[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

طريق السلام في اليمن (2-2)

د. متعب بازياد يكتب عن طريق السلام في اليمن (2-2)


كان إعلان لجنة تحديد الأقاليم المشكلة من جميع ألوان الطيف السياسي اليمني في مؤتمر الحوار الوطني، تتويجاً لجهود عام كامل من الحوار والنقاش والجدل حول مستقبل النظام السياسي وشكل الدولة اليمنية، النقاش الذي كان لأبناء إقليم حضرموت-كما سمي هكذا في الإعلان ومسودة الدستور- الدور الحاسم في تحديد مساره بما يفضي لعقد اجتماعي جديد يحافظ على وحدة التراب اليمني وسيادة القرار الوطني وحماية مكتسبات الثورة ونظامها الجمهوري. وفي نفس الوقت ترسيخ مبدا عدالة تقسيم الثروة والشراكة الحقيقية في السلطة، كأهم الضمانات لاستمرار تطور النظام السياسي وبناء مؤسسات الدولة بعيدا عن دورات الصراع والحروب الأهلية التي كان الجنوح للهيمنة على السلطة والثروة باعثها الرئيس ومسعر أوارها.

كانت هيئة الحوار الوطني بأعضائها ال (562) مهيأة أكثر من أي محفل قبلها - وربما لن تتكرر- لخوض هذا النقاش السياسي والقانوني حول مستقبل الدولة اليمنية، من حيث تنوع تياراتها، سياسياً وفكرياً واجتماعياً وعسكرياً، أو من حيث هندسة لوائح مؤتمر الحوار الوطني التي غلبت عليها الحوكمة والشفافية لحد بعيد، أتاح جواً من الثقة بين الأطراف اليمنية بعيداً عن الإرهاب الفكري او التغول السلطوي أو حتى المزايدات الشعبوية.

ففي الوقت الذي تراجعت سطوة الحزب الحاكم وزعيمه خطوتين للخلف، زرعت رعاية الرئيس هادي - نائب رئيس حزب المؤتمر- للحوار الوطني ورئاسة جلساته، زرعت نوعاW من الاطمئنان لدى كوادر الحزب وقياداته التنظيمية، اطمئنان ميسر لعملية إصلاحات عميقة في بنية النظام السياسي طال انتظارها وأصبحت حاجة ماسة لبقاء الدولة وبقاء المؤتمر الشعبي العام ذاته - كتنظيم قائد - في صدارة العمل السياسي الوطني، فكانت كتيبة المؤتمر الليبرالية من بن دغر والشعيبي إلى هلال وباصره بقيادة مهندس السياسة اليمنية الدكتور الراحل عبدالكريم الإرياني، كتلة مرجحة للتوافقات التاريخية حول شكل الدولة ومستقبل النظام السياسي في أروقة وجلسات مؤتمر الحوار الوطني.

في مستهل أعمال المؤتمر كان السياسي محمد قحطان يحاول جاهداً الحفاظ على تحالف المشترك - عهدة الرفيق جار الله عمر ووصيته الأخيرة - كيما يستمر حزبا الإصلاح والإشتراكي - بشكل خاص - كتلة وطنية وازنة في التأثير لإنجاز انتقال سياسي آمن لليمن. وهو يرى استرخاء قيادتي الحزبين لما أنجزته الثورة الشعبية السلمية من إزاحة صالح عن المشهد - رسمياً على الأقل - واستسلامها لتفاعلات السيولة السياسية وتغير التحالفات وتبادل المواقع. لكنه - قحطان - قد نجح داخل الإصلاح في توسيع دائرة اتخاذ القرار للقيادات الصاعدة من المحافظات وبشكل خاص فيما يتعلق بموقف الحزب من القضية الجنوبية والحديث بشكل أوسع عن خيار الفيدرالية بديلاً للحكم المحلي واسع الصلاحيات. وفي هذا السياق، اصبحت ورقة حضرموت (الفيدرالية) أساساً لاستقطاب عابر للأحزاب والتنظيمات، راسمة خريطة وطنية تمحو خطوط وحدود الخرائط الحزبية التقليدية وحتى الجهوية والمناطقية. كانت وثيقة حضرموت الرؤية والمسار (يونيو2011) قد أضحت - مع توالي جلسات الحوار- محل توافق أوسع في كتلة المحافظات الشرقية، وطريقاً وسطاً للخروج من ثنائية الصراع وثنائية القطبين الجهوية.

