قضايا النازحين في المناطق المحررة وأنسب طرق وأساليب المعالجة
عن قضايا النازحين في المناطق المحررة في اليمن وأنسب طرق وأساليب المعالجة - العميد علي ناجي عبيد
التقى بالصدفة عدد من المسؤولين عن معالجة قضايا النازحين وذوي العلاقة بتلك القضايا بشكل أو بآخر في منزل رجل الأعمال الشيخ عبدالهادي الشوذبي عصر يوم 29 نوفمبر 2022 كما هي العادة في مقايل القات التي لا تخلوا من حوارات ونقاشات مشتتة تبدأ من الشخصي إلى المحلي بكل تفرعاته فالإقليمي فالدولي، ربما أحيانا بالتركيز على أهم القضايا العالمية الساخنة.
وكوننا نعيش أيام مونديال قطر الدولي فإنه يستحوذ على أغلب وقت المقايل واللقاءات، بل وحتى الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي ولبساطة قوانين كرة القدم الأخاذة ولممارسة تقريبا الجميع لها بشكل أو بآخر من الحارة، القرية إلى المدرسة فالنادي الخ...
لهذا وغيره من العوامل تجد الكل تقريبا يقف ليس مشجعا فحسب بل ومحل اللاعب والناقد والمحلل الخ والكثير يجدها فرصة للتمتع بالمشاهدة بكل ما يتعلق بفن اللعبة الأكثر شعبية في هذا العالم.
أيضا هذا اليوم هو عشية الذكرى ال 55 للاستقلال المجيد من الاحتلال البريطاني الذي حافظ بكل أمانة على كل عوامل التخلف في البلاد حيث تركها وهي تعيش وخاصة المحميات الغربية والشرقية وكأنها ما بعد الطوفان بعد ابتلاع الأرض لمياهه بأيام قليلة إذا ما استثنينا مستعمرة عدن التي أهلها بما يتوافق ومطالب خدمات قواعده العسكرية وطرق تجارته الخ.
هذان الموضوعان على أهميتهما كان الأول مؤجلا حتى الساعة السادسة حين تبدأ مباريتان والثاني مر القوم عليه مرور الكرام ليس إهمالا أبدا بل حتى لا تضيع فرصة وجود رئيس وحدة النازحين الأستاذ القدر نجيب السعدي والذي أسعده أن يهيمن موضوع هو ذاته يعاني من كثير من تعقيداته بسبب تشعب الجهات ذات العلاقة بالموضوع والتناولات الإعلامية لموضوع النزوح خلال الأيام الماضية.
ولوجود من يعاني سلبا من النزوح مثل الدكتور محمد الرقيمي مدير عام مكتب التربية والتعليم في محافظة عدن والعميد الدكتور عارف الداعري والدكتور عبود عبدالله مسعد نائب عميد كلية الحقوق والأستاذ محمد جباري مستشار محافظة عدن والدكتور عبد العزيز هادي أستاذ القانون في كلية الحقوق بعدن والدكتور عبد الرقيب الشوذبي والشيخ ناصر المنصري والدكتور أياد مدير مكتب الصحة في محافظة الضالع وكاتب هذه السطور.. لهذا السبب فقد تم التركيز تماما على موضوع النزوح والنازحين وبكل اهتمام وتنظيم حديث مما جعلني أطلق عليها بجد حلقة نقاش علمية بالعنوان أعلاه وبعصف ذهني مركز بعيدا عن الجرح والنفاق.
تفرع الموضوع ليشمل ماله علاقة أكيدة بالنزوح مثل العائدين إلى المناطق المحررة والذين نزحوا إبان الحرب من عدن وبقية المحافظات وكذا العائدين من مناطق سيطرة المليشيات الحوثية الى المناطق المحررة والمنتقلين منها لممارسة وظائفهم وأعمالهم في عدن الخ؟
وكذا العائدون من الخارج من الذين لجوء لأسباب الحرب والعائدين لممارسة أعمالهم في العاصمة عدن بعد أن كانوا يمارسونها من الرياض "بالتحديد هؤلاء وهم من يستلمون رواتبهم بالعملة الصعبة. أبسط موظف يستلم 2000 دولار بالإضافة الى إيجارات سكن و..و..
