مخرجات الرياض (2): تهيئة المسرح للسلام في اليمن
خالد اليماني يكتب عن مخرجات الرياض (2): تهيئة المسرح للسلام في اليمن - نقطة تحول في مسيرة استعادة الدولة ونهاية الحرب
يكاد اليمنيون يجمعون على أن مؤتمر الرياض (2) الذي التأم خلال الأسبوع الماضي، برعاية كريمة من مجلس التعاون الخليجي، شكل نجاحاً مبهراً، من حيث إنه أعاد صياغة مشروع استعادة الدولة، بما شكله من مصدر قلق دائم للتحالف الذي تقوده السعودية، بكل ما اعتراه من ضعف وغياب الرؤية القيادية الحاسمة، وانتشار الفساد.
وقد سبق أن أشرت في إطلالتي الأسبوع الماضي هنا، إلى أن ما سيتحقق في الرياض (2) سيعتمد على صدق النيات، وتوحد الإرادات، وسمو الجميع فوق المصالح الفئوية والجهوية، والفردية الضيقة، بما في ذلك عدم التحول إلى عبء متزايد على الأشقاء في التحالف. وقد كان رد المجتمعين في الرياض هو ما توقعه منا الأشقاء والأصدقاء الذين يتطلعون لرؤية نهاية النفق المظلم في النزاع اليمني.
وما كان لذلك أن يحدث بمعزل عن القرار التاريخي الذي اتخذه الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، الخميس الماضي، بتفويض صلاحياته الرئاسية لمجلس قيادة رئاسي، ما وضع الأمور في نصابها، فلطالما شكلت وحدة كافة القوى المناهضة للمشروع الحوثي هاجساً جدياً للتحالف الذي تقوده السعودية، واعتبرته مدخلاً ضرورياً للتعاطي مع استحقاقات السلام اليمني الذي تلوح ملامحه في الأفق.
وقد تبينت ملامح المرحلة المقبلة من خلال الخطاب الأول الذي ألقاه فخامة الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة، بالتأكيد على أن مخرجات الرياض (2) تشكل نقطة تحول في مسيرة استعادة الدولة ونهاية الحرب وإحلال السلام المستدام، وأن المجلس الرئاسي يمد يده للسلام إن لقي يداً ممدودة، ولكن في الوقت نفسه هو مجلس دفاع وقوة.
ومن أجل قراءة ما يجري ضمن الجهود المتجددة للسعودية قائدة التحالف لاستعادة الدولة اليمنية، نجد أن رؤيتها الاستراتيجية لإنهاء الحرب في اليمن تتحرك باتجاهين يكمل أحدهما الآخر، ويرفده بالقوة للوصول إلى الهدف النبيل الذي نسعى جميعاً لتحقيقه. فالاتجاه الأول يتم إنجازه الآن عبر إعادة ترتيب وتوحيد كافة القوى المنضوية تحت لواء مشروع استعادة الدولة. وكنت في مقالات سابقة وحوارات إعلامية، قد تناولت أهمية أن يوحد مؤتمر الرياض (2) كل القوى المتصدية لمشروع إيران في اليمن، وبالتحديد استكمال اتفاق الرياض الذي تم التوصل إليه برعاية سعودية بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، واستيعاب المكتب السياسي لحراس الجمهورية والقوى السلفية غير الممثلة.
وما زالت عملية الدمج التي تمت في الرياض (2) والتي أفضت لبروز قوة لا يستهان بها، تواجه كثيراً من التحديات من كافة مكوناتها، للعمل كفريق واحد للملمة الجهود المشتتة لمشروع استعادة الدولة ونبذ الصراعات والتشرذم. اليوم تنصهر كل هذه القوى في بوتقة واحدة، وترص راياتها خلف قيادة التحالف لتحقيق هدف نهاية الحرب وبلوغ السلام.
فقد أفضى التفكير الجمعي للمتحاورين في الرياض تحت رعاية أخوية صادقة من جميع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم السعودية، إلى جمع من كانوا فرقاء بالأمس، وكانت فرقتهم سبباً لمراهنة الخصم على تنازعهم وفشلهم وذهاب ريحهم. وهناك آراء مقلقة تشير إلى استحالة أن يضع فرقاء الأمس خلافاتهم وتوحيد صفوفهم والعمل معاً ضد عدوهم المشترك. ولهذا فعلى فرقاء الأمس رفاق اليوم، التعلم من تجارب الماضي وتجاوزها سريعاً، ونبذ الاختلافات والوقوف خلف الشرعية المتجددة بقيادة المجلس الرئاسي.
المجلس الرئاسي... أمانة الوطن
إن إخفاقات السنوات السبع الماضية تقف اليوم ماثلة أمام الجميع، ولطالما واجهتها القوى الوطنية الشريفة في محاولة صادقة لتصويبها خلال المراحل السابقة. فالتحديات التي تقف أمام المجلس الرئاسي اليوم تفوق الوصف، ولكن القامات الوطنية التي تقودنا في هذه المرحلة الدقيقة تدرك جسامتها وتتطلع لمشاركة الجميع للتصدي لها بدعم صادق من الأشقاء.
وتقف على رأس الاستحقاقات مسألة العودة إلى الداخل، واستعادة ثقة المواطن بسلطات الدولة، وتفعيل وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية، وإعادة هيكلة الدبلوماسية اليمنية وبعثاتها في الخارج، وإصلاح الأداء الحكومي، وتحسين الوضع المعيشي الكارثي في الداخل.
