رحلت يا وليد دماج
همدان دماج يكتب عن رحيل المثقف والروائي اليمني وليد دماج: رحلت يا وليد
حسناً يا وليد... هل تعرف أنني اليوم فقدت السمع والبصر لعشرة دقائق؟ نعم عشرة دقائق تقريباً لا أسمع ولا أرى شيئاً. عندما تأكدت من الخبر (فقط عندما تأكدت) خرجت من البيت بهدوء وتوجهت إلى حديقة قريبة تتوسطها بحيرة صغيرة، ومن على مقعد خشبي أجهشت ببكاء لم أعرفه من قبل، يشبه بكائك الذي كنا دائماً نمازحك به، ثم فجأة فقدت السمع والبصر.
لم يكن أحد في الحديقة غيري، وكنت أجهش بالبكاء ولم أعد أسمع أو أرى شيئاً... لم يغمى عليّ فقد كنتُ أعي ما حولي، وكانت بقايا حواسي تعمل، وعندما طال الأمر بدأت أقلق. هل أستغيث لعل أحدهم يسمعني؟ هل أحاول أن أقترب من باب الحديقة وأبدأ بالصياح؟ ماذا لو أن دموعي وأنا أمشي جرفتني إلى البحيرة... أنت تعلم أنني لا أجيد السباحة وأنني بالتأكيد سأغرق.
كان قلقي قد تعاظم وانفجر كنافورة، وتحشرجت الهواجس في رئتي وفكرت: هل أعود لأوسان والأولاد وأنا أعمى لا أسمع! حينها ظهرتَ لي من عتمة الفراغ مبتسماً وعانقتني مداعباً، ذلك العناق الذي كنتُ أحظى به وأنت تنتصر لي كعادتك منذ طفولتنا وحتى الآن. قلت لي: إترجول...
حينها عاد سمعي وبصري، لكني كنتُ ما أزال متدثراً بك. دفعتك عني ووجهت بصري نحوك وبغضب حاولت كعادتي أن أوبخك على ما فعلته هذا الصباح... كنت أريد أن أعاتبك وأقول لك: أنت بعقلك تموت؟ لكنني لم أستطع... كنتَ تنظر لي مبتسماً وهززت رأسك مشجعاً، وعندما رأيتَ ابتسامتي التي استنزعتها مني غمزتَ لي، ومددت يدك وصافحتني بقوة، ثم أدرت ظهرك ورحلت...
أنت رحلت هذا الصباح أما أنا يا وليد فقد فقدت سمعي وبصري عليك، وسأظل واقفاً في مكاني خائفاً من دموعي أن تجرفني إلى البحيرة وأغرق.
اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: رحيل مبكر للروائي وليد دماج يفجع الأوساط الثقافية في اليمن