هذا ما يساوي راتب أكثر من عشرين مدرس حكومي وأكثر من راتب أربعين مدرس في المدارس الخاصة وأكثر من راتب خمسة عشر عميد ركن "أو مدن أخرى هم أيضا يستلمون رواتبهم بالعملة الصعبة، عودتهم ستجعلهم يحسون بالحالة الصعبة لمعيشة المواطنين وسيستفيدون من وضع عائد من اللجوء الصعب كحق قانوني وهم بعشرات الآلاف أيضا الهجرة الداخلية لأسباب غير الحرب من الأرياف الى المدن بدء من عواصم المديريات في المحافظات ومن المحافظات إلى العاصمة عدن.
عرف الأستاذ نجيب النزوح ب"هو أفراد أو جماعات اضطروا لترك مناطق إقامتهم الدائمة بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية ولم يعبروا الحدود الدولية بغض النظر عما إذا كانوا يسكنون في المخيمات أو بيوت الإيجارات أو لدى المجتمع وما إذا كانوا مسجلين في كشوفات النازحين أم لا ". وتطرق إلى أن هذا التعريف إداري لترتيب عملية المساعدات ولا يعطي النازح أي صفه قانونية أخرى.
وبلهجته التعزية المحببة تحدث بكل صراحة عما تعاني هذه القضية من معوقات ابتداء بعدم فهم الكثير من الجهات والأفراد والمجتمع لطبيعة النزوح وما يترتب عليه وكذلك المعوقات من قبل جهات مسؤولة في الدولة وتعارض مع بعض منظمات دولية حيث تتعامل معظم الجهات مع النزوح والمساعدات الإنسانية من منظور السلة الغذائية والمساعدات الطارئة وهذا منظور قاصر وليس من منظور توفير الخدمات الأساسية للمجتمع بشكل عام بما يخدم النازح والمجتمعات المضيفة سواء في العاصمة عدن او المحافظات الأخرى التي تستقبل النازحين سواء مؤقتا او بشكل دائم حيث يتطلب تعاون وثيق بينهم والجهات المختصة بمعالجة قضايا النازحين الخ.
الدكتور عارف الداعري تحدث عن مقاربة خاطئة لعملية النزوح إذ للاسف يتم التعامل مع الموضوع من جانبه السلبي حيث ذهب البعض الى حد الاختلاق في تعداد السلبيات في الوقت الذي تم تناسي الجوانب الإيجابية، بدءاً من النظر إلى النزوح على أنه مصدر استجلاب للدعم وتسخير هذا الدعم لتأهيل الخدمات من مياه وصرف صحي وصحة وتعليم ثم تعميق أواصر العلاقات الإنسانية إلى الفوائد الاقتصادية واليد العاملة الخ إذا ما استغلت بالشكل المطلوب وخاصة في عدن على الأقل كما هو في مارب والتي استفادت من النازحين إلى حد المبالغة بسبب تنبه السلطات لأهمية استثمار هذا الملف على مختلف الصعد.
كان مدير عام مكتب التربية في عدن الأكثر حماسا لما تعانيه التربية من عدم الدقة وبالتالي المعالجة السلبية ضاربا لذلك مثالا بأن العدد الرسمي المسجل الذي وصله هو أربعة آلاف طالب نازح في الوقت الذي فيه العدد الحقيقي أكثر من 12ألف طالب نازح، ما شكل ضغطا كبيرا على المدارس الخ.. وقد رد عليه السعدي أن أعداد الطلاب النازحين في عدن والملتحقين بالتعليم يقارب هذا العدد إضافة إلى سته آلاف طالب غير ملتحقين، بالإضافة إلى الذين لم يتجرأوا على تسجيل أنفسهم نازحين نتيجة للحملات الخاطئة الفهم لآثار النزوح والتي أثرت بشكل سلبي على إحصائيات النازحين وبذلك ستؤثر على حجم ونوعية الدعم الذي ستقدمه المنظمات.
