آراء

أطفال اليمن في اليوم العالمي لضحايا الاعتداءات

فهمي الزبيري يكتب عن أطفال اليمن في اليوم العالمي لضحايا الاعتداءات من الأطفال


يحتفل العالم باليومِ العالمي لضحايا الاعتداءات من الأطفال الأبرياء 4 حزيران/ يونيو من كل عام، وتتزامن مع الذكرى الثانية لمحرقة الطفلة ليان في اليمن التي تفحم جسدها بفعل صواريخ الحوثي الإجرامية في الخامس من يونيو، في مشهد مروع تندى له الإنسانية.

يحيي العالم "اليومِ العالمي لضحايا الاعتداءات من الأطفال الأبرياء"، والذي خصصته الأمم المتحدة في عام 1982م، بهدف ضمان حصول جميع الأطفال على حقهم في الحرية والكرامة وتوفير أرضية ملائمة لهم حتى يكبروا في بيئة آمنة، والاعتراف بمعاناة الأطفال - من ضحايا سوء المعاملة البدنية والعقلية والنفسية - في جميع أنحاء العالم، ويؤكد هذا اليوم التزام الأمم المتحدة بحماية حقوق الأطفال.

الطفلة ليان في اليوم العالمي لضحايا الاعتداءات

تحل علينا الذكرى الثانية للمحرقة الارهابية التي ارتكبتها مليشيا الحوثي بصاروخ باليستي وطائرة مفخخة على محطة الوقود في حي الروضة بمحافظة مأرب في الخامس من يونيو 2021م، والتي نتج عن هذه المجزرة تفحم جسد الطفلة ليان مع والدها ومقتل 17 مدني، احترقت وتفحمت في هذه الجريمة الطفلة ليان التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها،

احترقت وهي تحتضن والدها في محاولة أخيرة للنجاة والاحتماء بأبيها كملاذ آمن, لكن آلة القتل الحوثية كانت أسرع إلى الزهرة البريئة لتختطف براءتها وأحلامها وطفولتها، وحولت جسدها الصغير الى قطعة متفحمة ولم تكن تعلم الطفلة ليان، أنه الخروج الأخير مع والدها، خرجت من المنزل  وكل أحلامها الحصول على قطعة حلوى، صورة مؤلمة شاهدها العالم وكشف مدى الحقد والسلوك الإجرامي الدموي التي تنتهجه جماعة الحوثي ضد الأطفال.

إن وحشية وإجرام الحوثي المتعمدة واستهدافه بالصواريخ على محطة الوقود لإلحاق الأذى والقتل بأكبر قدر من البشر أطفالا وكباراً رجالاَ ونساء تعدّ جريمة ضد الإنسانية وانتهاكات القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تنص على حماية المدنيين والأطفال والنساء، غير أن إجرام مليشيات الحوثي في قتل وإحراق النساء والأطفال، والتلذذ بمشاهد الدماء ستظل لعنة تلاحقهم أبد الدهر.

في اليوم العالمي لضحايا الأطفال الأبرياء, نجدها مناسبة لتذكير العالم والمجتمع الدولي بجرائم الحوثي ضد الطفولة الذي يغض الطرف عنها مع كل جريمة تقتل أطفال اليمن، وسجّل مليشيات الحوثي الأسود يزخر بمئات الاحداث والشواهد ضد ما يتعرض له الأطفال في اليمن من صنوف الانتهاكات من قتل واختطافات وتجنيد واستخدامهم في زراعة الألغام والتهجير قسري واستهداف المناطق الآهلة بالسكان بالصواريخ والأسلحة الثقيلة والطائرات المفخخة لاستهداف الأبرياء والأطفال والتجمعات السكانية ومخيمات النازحين وزراعة الألغام والتي ما تزال تتكرر حتى بعد إعلان الهدنة الأممية إلى اليوم.

الطفولة في القوانين الدولية والمحلية

اتفاقية حقوق الطفل هي الصك الخاص بحقوق الإنسان الذي حظي بأكبر عدد من التصديقات في التاريخ، وأول صك دولي ملزم قانونا يضم هذه المجموعة الكبيرة من حقوق الإنسان المدنية والسياسية فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتضمن الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل أن "تتخذ جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بالنـزاع المسلح" وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في النـزاعات المسلحة.

