آراءدراسات وبحوث

ثورة 26 سبتمبر.. الحدث الكبير الذي يليق بكفاح اليمنيين

د. طه حسين الهمداني يكتب: ثورة 26 سبتمبر.. الحدث الكبير الذي يليق بكفاح اليمنيين


كثيرة هي نسخ الثورات العربية التي أحدثت تغييرات جذرية في لحظة من لحظات التاريخ الحديث، وأسست لمنعطف جديد، فكانت فاتحة لمسار غيّر ملامح المجتمع.

في العراق وسوريا ومصر والجزائر وليبيا، غير أن ثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن لها خصوصية واستثناء فريد، يدركهما من عاش العقود التي سبقتها، وهناك الكثير من المؤرخين اليمنيين والعرب قد بلغوا بأقلامهم درجة كبيرة من التعريف وتوصيف الحالة اليمنية قبل وبعد وبصورة دقيقة.

هي ثورة لا تشبه كل الثورات، إذا كانت الثورات قامت ضد سلطة أو حكم جائر أو فساد أو إصلاح فإن سبتمبر مشروع نبيل وكبير قام من اجل الحياة التي كانت غائبة عن اليمنيين.

قامت من أجل أن يصبح المواطن اليمني، انسان يتمتع بكامل الحرية وابسط الحقوق التي تؤهله للعيش كما يجب، فاليمن التي حكمها الأئمة كانت خارج التاريخ، تعيش في دياجير الظلام والظلم، تم عزلها من قبل النظام الإمامي عن العالم الخارجي، فلم يكن ساكن صنعاء يعلم عن أمر خارج باب شعوب أو باب اليمن، هذا على مستوى مدينة صغيرة، حيث تم وضع ما يشبه الحدود السياسية والفوارق التي مزقت نسيج اليمنيين.

وقد صدق شاعر اليمن الكبير ومناضلها الجَسور أبو الأحرار محمد محمود الزبيري عندما انشد قصيدته الخالدة: "يومٌ من الدهر لم تصنع اشعته شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا".

لقد جاء انبثاق ثورة ٢٦ سبتمبر الخالدة بمثابة إعلان نهاية نظام حكم، كانت أدواته قائمة على الاستبداد والظلم؛ الذي اذاق شعبنا اليمني مرارة الحياة وجرعها أنواع السموم.

أتى سبتمبر ليكون بمثابة نقطة ضوء وبداية تحول من النظام التقليدي المتخلف والبائس إلى تأسيس للنظام الجمهوري في شمال اليمن والذي قام على قواعد راسخة، أساساتها العدالة والمساواة والحرية، ومن رحم ثورة سبتمبر المباركة ولدت ثورة ال14 من أكتوبر 1963 المجيدة، التي أنجزت تحرير جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني.

هاتان الثورتان كانتا بمثابة الانتقال الأول من البنى والنظم التقليدية إلى البنى والتطور الحديث، ومن الوصاية الأجنبية إلى الاستقلال الوطني الناجز، بل شكلتا بداية الانعتاق والتحرر وشكلتا علامة ونقطة فارقة في تاريخ اليمن المعاصر؛ لتجسيد قيم العدالة والمساواة، وازالة الفوارق الاجتماعية بين اليمنيين، وبناء جيش وطني قوي يحمي الكرامة ويعمل على إرساء دعائم مجتمع ديمقراطي عادل، يحقق المساواة والغاء التمييز والفوارق الطبقية.

لقد كان من الأهداف العظيمة السامية للثورة المباركة، هو العمل على إحداث نقلة سياسية واجتماعية واقتصادية، باعتبارها ثورة انسانية لجميع اليمنيين بمختلف مناطقهم واتجاهاتهم، مدنيين وعسكريين في الداخل والخارج، اجتمع رجال الثورة على تاسيس عقد اجتماعي تمثل بمبادئ الثورة الخالدة ونقاطها الستة.

لقد واجهت الثورة منذ انطلاقها تحديات عديدة، كما جابهتها صعوبات جمة، سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو الفضاء الخارجي، حتى تمكنت من تثبيت دعائم النظام الجمهوري وتأمين سلامته.

ومع ذلك تحققت الكثير من الانجازات العظيمة في مختلف المجالات، أبرزها إعادة تحقيق الوحدة المباركة في 22 مايو 1990 والتي كانت بمثابة التحول الثاني الذي أسس لعقد اجتماعي جديد.

وترافق مع إعادة تحقيق الوحدة، السعي لإرساء التعددية السياسية والحزبية، وافساح المجال لمنظمات المجتمع المدني، وتوسيع قاعدة المشاركة واشراك المراة في مختلف الأنشطة، ومساواتها باخيها الرجل والاهتمام بحقوق الإنسان والحريات العامة.

وتم إجراء عديد من الدورات الانتخابية، سواء كانت رئاسية أو برلمانية ومحلية؛ لتكريس مفهوم؛ أن الشعب مصدر السلطة، وله الحق في اختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع الحر.

