قصة "الصناديق السوداء" لتمويل حرب الحوثي: المعلم وسيلة
قصة "الصناديق السوداء" لتمويل حرب الحوثي: المعلم في اليمن وسيلة لتكسب المليشيات - إبراهيم الظهرة
يشكل "صندوق دعم المعلم والتعليم" لافتة عريضة لنهب المليارات باسم المعلم والمعلمة المحرومين من رواتبهم ومن عوائد هذا الصندوق على السواء..
شهر سبتمبر 2019 شهد استدعاء جماعة الحوثي المعلم اليمني كـ"قاطرة" تجر إليها الموارد التي وصفتها بـ"الضخمة" والتي أعلنت عنها باسم "صندوق دعم المعلم"..
دندنت على أوجاع المعلمين والمعلمات المحرومين والمرضى والمكتئبين والمفقودين في الوسط التربوي والتعليمي والذين قطعت المليشيات رواتبهم منذ سبتمبر 2016م وتركتهم للفقر والعوز والحاجة حد الجنون والانتحار.. كذبة أخرى تولى حينها يحيى بدر الدين الحوثي شقيق زعيم المليشيات ترويجها؛ قال بأنهم ومن أموال الصندوق الجديد سيصرفون حافزا شهريا منتظما للمعلمين والمعلمات..
منذ 2014م وما قبله؛ لم يعدم الحوثيون وسيلة لتمويل حروبهم؛ حيل جديدة كل يوم يصفها معلمون يقعون تحت وطأة النهب الحوثي المنظم لصالح آلتهم العسكرية وحروبهم التوسعية، في إحدى مديريات صعدة النائية كانت المليشيات تستعرض عضلاتها العام 2012م بخصم أقساط من رواتب المعلمين والمعلمات عنوة وبدون سند قانوني؛ دعما لمقاتليها، لقد أصبح شيئا اعتياديا في صعدة وكل مكان وصلت إليه بعد ذلك..
نهايات العام 2019 كانت جماعة الحوثي وبتخطيط من مشرفيها الإيرانيين تتحضر لحملة جديدة وواسعة على مأرب المنتجة للنفط والغاز واللذان يسيل لهما لعابها، كانت المليشيات قد تخففت من ضغوط الحديدة بعد استكهولم واستفادتها القصوى منه، حينها أظهرت للعلن خطة نهب جديدة تحت مسمى "صندوق دعم المعلم والتعليم"، سيتبين أن الصندوق عبارة عن ثقب أسود تدخل إليه الموارد وتختفي، وهذه المرة ككل مرة أمام أنظار الجميع، ليس صندوقا واحدا بل صناديق شكلت ممرا للأموال نحو ثكنات المقاتلين باسم المعلمات والمعلمين.. هنا القصة الكاملة.
صندوق "المعلم" لتمويل حرب الحوثيين
أقرت سلطات المليشيات قانونا لصندوق "دعم المعلم والتعليم"، وحسب قيادات برلمانية وأخرى في حكومة الحوثيين فإن موارد الصندوق تتضمن إضافة (2% من قيمة الرسوم الجمركية، و1% لقيمة تذاكر السفر البرية والجوية والبحرية، و1% من قيمة كل فاتورة اتصال هاتفي وخدمات الانترنت.
ويشمل أيضاً 50 % من قيمة الرسوم المدرسية المحصلة على كل طالب، و5 ريال لقيمة كل كيس اسمنت، و5 ريال لقيمة كل عروسة سجائر محلية، و10 ريال لسعر عروسة السجائر المستوردة، وريال لقيمة كل كرتون مياه معدنية، وريال لكل كرتون من العصائر والمرطبات المحلية وريالان للمستوردة، وريال واحد لكل لتر بترول أو ديزل، ومائتي ريال عند منح أو تجديد رخص الإقامة وتأشيرة الدخول أو الخروج، وتوريد الجزاءات الشهرية على موظفي وزارة التربية والتعليم لصالح الصندوق.
كل ذلك بالإضافة إلى المخصصات السنوية التي تعتمدها حكومة المليشيات الحوثية، وما تخصصه لأغراض الترميم والصيانة، والمساعدات والتبرعات والهبات المقدمة للصندوق).
تشير تلك الموارد المخصصة لمبالغ ضخمة سيتحملها المواطنون، تمعن المليشيات في خلق خصومات للمعلم مع مجتمعه، سيتحمل عبئاً إضافياً يتمثل في نظرة المجتمع له بسبب رواتبه، من هذه الزاوية يمكن اعتباره مجرد كيد؛ إذ لا يتحصل المعلمون على شيء من تلك المبالغ المحصلة باسمهم..