لقد دفع الحزب الاشتراكي اليمني للحوار الوطني بكوادره الأكثر مراساً في المعترك الوطني، متخففاً من أحمال صراعات الماضي التي كانت محطة اللقاء المشترك قد بددت غيومها، فا(البكرين) باذيب وبارجاء والثنائي دماج - مطيع وعمه عبد الكريم - وقادري حيدر هم صفوة الانتماء الوطني وخلاصة النضج الفكري والزهد الصوفي، حراس على مسيرة كفاح الشعب وفئاته الكادحة - صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة - والوحدة. هذه النخبة ورفاقهم بمرئياتهم - المغادرة متارس الصراع التاريخي والفكري - رسموا لوحة اليمن الديمقراطي الموحد كما هو في أحلام وتطلعات ثوار أكتوبر العظيم ونوفمبر المجيد ومرئيات الحركة الوطنية منذ انطلاق الكفاح المسلح ضد الاستعمار في عدن والإمامة في صنعاء. كما كان لمغادري الاشتراكي كحزب وتنظيم سياسي - بن دغر والعيدروس والخنبشي - الدور الأبرز في تبني مشروع الفيدرالية في إقليم حضرموت خصوصاً واليمن عموما.

ولا ينسى اليمنيون وقفة الزعيم الناصري عبد الملك المخلافي شامخاً على منصة المؤتمر الرئيسية يوم اغتيال الدكتور احمد شرف الدين، ليجلي الموقف ويفسد بشهادته التاريخية شراك من باؤوا خائبين بإثم دم شهداء الحوار الوطني شرف الدين وجدبان. والقاعة تموج بالبلبلة والإشاعات والدسائس لنسف قطار مؤتمر الحوار الوطني قبيل الوصول للمحطة الأخيرة بسلام. ذلك اليوم المشهود حين فاجأ الرئيس هادي الحضور بترؤس تلك الجلسة التاريخية لإنقاذ أعمال المؤتمر.

وفي قيادة فصائل الحراك السلمي الجنوبي كان قد توالى على قيادة الكتلة الأكبر في الحوار - بعد كتلة المؤتمر الشعبي العام- الشيخ احمد فريد الصريمة واللواء محمد علي احمد ثم اللواء خالد باراس، وهم قيادات وطنية كبيرة على مستوى اليمن، ومن يشكك بحجم حضورهم في الساحة الجنوبية او تمثيلهم لمطالب الحراك الجنوبي السياسية، ينسى أو يتجاهل دورهم القيادي في مشروع الانفصال الذي أعلنه بعض قيادات الحزب الاشتراكي اليمني بزعامة البيض عشية ال 21 من مايو 94.

فالأول محافظ شبوة وقائد جبهتها العسكرية في حكومة الانفصال، والثاني وزير داخليتها، والثالث محافظ حضرموت وقيادي كبير في الحزب والجيش الجنوبي سابقاً. وحول مساهمتهم في بلورة مشروع الدولة الفيدرالية كان للأخير شرف تدشين حقبة التعددية الإقليمية بتوقيعه على وثيقة إقليم المحافظات الشرقية.

أما جماعة الحوثي فلم ينتهِ الحوار الوطني إلا وقد طويت معركتها السياسية مع تغييب رجالها المحاورين أمثال شرف الدين وجدبان صالح هبره، وانتقلت للخطة (ب) بنسج تحالفاتها الخشنة للانقضاض على مشروع التوافق الوطني الذي فشلت في نسفه من النسق السياسي.

تلك هي باختصار سردية الحوار الوطني اليمني، وقصة اختيار اليمنيين لنظام الحكم الاتحادي، وهي سيرة عطرة لساسة ومفكرين وطنيين حفظها لهم التاريخ في لحظة فارقة من تاريخ شعبهم، ولا يمكن لجهود السلام الحالية تجاوز هذا المشروع السياسي الوطني الابرز او القفز عليه، لاسترضاء نافر عن الاجماع او طامع في الاستحواذ او جاحد لنضال الحركة الوطنية اليمنية على مدى قرن ويزيد.

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: طريق السلام في اليمن (1-2)

زر الذهاب إلى الأعلى