وصدَّق اليمن على اتفاقية حقوق الطفل في 01 مايو 1991م وتم إصدار قانون بشأنها، كما أكد الدستور اليمني النافذ الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية، وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة، وجاء في المادة (149) من قانون حقوق الطفل اليمني لسنة 2002م (تعمل الدولة اليمنية على احترام قواعد القانون الدولي المنطبق عليها في المنازعات المسلحة ذات الصلة بالطفل وحمايته من خلال “حظر حمل السلاح على الأطفال – حماية الأطفال من آثار النزاع المسلح – حماية الأطفال الذين يعانون من قضايا الثأر – عدم إشراك الأطفال إشراكاً مباشراً في الحرب – عدم تجنيد أي شخص لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة”.

وصدَّق اليمن على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة في 23 /8 /2004م والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية في 23 /8 /2004م، وعلى الاتفاقية رقم (182) بشأن خطر سوء أشكال عمل الأطفال (منظمة العمل الدولية) في 28/12/1999م وهي الاتفاقية التي تحظر، ضمن جملة أمور، التجنيد القسري أو الإجباري للأطفال لاستخدامهم في المنازعات المسلحة.

الجانب النفسي للأطفال المتضررين من الحرب

إن استمرار الحرب وخوف الأهالي من إرسال أطفالهم إلى المدارس وعمليات التهجير القسري التي تعرض لها المدنيون والأطفال، وعدم الشعور بالاستقرار وفقدان أو وفاة الآلاف من الآباء، كل ذلك أدى لانقطاع نسبة كبيرة من الأطفال عن الدراسة، وألقى على عاتقهم تحمل المزيد من الأعباء والمسؤوليات، مما أدى إلى خلق جيل متأخر تعليمياً يصعب توجيهه، لأن ضعف المستوى التعليمي والأرضية الثقافية عند الكثير من الأطفال، أدى إلى تعرضهم للاستغلال بصورٍ مختلفة، سواءً الاستغلال الجسدي من خلال إجبارهم على  الالتحاق بالقوات العسكرية، والزج بهم في معارك لا يعلمون عنها شيء، وتكليفهم بأعمال تفوق طاقاتهم الجسدية والاستغلال المادي الذي تجلى بقبولهم العمل بأسعار زهيدة جداً  وانتشار عمالة الأطفال بشكل كبير.

يعانى الأطفال في اليمن منذ بداية الحرب التي أشعلتها المليشيات، في ظل سنوات الحرب من المعاناة في الوضع النفسي، وذلك نتيجة لما يتعرضون له من مآسٍ متواصلة، وما تزال حالة من القلق النفسي منذ ذلك اندلاع الحرب وإلى اليوم لم تتشكل لدى الأهالي بما فيهم الأطفال ما يسمى “الاستقرار النفسي، والنساء هن النسبة الأكثر تخوفاً من القلق النفسي، والتي تنعكس تصرفاتهن على الأطفال وتتسبب بزيادة القلق النفسي لهم.

الوضع الصحي والغذائي للاطفال

بحسب منظمة اليونيسيف فإن أربعة من كل خمسة أطفال بحاجة ماسية للمساعدات الغذائية وأن وضع الأطفال والأسر اليمنية يزداد سوءاً، ويقدر بأن يصل عدد المحتاجين للحصول على المساعدة الإنسانية إلى 23,7 مليون نسمة (أي 72 % من السكان)، وهذا يشمل 12,9 مليون طفل.

لم تغب عن الذاكرة اليمنية جريمة مقتل 20 طفل بأدوية مغشوشة ومهربة في صنعاء، أطفال يعانون من سرطان الدم يتم حقنهم بدواء كيميائي مهرب ومنتهي الصلاحية، في وحدة علاج السرطان بمستشفى الكويت، وتضرر 25 طفلاً آخرين في العناية المركزة بمستشفيات صنعاء، ضمن سلسلة العبث والإهمال الطبي والمتاجرة بحياة وأرواح الناس وتورط قيادات حوثية نافذة في الجريمة.

