار العام والخاص الذي يمثله التيار والمنطلقات التي يقوم عليها أو حتى دون النظر إلى حالة التنوع والتزاوج الثقافي والمذهبي والاجتماعي والسياسي الذي يمثله الأعضاء في هذا التيار وهو مكمن السر والتميز فيه، وهو ذاته الذي يواجه بالهجوم والاتهام في الوقت الذي يفترض أن يكون ذلك التنوع والتعدد الجامع بين أطياف وأشكال مختلفة من التوجهات والأيديولوجيات الوطنية ظاهرة صحية تستحق الاهتمام والدعم بل والانضمام في بوتقتها الجامعة لكل اليمنيين.

لهذا علينا في تيار الأقيال ورفيقاتهم في النضال الوطني الإكليلات أن نتشارك في إظهار المعنى الخاص والعام لهذا التيار والرد على تهم العنصرية ونبذ مخاوف البعض تجاهه بأنه يكون بديلا للعنصرية العلوية الهاشمية.

لقد احتكر العلويون الفاطميون من سلالة البطنين الحكم في سلالتهم وجعلوا من عنصريتهم السلالية منطلقا لفرض أحكام عنصرية إجبارية على الشعب، وحصروا هذه المطالب فيهم وحدهم فخصُّوا أنفسهم بالحكم والتميز والعلم والوجاهة والصدارة دون غيرهم بينما نجد تيار الأقيال يفسح المجال لكل اليمنيين للانضمام إليه ويعتبر كل يمني وكل يمنية رافدا فكريا وساعدا جمهوريا في البناء والشراكة الوطنية ومسؤولي مقاومة وأهل نصر وشركاء بناء ونهضة.

كيف نتهم الأقيال بالعنصرية وهو تيار يساوي بين جميع اليمنيين فلا يضع شروطا طبقية واجتماعية سلالية للانتماء ولا يصادر الآراء ولا يعادي الأحزاب ولا يعيق الجهود الوطنية طالما كانت تمضي نحو استعادة الدولة وتعمق انتماءها للإنسان اليمني!!

تيار الأقيال لايعيق أي جهة تتبنى خطابا وجهدا وطنيا من خارج أعضائه، فهو تيار جامع ونافذ متشبع بعقيدته الوطنية وفكرته القومية اليمنية فلا قيادة تحتكر قراره ولا دائرة حزبية أو مقر يقيد نشاطه أو تتبنى خطابه وتوجه سياسته.

هو تيار تنويري ثقافي قيمي انطلق من جذور حضارية ومعانٍ حديثة تعيد النظر في قيم المواطنة والشراكة والعدالة في توزيع وفرض الحقوق والواجبات للمواطنين كافة باعتبارهم أقيالا وإكليلات عظماء، فهم أبناء الأرض وأصحاب السيادة والقرار فيها سواء انضوى تحت راية هذا التيار وكانوا حاملين لفكرته وعقيدته أو لا طالما وهم يعملون في الصالح العام ويجاهدون سلطة السلالة ويكافحون تمترسها في وطننا ودولتنا ويسقطون أنشطتها لاحتكار الدولة والمجتمع والثقافة لصالحهم.

هو تيار لايضع شروطاً طبقية تصنف وتختار أعضاءه فهو تيار ينفتح على كل الفئات يمثل كل الفئات الاجتماعية ويدفع بمشاريع المساواة والمواطنة المتساوية من حيز التنظير والفكرة إلى الوجود الفعلي الذي تلتغي فيه الامتيازات الطبقية والاجتماعية كلا يمارس دوره والتزامه بالمنهجية الفكرية والعقيدة الوطنية للأقيال من موقعه ومكانته فلا سيد بينهم ولا مسود.

تيار الأقيال ينفي العنصرية عن ذاته بسلوك مسبق حددت مساراته توجهات وخلفيات أعضائه كونهم جميعا من أحرار اليمن أبناء جمهوريتها المدافعين عنها ضد المجاميع الفاطمية والعلوية واللهبية.

فنراه يدعو للوحدة الوطنية والشراكة الوطنية وأن تتحمل كل المكونات السياسية والحزبية والفكرية والاجتماعية مسؤولياتها تجاه الإنسان اليمني وإعادة الاعتبار للذات اليمنية التي طمرها أو حاولت المجاميع الفاطمية والعلوية طمرها عبر تنصيب صنمية وقداسة الإمامة والتميز السلالي لهم فينا.

فأين العنصرية من توجه كهذا ومن سلوك كهذا وقد جعل الإنسان اليمني محور اهتمامه وبناء دولته ومؤسساته وفق هذه الروح الجامعة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى