الطاقة الشمسية لري المزارع في اليمن.. نعمة أم نقمة على المياه؟
يتناول تحقيق DW عربية، تأثير استخدام الطاقة الشمسية لري المزارع في اليمن وما وفره في الزراعة في مقابل حقيقة ما إذا كان نعمة أم نقمة على المياه - صفية مهدي
يعاني اليمن بجانب الحرب، من الجفاف ونقص الطاقة. أكثر قطاع يتأثر بارتفاع أسعار الطاقة هو المُزارع الذي يبحث عن مصادر بديلة، والطاقة الشمسية جاءت بديلا ناجعا لتشغيل مضخات المزارع لكنها تتسبب بمشاكل أكبر بسبب عدم الترشيد.
وفرت الطاقة الشمسية ما يصل إلى 70 بالمائة من إجمالي نفقات كان المزارع اليمني يحيى نصيف ينفقها لتشغيل مزرعته التي تنتج الحبوب والخضروات في محافظة ذمار جنوب صنعاء، في ظل أزمات توفر الوقود وارتفاع أسعاره. لكن التوسع زراعياً في استخدام الطاقة المتجددة، يثير في المقابل مخاوف من زيادة استنزاف المياه الجوفية، في بلدٍ مهددٍ بالعطش ويحتل المرتبة عشرين عالمياً بين الدول التي تعاني من الجفاف.
ترك نصيف (40 عاما) عمله السابق في المقاولات، واتجه منذ أربع سنوات إلى الزراعة لاستغلال الأرض التي ورثها من والده بمحافظة ذمار جنوب صنعاء، والتي تبلغ مساحتها 20 هكتاراً، ويقول لـDW عربية ، إنه في السنتين الأولين "كنت استخدم مادة الديزل في تشغيل مضخة وماطور البئر، وبعدها قمت بتركيب منظومة طاقة شمسية"، ويضيف "بكل صراحة هنالك فرق كبير جداً"، حيث أنها "تخفض تكاليف الزراعة لدرجة كبيرة جداً"، تصل إلى 70 بالمائة.
أنتجت مزرعة نصيف خلال العام المنصرم حوالى 185 طناً من البطاطس، خلال الموسمين الأول والثاني نتيجة تشغيل مضخة الري باستخدام الطاقة الشمسية التي تتكون من 46 لوحاً ، إلى جانب محاصيل من الحبوب اعتمد في ريها على الأمطار، والأخيرة ما تزال تغطي النسبة الأكبر من حاجة المزارعين، بما نسبته 50 بالمائة، وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة اليمنية في صنعاء.
نعمة ولكن بتكلفة باهظة
في ذمار أيضاً، يقول المزارع أحمد حسن، ثلاثيني، إن أزمة الوقود، سواء من حيث التوفر أو ارتفاع الأسعار، جعلت المزارع "يبيع من المال حقه من أجل صرفها على الزراعة من جميع الجوانب من الأسمدة إلى الوقود للحراثة والسيارة وغيرها".
وعلى الرغم من أنه ينظر للطاقة الشمسية بأنها "نعمة من الله للتخفيف على الناس"، إلا أنه يقول لـDW عربية إن "أسعارها (أي منظومات الطاقة) خياليه كل من اشترى طاقة لابد أن يبيع جربه ليشتريها"، وهو لا يعتقد أن الطاقة الشمسية تزيد السحب على المياه لأنها تعمل 7 إلى 9 ساعات فقط، على عكس مضخات الديزل التي كانت تعمل على مدى الساعة.
تكلفة منظومات الطاقة الشمسية منعت مزارعين آخرين من توفيرها، كما هو بشير سالم الذي يملك مزرعة في عدن تبلغ مساحتها 20 فداناً شمال المدينة، ويقول لـDW عربية، إنه توقف بالفعل عن زراعة العديد من المحاصيل، بسبب ارتفاع أسعار الديزل.
يقول المزارع بشير شالم إنه توقف بالفعل عن زراعة العديد من المحاصيل، بسبب ارتفاع أسعار الديزل.
يسعى سالم للحصول على طاقة شمسية لاستئناف الزراعة، لكنه وعلى الرغم من كونه وضع المياه في عدن، ليس مهدداً كما هو حال مدن مرتفعة كصنعاء، إلا أنه لا يجد تشجيعاً بالحصول على تمويل يسهم بتوفير منظومة الطاقة النظيفة، في مدينة تندر فيها المساحات الخضراء، وتتوسع في المقابل البنايات السكنية.