وتكشف الفترة الممتدة بين سبتمبر 2019م وفبراير 2022م (29 شهرا) حقيقة "الصندوق الأسود" إذ لم يستلم منه المعلمون والمعلمات أي مستحقات، فيما تحصلنا على معلومات عن صرف مبالغ من تلك الإيرادات تحت كحوافز للعناصر الموالية للحوثين والتابعة لهم والتي تعاقدوا معها وجرى إحلالهم بدلاء عن المعلمين الذين تم فصلهم، مسئول في سلطة الحوثيين أشار لعدد أولي يصل لـ 12 ألف معلما ومعلمة حرموا من رواتبهم واستحقاقاتهم المالية وصودرت وظائفهم لصالح العناصر المستحدثين في جسم القطاع التعليمي.
14 مليار ريال يمني أي ما يعادل 23 مليون دولار هو ما تحدده المليشيات الحوثية كحل لرواتب المعلمين في المحافظات التي تقع تحت سيطرتها بما يساوي 146 دولار تقريبا لكل معلم (يعادل بالريال ما يساوي 87.500 ريال تقريبا)..
في تصريحات له، يقول همدان الشامي نائب وزير تربية الحوثيين بأن سلطتهم لا تستطيع توفير ذلك المبلغ، لكن الأستاذة أ. أ تقول بأن المليشيات تستقبل إيرادات المناطق الواقعة تحت سيطرتهم بما فيها الزكاة والضرائب وعوائد المشتقات النفطية والغاز والاتصالات والطيران والمواصلات والبريد والنقل وغيرها، تؤكد أيضا بأنها تكفي جميع الموظفين لا المعلمين فقط، أقرب من ذلك؛ الصندوق الأسود المستحدث وحده كفيل بحل المشكلة لكن المليشيات تدرك سبيلها للسيطرة على المعلم اليمني واستغلاله أيضا، الحرمان من الرواتب هي البداية.
المشاركة المجتمعية
مات زكريا وفي ذهنه تقصيره في حق معلمه، زكريا انتحر لأنه لم يدفع رسوم مقابل تدريسه؛ تستند تلك الرسوم فقط لقرارات مليشيات أجرمت في حق زكريا وأساتذته وزملائه على السواء، أساتذته يستنكرون جمع الأموال باسمهم، يستفيد الحوثيون من ذلك فيقوموا بمصادرة ما يجمع لصالح مجهودهم الحربي حسبما يقول معلمون لا يستفيدون من تلك الأموال، المعلمون يصفونها بالـ"الحرام"،.
زكريا السعيدي كان طالبا بإحدى المدارس في مديرية الجعفرية بمحافظة ريمة قبل أن يعثر عليه مشنوقا منتحرا بعد طرده من المدرسة لعدم قدرة أسرته على دفع إتاوة ليبقى في الفصل، أحس بالإهانة والعجز، عانى من قهر "المعلمين" قبل أن يصل لأعمارهم؛ قرر ترك هذا العالم الموحش بالمليشيات والإتاوات، زكريا ضحية كشف عنها مطلع الشهر الجاري فبراير 2022م، يقول وكيل محافظة ريمة محمد العسل بأن زكريا ضحية - من الوسط التعليمي- ضمن عدد واسع من الضحايا تموت أسى وحسرة وكمدا وقهرا بسبب جنايات الحوثيين والمتحوثين بحقها، والجبايات التي تفرضها؛ دون مراعاة للظروف الصعبة والمعاناة المستمرة..
لا أحد قادر على رصد ردة الفعل والأثر النفسي الذي قابلت به أكثر من 100 طالبة طردتهن إدارة مدرسة سنان حطروم بمنطقة شعوب وأخرجتهن من الفصل بالحجة ذاتها: عدم دفع رسوم المشاركة المجتمعية الشهرية المقدرة بألفي ريال، هل فكرت إحداهن بمصير مشابه لزكريا؛ لا أحد يدري.. المفترض أن تذهب تلك المبالغ لتلك الإدارة التي طردتهن والمعلمات في المدرسة، لكنها تضل طريقها وتختفي.
رسوم غير قانونية
تأتي واقعة انتحار زكريا على خلفية فرض الحوثيين رسوما دراسية غير قانونية على مختلف المراحل التعليمية في المدارس تراوحت بين 1000 ريال شهريا على تلميذ المرحلة الابتدائية و1500 ريال للطالب في المرحلة المتوسطة و2000 ريال لطالب المرحلة الثانوية، بحجة المعلم، صندوق أسود آخر يتحمل وزره شكليا المعلم والمعلمة فيما لا فائدة حقيقية لهما فيه، بحث الحوثيون عن اسم لتلك الرسوم فوجدت المسمى البراق "المشاركة المجتمعية"..