ونتيجة لاعتماد جهات مسؤولة في الدولة لأعداد مقدمة إليهم من منظمات دولية أقل من الواقع في الوقت الذي تتوفر أرقام دقيقة او أقرب الى الدقة لدى الوحدة التنفيذية للنازحين.
لم تُتْرك شاردة ولا واردة تخص الموضوع وما يقرب منه إلا وتم التطرق إليها، أعجبتني أساليب الطرح سواء أسئلة، نقد أو رأي في المعالجة كثيرا والأكثر من ذلك رحابة الصدر لدى الأستاذ نجيب في التعاطي مع ما يتوجه إليه وهو غالب الحديث.. العصف الذهني. عدى ما هو أشبه من ذلك مثل الهجرة.. من الأرياف الى المدن وخاصة إلى العاصمة عدن دون تحويل نصيبهم من ميزانيات التنمية الى عدن مما شكل ويشكل ضغطا على عدن والاستحواذ على الكثير من نصيب أهالي عدن وساكنيها من مخصصات التنمية يصل الضغط والتأثير السلبي من الصحة الى التعليم الخ وحتى المجاري الصحية التي لا تستوعب مخرجات الأعداد الهائلة المنتقلة من محافظات الريف مما أثار ظاهرة عدن للعدنيين أو ما شابه ذلك.
تصدى للإجابة على هذا الجانب الأستاذ محمد جباري بشكل مركز قائلا لمصلحة الجميع لابد من إحصاءات دقيقة للنازحين والمهاجرين غير الشرعيين والهجرة الاقتصادية أولا بأول لهؤلاء، وبالتالي تقديم نصيبهم من مخصصات التنمية في بداية كل عام جديد لإقراره ضمن مخصصات العاصمة وهكذا حتى لا يتضرر هذا ويستفيد ذاك على حساب آخر.
من الناحية العسكرية يقول كاتب هذه السطور:
هناك قاعدة إستراتيجية متبعة منذ 2500 وضعها القائد والفيلسوف الصيني سون تزو وهي: منع وحظر التنقل لأي غرض كان بين مناطق التقاتل بكل الوسائل، مع سعي كل طرف الى تسريب بكل حذر أعداد من صفه الى منطقة عدوه لتقوم بمهام جمع المعلومات عن عدوه وإفساد صفوفه بالرشاوي الخ.
منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وصدور قوانين الحرب وعديد اتفاقيات بشأن الأسرى والمدنيين تم تحديد بعض القواعد للتعامل مع المدنيين منها تنظيم النزوح من مناطق الخطر الى مناطق أقل خطرا أو آمنه عبر تحديد ممرات آمنة ومناطق تجمع ووسائل نقل يحرم على الأطراف المتقاتلة الإضرار بها واعتبار التعرض لها جرائم حرب.
هذا مالم تفهمه المليشيات الحوثية عند قصفها للمناطق الآهلة بالسكان ومنافذ وممرات النازحين مثلما حصل لقصفهم للأسر الهاربة من جحيم الحرب في مدخل ميناء التواهي ومخيمات النازحين في مارب ومساكن المدنيين في مختلف مناطق القتال ولم تزل ترتكب مثل تلك الجرائم الخ.