اقرأ أيضاً: مشاريع الإغاثة في الطاقة الشمسية تنعش المنشآت الصحية في اليمن
توسع استخدام الطاقة الشمسية
اعتباراً من النصف الأول من العام 2015، عقب تصاعد الحرب وبدء عمليات التحالف بقيادة السعودية، وما رافق ذلك من تحولات، كانقطاع خدمات الكهرباء، اتجه اليمنيون لاستخدام الطاقة الشمسية على نطاق واسع كخيار إجباري لتغطية احتياجات المنازل، قبل أن يتوسع الاستخدام تدريجياً إلى الزراعة ومجالات حيوية أخرى.
وتظهر بيانات شعبة احصائيات الطاقة التابعة للأمم المتحدة، تزايد إنتاج الطاقة الشمسية في اليمن خلال الفترة 2011 وحتى 2019، زيادة في الاستخدام من 3 كيلو واط/ ساعة في العام 2011 إلى أكثر من 484 كيلو واط/ساعة.
وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة الفاو، إلى تراجع في استخدام الديزل والغاز للري في الزراعة من 18 بالمائة في العام 2010 إلى 3 بالمائة في العام 2018، في حين أسعار الديزل بلغت في العام 2021 أكثر من ألف ريال يمني للتر الواحد في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ونحو 850 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، حيث سعر الصرف أعلى، وهي زيادة مضاعفة عما كانت عليه الأسعار قبل تصاعد الأزمة في البلاد.
سحب المياه الجوفية
وفقا لبيانات أطلس المياه، فإن اليمن ضمن أكثر 30 دولة في العالم تعاني من الجفاف، وتقع في المرتبة 20 بفئة (40-80 بالمائة)، كما تحتل المرتبة 17 من إجمالي السحب المحلي للمياه بفئة عالية، والمرتبة 11 من إجمالي السحب الصناعي بفئة مرتفعة للغاية 80 بالمائة، والمرتبة 18 من إجمالي السحب للري.
كما أن الإجهاد المائي الذي يعاني منه اليمن، يأتي في المرتبة العاشرة عالميا؛ ففي حين أن مقدار الإجهاد الأخطر يأتي بين 3 إلى 5 درجات، فإن الإجهاد الزراعي في اليمن هو الأعلى 4.9 والمحلي 4.8 والصناعي 4.8، وتحتل حضرموت وشبوة والمهرة وأمانة العاصمة صنعاء، على التوالي، أعلى المحافظات في الإجهاد المائي بفئة مرتفع للغاية، يليها خمس محافظات مرتفع بفئة عالية بين 40 و80 بالمائة، وهي صعدة، الضالع، ذمار، لحج و إب.
ويظهر تحليل بيانات وزارة الزراعة في صنعاء، زيادة السحب على مياه الآبار في السنوات الأخيرة، من 27 بالمائة في العام 2013 إلى 38 بالمائة في العام 2019.
استنزاف المياه والطاقة
وفي الوقت الذي يتفق فيه الخبراء والمسؤولون اليمنيون على كون أزمة المياه خطراً كبيراً يجب اتخاذ الإجراءات والقرارات الكفيلة بالحد من استنزافها، يتباين التقييم المتعلق بأثر استخدام الطاقة الشمسية في الزارعة على استنزاف المياه.
ويقول لـDW عربية، مدير عام الري في وزارة الزراعة بصنعاء، المهندس إسكندر الأصبحي: "كانت الطاقة الشمسية أحد الحلول لانعدام الديزل وارتفاع ثمنه، وكانت نصائحنا أن يتم استخدامها من المزارعين الذين يملكون شبكة ري حديثة، ولكن الذي لوحظ أنه يتم استخدامها بشكل مفرط بدون أي ضوابط".
ويضيف أن بعض المزارعين يستخدمون "في النهار طاقة شمسية وفي الليل مضخات على الديزل، وخصوصا زراعة القات"، مشدداً على أن الحلول تكمن في تفعيل قانون المياه، وإلزامية تركيب عدادات على الآبار لمعرفة كمية السحب، وإلزام تركيب شبكات ري حديثة".
من جانبه، يرى مدير مكتب الزراعة سابقاً في ذمار هلال الجشاري، في حديثه لـDW عربية أن مشكلة استنزاف المياه موجودة أصلاً قبل استخدام منظومة الطاقة الشمسية، ناهيك عن أن وقت استخدام الألواح محدود ولمدة تسع ساعات يومياً، وهي ذروة السطوع الشمسي.
وبشأن الحلول الممكنة للحد من استنزاف المياه، يقول إنها تشمل الاستخدام لساعات محددة يومياً واستخدام شبكة الري الحديث بدلاً من الري بالغمر، بالإضافة إلى عمل خزانات أرضية تجميعية للمياه.