المسمى جديد استحدثت له إدارة عامة في وزارة التربية والتعليم والمحافظات لتشجيع المجتمع على المساهمة بالنهوض بالتعليم لكنها جاءت في الوقت الخطأ فقد استخدمها الحوثيون لجمع الأموال باسم المعلمين لصالح حروبهم.. تحت هذا المسمى يضغط الحوثيون على المجتمع عند بوابة المدرسة لدفع الأموال، ويستمرون في فرض تلك الجبايات على أسر الطلاب تحت شعار "دعم المعلمين والمعلمات" وصرف حوافز لهم، المشاركة المجتمعية تؤخذ نقدا في المدن الرئيسة ومواشي وسمن وعسل في القرى والأرياف حسب وكيل محافظة ريمة.
استغلال السلال الإغاثية
سلال "الإغاثة الإنسانية" للمعلمين والمعلمات صندوق أسود آخر يمثل ثقبا لمصادر معيشة المعلم والمعلمة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، واحدة من طرق مواجهة الحوثيين لموجات غضب المعلمين والمعلمات جراء حرمانهم من رواتبهم تمثل في شكل من المهانة بتسجيلهم في كشوفات المساعدات الإنسانية، ومع ذلك لم يكن الأمر حقيقيا؛ كان مجرد ممر لتلك المساعدات لجهات أخرى ولا مستحقين آخرين.. فعلت الحوثيون ذلك رغم وجود موارد كافية لصرف رواتب المعلمين والمعلمات بانتظام حسب المؤشرات الخاصة بالعوائد والموارد والتي فرضت على كافة أبناء المجتمع وجميع المناشط التجارية وحتى الأعمال الإنسانية.
في أكبر سفور؛ وخلال بعض موجات الاعتراض على تلك السياسات التي مارستها مورست بحق منتسبي القطاع التعليمي؛ جمع الحوثيون الموارد باسم المعلمين والمعلمات وحرموهم منها، سخَرت المليشيات موارد الدعم القادمة من المنظمات الأممية وسلال المنظمات الإغاثية لتوزيع بعضها عليهم تارة وللنهب باسمهم تارات أخرى، أجبر المعلمون والمعلمات على الاستمرار في العمل مقابل تلك السلال، لكن وصولها بالنسبة لكثير من المعلمين والمعلمات لم يستمر.. شهادات عديدة تحصلنا عليها لمتضررين من سلال المساعدات الإنسانية التي تقدم للمعلمين عبر برنامج التغذية المدرسية والإغاثة الإنسانية التابع لبرنامج الأغذية العالمي تشير لعبث مستدام بتلك السلال الغذائية المخصصة للطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات، وفي تحقيقات سابقة تم الكشف عن حرف مسار تلك المساعدات لتذهب دعما للمقاتلين الحوثيين في الجبهات، فيما تحرم منها أفواه أبناء المعلمين والمعلمات ودفعت مدير برنامج الأغذية العالمي للمطالبة بوقف إجرام استغلال المساعدات لغير مستحقيها..
اقرأ أيضاً: تحقيق حول التعليم في اليمن: فاتورة الحرب والرسوم ضحاياها أطفال المدارس
يسجل اسم المعلم في كشوفات الدعم المشار إليها آنفا، يستلم لمرة أو مرتين، تغادر تلك السلال بعدها نحو الجبهات بحجة تنزيل أسماء المعلمين والمعلمات منها، فيما يتم التوقيع عنهم في الكشوفات، قام البرنامج بتوثيق جريمة وزارة تربية الحوثيين في سرقة مستحقات المعلمين من تلك السلال من خلال التواصل المباشر مع مستحقين أكدوا أنهم قد حرموا منها فيما يمنحون إياها في الكشوف الحوثية فقط.
في وقت سابق من العام 2018 انشق د. عبدالله الحامد وكان نائبا لوزير التربية والتعليم بصنعاء، الحامد كشف عن أن نحو 15 ألف حصة من المساعدات التي وزعها مشروع التغذية المدرسية ذهبت إلى مقاتلي الحوثيين، المعلمون والمعلمات كانوا مجرد ممر لتلك المساعدات بين الجهات المانحة والمقاتلين في جبهات الحرب.