على أرض الواقع مارس الشعب حقه في الترشح والانتخاب وتطور النظام الانتخابي في كل الدورات الانتخابية، وكان هناك اشادات واسعة وعديدة من المنظمات المحلية والدولية المعنية بالديمقراطية والرقابة على العملية الانتخابية، وضمان الشفافية، ونزاهة الانتخابات، واعتبار اليمن من دول الديمقراطية الناشئة.

كما كان لمنظمات المجتمع المدني أدوارًا فاعلة في الشراكة مع الدولة في عملية التنمية.

وحققت الثورة خلال ستة عقود عدد كبير من الانجازات، أهمها بناء الإنسان والمشاريع التنموية، في مجالات التعليم والصحة والخدمات، وخلق علاقات متميزة مع الدول الشقيقة والصديقة، واحترام المواثيق الدولية.

كما تبنت الدولة إصلاحات إدارية ومالية شاملة واقتصادية، بهدف إصلاح الاختلالات ومكافحة الفساد، وتحسين نظام الحكم، ومواكبة التحولات الدولية.

صاحب تلك التحولات العديد من الصعوبات على الصعيد المحلي، كما رافقها الكثير من المطالب الدولية؛ التي شكلت ضغوطا على النظام السياسي، ومثلت تحديات حقيقية أمام جهود الحكومات المتعاقبة الرامية لبلوغ الحكم الرشيد.

إن الأحرار الذين عمدوا هويتنا الجامعة بدمائهم الزكية، لم يكونوا أصحاب هويات ومشاريع صغيرة، بل كانت أنظارهم ورؤاهم تهدف إلى خلق حياة كريمة ومشاريع وطنية كبرى تعيد الاعتبار لتاريخ ومجد الإنسان اليمني، وتنتشله من ركام الرجعية وحياة الجهل.

لقد دافع اليمنيين عن ثورتهم ومكتسباتهم، ومازالوا مستعدين للتضحية بدمائهم واموالهم في سبيل انتصار تلك القيم والمبادئ التي ناضل من أجلها الآباء والأجداد، ولا بد من العودة إلى طاولة الحوار وايقاف الاقتتال، والايمان بأنه لن يتمكن فصيل سياسي منفردًا من حكم اليمن، ولن يسمح لأي كان من إعادة عجلة التاريخ للوراء؛ سواء بعودة الإمامة، أو التراجع عن الوحدة ومكتسبات الثورة والجمهورية.

من الواجب على اليمنيين اليوم وفي هذه اللحظة الراهنة، ادراك أن الحرب الدائرة ليست لمصلحتهم، وان استمرارها يضاعف من معاناتهم وتدمير مكتسباتهم، وقد أصبح واضحا وجليًا انها حرب بالوكالة، وهناك من يستخدم اليمنيين كأدوات لتحقيق أهدافه التخريبية، فكل سنة حرب تمر، تعود باليمن إلى الوراء خمس سنوات على الأقل من التنمية، ولا بد من تقديم التنازلات من الجميع لإحلال السلام والاستقرار. السلام العادل والشامل الذي يؤسس لدولة المواطنة والدولة المدنية، على قاعدة الشراكة والتوافق وتكريس الاستقلال والسيادة الوطنية، وعدم التبعية.

وهي الأهداف العظيمة التي قامت عليها الثورة والتي كانت اليمن تخطو بخطوات حديثة نحو التقدم والازدهار والتنمية في مختلف المجالات.

في الأخير مهما كانت التحديات فإن ثورتي (سبتمبر وأكتوبر) المجيدتين، ستظل أهدافهما بمثابة النور الذي يضيء طريق اليمنيين والاجيال الشابة، نحو ترسيخ مفهوم الدولة المدنية، والمواطنة المتساوية القائمة على العدالة والمساواة والديمقراطية التي تعد صمام الأمان للسلام والاستقرار والتنمية.

سبتمبر مسار عظيم لا يمكن تجاوزه أو التخلي عنه بأي شكل، أو حتى مرورها دون الكتابة عنه أو التذكير به.

هو حدث كبير يليق بكفاح اليمنيين، ونواة فعل نهضوي، قال فيه الشعب كلمته أمام الرجعية التي ما تزال تطل برأسها من وقت لآخر، وتمارس هواية الانجرار نحو الزمن السحيق بأشكال متعددة، عبر اجندة مرفوضة تمامًا، تتصادم مع مجريات الأحداث والتاريخ والتطور الذي وصل مكانة مذهلة؛ في العلوم عمومًا وعلاقات الأمم والشعوب، في التكنولوجيا والأبحاث والحفريات والطب، ومن المستحيل القبول بالوضع الحالي الذي تعمل على تكريسه قوى، شعارها الموت وهدفها السيطرة المطلقة على ذهنية الإنسان وتصرفاته وفطرته الطبيعية التي جبل عليها.

رحم الله شهداء ومناضلي الثورة اليمنية الذين قدموا حياتهم من أجل الحرية والمساواة والتحرر الوطني، وأطال عمر من تبقى منهم. وجعلنا سائرين على دربهم في الحفاظ على الثورة المجيدة ومكاسبها العظيمة وأهدافها النبيلة.

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: سبتمبر الخلود (شعر)

زر الذهاب إلى الأعلى