تمنع مليشيا الحوثي حملات التحصين وتعتبر الأدوية واللقاحات عبارة عن منتجات من مشتقات نفطية وأنها تمثل خطراً يهدد أطفال اليمن وسموم ينبغي عدم تناولها، وتقوم بحملات على المؤسسات الصحية والتربوية للتحذير من خطورة التحصين, باعتباره سم قاتل.

وأعلنت منظمة الطفولة "اليونيسيف" في سبتمبر 2020م أن 10 أطفال في اليمن يموتون كل يوم لانعدام الرعاية الصحية والأمن الغذائي، وبحسب منظمات دولية فإن اليمن تعيش أسوأ حالة إنسانية وصحية في العالم والأطفال هم الأكثر عرضة للخطر، وتتزايد أعداد الوفيات للأطفال بمرض الحصبة بوباء شلل الأطفال والحصبة الألمانية، بسبب التحريض الممنهج بعدم تناول اللقاحات وعرقلة حملات التحصين، وأعلنت منظمة الصحة في عام 2021، أن أكثر من 175 ألف طفل في اليمن لم يتلقوا أي جرعة من اللقاحات وهؤلاء الأطفال معرضون لخطر الإصابة بأمراض مميتة ولكن يمكن الوقاية منها باللقاحات.

تقول منظمة الصحة العالمية بأن اليمن يشهد تفشيا للحصبة، ويهدد وباء شلل الأطفال أكثر من 80٪ من الأطفال الذين يعانون من الحصبة لأنهم لم يتلقوا اللقاح، وهناك حاجة ماسة إلى التلقيح في اليمن، وبحسب ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، فإن نحو 540 ألف طفل دون سن الخامسة يواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم، مع تعرضهم المباشر لخطر الوفاة، ويعاني أكثر من ثلث الأطفال في اليمن من سوء التغذية الحاد في الوقت الذي تنخفض فيه معدلات التطعيم ، فيما مئات الآلاف في حالة صحية متردية تهدّد حياتهم بسبب الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي في اليمن.

تدمير ممنهج للتعليم

تقول التقديرات الاممية إن 2.5 مليون طفل يمني خارج المدارس، والارقام قد تتجاوز هذه التقديرات لأن مليشيا الحوثي تعمل على تدمير التعليم الرسمي ليسهل لها استهداف عقول الأطفال في المدارس وتعبئتهم بأفكار خاطئة وهدامة وتغرس مفاهيم تدعو إلى العنف والقتل والتمييز العنصري،

وقامت بتحريف وتغيير المناهج الدراسية وفقاً لما يتلاءم مع معتقداتها الإرهابية، ولم يعد خافياَ على احد ما تقوم به جماعة الحوثي من غسل لعقول الطلاب والطالبات في المدارس في مختلف محافظات اليمن, وتغيير للمناهج وتحريف مسار العملية التعليمية لصالح أفكار الجماعة الضيقة التي تسهم في غرس الولاء الطائفي والسلالي والتفوق العرقي والعنصري والتي يرفضها أبناء الشعب اليمني، لأنها تعد انتهاك وتحدٍ لدستور الجمهورية اليمنية والنظام الجمهوري، ويتعارض مع القوانين الدولية التي تجرم التمييز بين مواطني الدولة وإلغاء الحق في المساواة، وينذر بمستقبل مظلم سيكتوي الجميع بنيرانه، ما لم يتداركه العقلاء والمخلصون من أبناء اليمن.

تنص المادة (28) من اتفاقية حقوق الطفل أن "لكل طفل الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم الأساسي مجانياً وأن يكون التعليم الثانوي والتعليم العالي متوفرين، وينبغي تشجيع الأطفال على الذهاب إلى المدرسة للحصول على أعلى مستوى تعليمي ممكن، وعلى المدارس احترام حقوق الأطفال وعدم ممارسة العنف بأي شكل من الأشكال.