بالنسبة للتنقل بين مناطق المتقاتلين في الحرب طيلة ثمان سنوات وهي تجري على قدم وساق وكأن لا حرب وليست داخلية فقط بين المناطق المحررة والمحتلة من قبل المليشيات الحوثية فحسب؛ بل وبين عاصمة ومدن قائدة التحالف العربي المملكة العربية السعودية الرياض وصنعاء اللهم إن وقت السفر طال قليلا إضافة إلى عراقيل أمام المنتقلين في مناطق الداخل لا علاقة لها بأمن الحرب مثل الجبايات والتحقيقات التي تنتهي بالثمن البخس مثل حق الفذاحة في الجانبين.
كثيرة هي غرائب هذه الحرب المدمرة لكن التنقل دون ضوابط دقيقة هي أغربها. بالنسبة للنازحين فمن الضرورة إحصائهم بدقة هناك في مناطق التماس بين القوات المتقاتلة حيث تسيل الدماء بتحديد مناطق تجمع في العمق القريب تحت إشراف الأمم المتحدة ومنها إلى النقل المنظم إلى مناطق ملائمة للعيش الكريم في العمق لما فيه مصلحة النازحين أولا وكي لا تكون قضية النزوح وسيلة لإطالة أمد الحرب أو إثارة الكراهية أو للارتزاق أو ورقة حرب لدى المليشيات الحوثية تستغلها بكل لؤم.
ثبت إن كثيراً من النزوح بصوره المختلفة منها البحث عن فرص عمل في المناطق المحررة سببه هو هروب الشباب لوحدهم أو مع أسرهم من إجبار المليشيات الحوثية لهم بما فيهم القصر على الذهاب الى الموت في جبهات القتال.
كيف يمكن لنا أن نشجع هذه الظاهرة وبنفس الوقت نتجنب سلبياتها مثل أن يدس العدو أعدادا من مجنديه بينهم لجمع المعلومات والأخطر من ذلك القيام بأعمال الاغتيالات والتخريب بأشكالها المختلفة؟
وكان رد السعدي على وجهه النظر العسكرية أن ما ورد هو فعلا ما يجب وقد تطرقت إلى ذلك السياسة الوطنية لمعالجة النزوح في اليمن حيث أوضحت أن من مهام الحكومة هو التخطيط لأي نزوح قادم وهذا يتطلب التنبؤ بأي أحداث عسكرية قد تؤدي إلى نزوح. وهذا الدور يقع على وزارتي الدفاع والتي هي بحاجة تفعيل مركز الدراسات التابع لها إن وجد أو إنشاء مركز دراسات مهتم بعملية التوقعات لنشوب الحرب.
وفي حالتنا هذه هناك جهات عديدة في الدولة مهمتها معالجة الظواهر السلبية الناجمة عن الحرب اوساط المجتمع بشكل عاجل فقد بلغت آثارها حد الكارثية مثل القتل اوساط الأهل والتقطع وتجاوز الأنظمة والقوانين والنصب والبسط وتسيد الفساد بأشكاله المختلفة.
إن قلت لا أطيل عليكم فقد أطلت وإن قلت العفو من التقصير فقد قصرت فعلا. فهذا وذاك ناجم عن أهمية الموضوع وجودة ما دار من عصف ذهني مرتب بعيد عن نشوة الوريقات الخضراء. مع ذلك لا بد من القول معذرة فقد أطلت ولم أفِ الموضوع حقه لما له من أهمية.
الموضوع لأهميته وما تقترب منه من قضايا بحاجة الى المزيد والمزيد من البحث والدراسة وتعاون الجهات المعنية باهتمام كبير فكل جوانبه شديدة الأهمية من الإنسانية إلى الأمنية ومن المحلية إلى الدولية.
أعجبني ذلك النهوض الإرادي من كل الحاضرين لتوديع الأستاذ نجيب السعدي عند استئذانه للخروج المعبر عن قيم أخلاقية وذوق جمالين عاليين.
كل عام وأنتم بخير نوفمبر الميمون.
عدن
اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: بالأرقام.. تفاصيل دراسة مسحية عن أوضاع النازحين في اليمن