ولا يسعني وأنا أرقب تجارب السنوات الماضية من مختلف المواقع التي عملت بها، إلا التحذير من القوى النشطة التي تعمل على مدار الساعة لإرباك المشهد السياسي، والتشكيك في إمكانية نجاح تجربة المجلس الرئاسي، والنيل من النيات الأخوية الصادقة للأشقاء في السعودية، وهذه القوى تقف في صف أمراء الحرب والمتربحين منها، وينبغي نبذهم وعزلهم من العمل الوطني.
ويتلخص التحدي الأكبر الماثل أمام المجلس الرئاسي في خوض معركة السلام والتحضير لاستحقاقاتها، وبالتوازي منه تعزيز الوحدة الداخلية ودعم قواتنا الباسلة في مختلف الجبهات، من منطلق أن وحدهم الأقوياء هم من يصنعون السلام. ومن هنا تبقى مسألة احتواء الخصم هي أكبر الأولويات، وقطع دابر أمراء الحرب الذين يثرون من دماء الشعب اليمني، عبر تهريب الإمدادات اللوجيستية للميليشيات الحوثية، أحد أبرز أسباب احتواء العنف.
الأيام حبلى بالأحداث!
ولكن كيف السبيل إلى السلام من دون مشاركة صادقة من قبل الحوثيين؟ شركائنا في الوطن والمصير، وهذا أمر متصل بالاتجاه الثاني للجهد الذي تقوده الرؤية الاستراتيجية للمملكة انطلاقاً من دورها القيادي في المنطقة والإقليم والعالم.
مخرجات الرياض (2) والتوافق الخليجي حولها تؤشر إلى الدخول لمرحلة جديدة في بلورة خطاب السلام، فما جاء في البيان الختامي من تأكيد على فشل الخيار العسكري والتوجه إلى دعوة الجميع بمن فيهم الحوثي للانخراط في خيارات السلام والحل السياسي، خصوصاً أنها صدرت بعد أيام معدودة من دخول الهدنة التي أشرف على التوصل إليها مبعوث الأمم المتحدة، حيز النفاذ، حملت كثيراً من المؤشرات بين سطورها، وما زالت متماسكة على الرغم من التجاوزات، وهي الهدنة التي يبتهل ملايين اليمنيين في هذه الأيام المباركة إلى الله- سبحانه وتعالى- أن تصمد، وأن يُبنى عليها خطوات نحو إغلاق صفحة الحرب والدخول في السلم كافة.
وعلى الرغم من إصرار الحوثي على أن ما جرى ويجري في الرياض لا علاقة له باليمن ولا بمصالحه ولا يمت للسلام بصلة، بحسب رؤيته ليمننا المشترك ومصالحه فيه، وأنه بالتالي غير معني بما يجري. إلا أن جميع اليمنيين يأملون بصدق أن يجتمع الشمل ونطوي صفحة الفرقة تحت سقف البيت الخليجي، الذي ما زالت أبوابه مشرعة للتوافق اليمني وبرعاية الأشقاء في السعودية.
وعلى الرغم مما نسمعه من تصريحات تصدر من صنعاء حول سقوف الطلبات المتغيرة يومياً، فإن المراقبين يعولون كثيراً على التزام قيادة الحوثيين بوثيقة الهدنة التي تتجاوز أسسها في القانون الدولي، أكثر من مجرد وثيقة هدنة لما تضمنته من التزام بخطوات متلاحقة تحت إشراف الأمم المتحدة لفتح مطار صنعاء، والمعابر في تعز والتسهيلات في الحديدة، ضمن إجراءات بناء الثقة، وصولاً إلى الجلوس لبحث مقترحات للخطوات القادمة لإنهاء الحرب.
لقد حسمت السعودية موقفها وهيأت الظروف الموضوعية والذاتية لإنجاح جلوس اليمنيين على طاولة المفاوضات، للبحث عن أفضل الصيغ لعودة السلم الأهلي وللعيش المشترك في وطنهم، وطي صفحة الصراعات، ووعدت بدعم ما يتوصل إليه اليمنيون بسخاء في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، فهل تحمل لنا الأيام المقبلة بشائر الخير في هذا الشهر الفضيل؟
اليوم بعد الرياض (2) نقف ومعنا 30 مليون يمني عند مفترق طرق حاسم، بعد أن اندمجت صفوف قوى استعادة الدولة في بوتقة واحدة وشرعية متجددة، وبعد أن جددت التأكيد على أن لا حل عسكرياً لأزمة اليمن، وانفتاحها على مشروع السلام. فهل سينضم الحوثي إلى مشروع الوطن الذي يتسع لنا جميعاً؟ أم إنه سيستمر في إصراره على اعتبار أنه هو وحده مشروع الوطن.
اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: ها قد نجحت المشاورات في توحيد الصف الوطني
اليوم نحن أقرب إلى السلام من أي لحظة ماضية، اليوم في السنة الثامنة لهذا النزاع العدمي، وأمام مفترق طرق صعب يتطلع اليمنيون لرفع رايات السلام، وهم يمدون يدهم مشرعة، فهل يمد الحوثي يده لاستكمال الطريق معاً، أم يقودنا بعنف نحو سنوات إضافية من الحرب والدمار، وفي نهاية المطاف ستتوقف طبول الحرب ويجلس المتحاربون على طاولة السلام، فلمَ لا نجلس اليوم؟
خالد اليماني وزير الخارجية اليمني السابق
موقع إندبندنت عربية