إلى ذلك، يقول الخبير في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية ابراهيم اليوسفي، إن تهديد الطاقة الشمسية للمياه، يأتي لسببين، الأول أنها تعتبر مصدراً مجانياً للطاقة بعد ثلاث سنوات من تنصيب النظام، والآخر هو الري بطريقة عشوائية دون استخدام أنظمة ري حديثة توفر المياه مثل أنظمة التقطير وغيرها. كما أنه هناك من يقوم بتنصيب مضخات بمعدل ضخ مياه كبير دون الاستناد إلى اختبارات لهذه الآبار وتوصيات مهندسين متخصصين، بما يؤدي لاستنزافها على المدى البعيد.
الحفارات والحفر العشوائي هما الأخطر
في المقابل، يشدد المهندس أحمد الغيثي وهو أكاديمي هندسة زراعية في جامعة صنعاء، على أن الطاقة الشمسية أسهمت بحل مشكلة الوقود من عدة نواحٍ من المضخات وكذلك فرامات الأعلاف والطواحين وآلات أخرى بحاجة إلى الطاقة"، أما من ناحية الاستنزاف فإن "الخطر الأكبر"، بنظره هو الحفارات والحفر العشوائي.
ويضيف في حديثه لـDW عربية أنه "الآن في مناطق مثل أرحب وخولان والبيضاء وأجزاء من عمران أعماق الحفر قد وصل إلى 1000 متر، وتم تركيب منظومات على 950 متراً في أرحب، والكارثة لن تأتي إلا بعد خمس سنوات أو فيما يلي ذلك، لأن الاستنزاف كبير والسدود والحواجز قليلة"، ويتابع بالقول :"إذا لم تتوفر التقنيات الحديثة مثل شبكات الري الزراعية الحديثة التي تحد من استنزاف المياه الجوفية ستحل الكارثة قريبا".
على ذات الصعيد؛ يقول وزير المياه الأسبق في اليمن عبدالسلام رزاز لـDW عربية، إن اليمن من أفقر دول العالم في الثروة المائية إن لم تكن هي الدولة الأكثر فقرا في العالم، حيث وصل نصيب الفرد في عام 2014 إلى أقل من 130 متراً مكعباً في السنة وهو الأقل عربيا وعالميا.
وفي الوقت الذي يرى فيه رزاز أن توفير طاقة للمزارع بأقل كلفة للمزارع سوف "يشجعه على المزيد من سحب المياه الجوفية لري الزراعة"، يشدد في الوقت ذاته، على أهمية التوجه لمعالجات ناجعة لحفاظ على ما تبقى جوفيا وتنميته من خلال مجموعة من الحلول، وفي المقدمة منها التوجه نحو التحلية من مياه البحر.
لوبيات لمحاربة الطاقة
وفي حديثه لـDW عربية، يؤكد المتخصص بالطاقة الشمسية، كبير المتخصصين في شركة تويو المنيوم اليابانية، مروان ذمرين على أهمية أن تكون هناك قوانين ومعايير تحدد عدد الآبار وعمقها في كل منطقة جغرافية في اليمن وتحدد كمية المياه التي يمكن استخدامها سنويا من هذه الآبار.
ويضيف أن للطاقة الشمسية مزاياً عديدة، إذ تُستخدم نهاراً، على عكس الديزل حيث كانت هذه الآبار تضخ المياه على مدى الساعة، كما أنها قللت من نفقات المزارعين وبالتالي انعكست ايجابيا على تخفيض أسعار الفواكه والخضروات وتوفيرها بصورة مستدامة. كما توفر عملية مستدامة لتوفير الغذاء عن طريق الزراعة ولكن حظوظ اليمن بحصة أقل من المياه واستنزاف المياه لأجل القات هما السبب في هذه المشكلة المتجذرة منذ عقود.
ويرى ذمرين أن "الارتفاع الحالي لأسعار الديزل ما هو إلا مضاربات سياسية فقط وتستفيد منه لوبيات الدعم لسوق الكهرباء في المناطق المحررة وبيعه في السوق السوداء ولذلك تقوم هذه اللوبيات بمحاربة الطاقة الشمسية".
يشار إلى أن قانون المياه اليمني للعام 2002، اشتمل على قواعد تنظيمية للتحكم في الموارد المائية واستدامتها، بما في ذلك منع استغلال موارد المياه الجوفية دون ترخيص مسبق من الهيئة العامة للموارد المائية، ومع ذلك، فإن القانون لا يجد طريقه إلى التنفيذ كما يفتقر إلى تفاصيل تعزز الإدارة المائية.
أياً كانت التباينات، يبقى استخدام الطاقة الشمسية، قضية تعود بالفائدة على المزارع والمستهلك في آن، ولكن في ذات الوقت، فإن التحذيرات من زيادة استنزاف المياه وهي مشكلة لا ترتبط بالضرورة بالطاقة الشمسية، بقدر ما تفرض وفق خبراء التوجه نحو فرض ضوابط وحلول، تسمح بتشجيع واستغلال الطاقة النظيفة على النحو الذي يحد من الأثر المناخي المتعلق بالمياه.