تستغل مليشيات الحوثي الانقلابية المراكز الصيفية التي تحشد إليها الطلاب والمدارس العامة وذلك لتعبئتهم طائفياُ عبر دورات ثقافية تدعو الى التحريض والقتل والعنف، ومن ثم تجييشهم وتجنيدهم وتزويدهم بدورات ثقافية وأخرى تدريبية عسكرية لتدريب الأطفال على بعض الأسلحة لفترة قصيرة جداً لتزج بهم في جبهات القتال، وتتنوع المهام التي يقوم بها الأطفال فمنهم من يقوم بالقتال ومنهم من يقوم بحراسات أمنية ومنهم من يقوم بزرع الألغام والعبوات الناسفة، كما أن بعضهم يقوم بمهام استخباراتية أو استطلاعية.

كما تنتهك الجانب التعليمي بالتمركز في المؤسسات العامة كالمدارس والمستشفيات، وجميع المرافق الحكومية الأخرى، وتقوم باستخدام هذه المؤسسات كقواعد ومراكز عسكرية لمقاتليها، الأمر الذي يجعلها اهدافاً عسكرية، وتقوم بإفراغ هذه المؤسسات التعليمية فلا تستطيع القيام بدورها، ما يجعل الأطفال محرومين من حقهم في التعليم.

التشريد القسري للطفولة

تمعن مليشيا الحوثي في استهداف القرى والمدن ومخيمات النازحين بشكل متواصل، وتستهدف المناطق الآهلة بالسكان بمختلف الأسلحة الثقيلة ما يضطر الأسر للهجرة القسرية من منازلهم، تاركين منازلهم ومزارعهم وموطنهم الأصلي، بالرغم من بُعد المسافة الجغرافية من مناطق الاشتباكات العسكرية، لكن السلوك الاجرامي لجماعة الحوثي الارهابية في ترويع واستهداف وقتل الاطفال  والأبرياء والنساء تسبب في معاناة كبيرة كان المتضرر الأكبر منها هم الأطفال الذي يعانون من الحرمان في الخدمات الطبية والصحية والتعليمية، لاسيما في الأجواء الشتوية الباردة حيث تتضاعف المعاناة والآلام، إضافة إلى المخاطر الكبيرة التي تواجه الأطفال أثناء نزوحهم مع اسرهم .

تلجأ الكثير من الأسر التي هجرت قسرياً الى مخيمات النزوح في الصحارى والأماكن المفتوحة وبالرغم من نزوحهم ومعاناتهم إلا أن صواريخ الموت الحوثية تلاحقهم إلى مخيماتهم وأماكن نزوحهم في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحسب المعاهدات الدولية.

مراكز لحماية الطفولة

تعد مراكز حماية الطفل متنفساً أساسياً يلجأ إليه الأطفال، لا سيما في ظل الحروب والكوارث فهي تبعدهم عن مناخ الحرب والقصف والتوتر النفسي، وإعادة دمجهم في المجتمع ومُعالجة العديد من المشاكل السلوكية التي قد يعاني منها  الأطفال مثل الخجل والعنف، من خلال المشاركة في الأنشطة الترفيهية والتوعوية لمعالجة الكثير من الحالات التي قد يتعرض لها الأطفال، مثل الانقطاع عن المدرسة وعمالة الأطفال ودورها في تلبية وتأمين بعض الاحتياجات التي قد تكون عائقاً أمام استمرار الطفل في مواصلة تعليمه.

الأطفال والمساءلة وتحقيق العدالة

الأطفال يحتاجون للسلام والحماية في جميع الأوقات، وقوانين الحرب تحظر الاستهداف غير المشروع للمدنيين، والهجوم على المدارس والمستشفيات، واستخدام الأطفال وتجنيدهم واحتجازهم بصفة غير قانونية، وحرمانهم من المساعدات الإنسانية، وان غياب احترام حقوق الطفولة وتجاهل المحاسبة القانونية لمنتهكي الطفولة ضاعف من الانتهاكات، ويجب بذل المزيد من الجهود لحماية الأطفال من استهداف المليشيات، وتعزيز القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، وكفالة المساءلة عن انتهاكات حقوق الطفل والوصول إلى العدالة، وملاحقة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الجسيمة ضد الطفولة محلياً ودولياً، وإعداد قائمة سوداء وملفات قانونية تتضمن أسماء القيادات وكل المتورطين في جرائم الطفولة.

*مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة

زر الذهاب إلى الأعلى