في ذكرى وليد دماج: رفيق العمر وأحب من خلق الله
مطيع دماج يكتب في ذكرى وليد دماج: رفيق العمر وأحب من خلق الله
منذ ما يزيد عن سبعة وعشرين عام تتداعى أيامي وذاكرتي وقلبي في الفم الخرب للموت ؛ تلوكها بلا توقف انيابه المسمومة الحادة. فالموت يأتي ليقيم. ثم، لا يتركك - ربما -إلا حين يطويك ولا تعود أكثر من غصة في قلوب أحبتك وندبة في عيون ألفتك، وذكرى لا ندري نعمة هي أم عذاب؟!.. لا ندري ما القسوة أن ننسى أم أن نتذكر؟
قبل ٢٧ عام، في عتمة لم تتبدد بالفجر، في تيه الزمان الرمادي الذي يرشح كالحمض من جدران مكان تغسيل الموتى في المستشفى العسكري في صنعاء،امسكت يد وليد في يدي ونحن نعد عمي احمد، في ذروة الشباب والجمال، لرحلته الاخيرة التي امتدت من مدينة صنعاء إلى قرية الجرفات. كانت يده في يدي ونحن نعد أبي، بعدها ب ٢٢ عام، في نفس المكان والعتمة.
وبين عتمة الفجرين التي استطالت ل ٢٢ عام، وبعدها وحتى يوم ١٩ اغسطس كانت يده في يدي في سيارة الاسعاف التي حملت جثمان عمي وتلك التي حملت ابي، في لحظة الدفن : دفن احمد واحمد كانت يده في يدي..
في أيام الحزن الكثيف والقلوب الكسيرة ونحن نواري نورية ونحن نواري ياقوت.. في موت هشوم الطائر الفريد الذي مر كالحلم في أيامنا.. في موت جدتي نور بنت محسن في ١٩ اغسطس ٢٠٠٦، اليوم اللئيم..
في كل موت.. وفي كل الأيام الجميلة والصاخبة لم تفترق يدانا..في كل احوال الحياة وكل طقوس الدنيا.. في المسرة والحزن، في القوة والضعف وفي الأيام السهلة التي وددنا أن تدوم؛ حين لا شيء يأتي، لا شيء من أي نوع ؛ فينسرب العمر في الايقاع الناعم للأيام ؛ زمن التكرار العظيم والتفاصيل المتشابهة، ما يسميه الاخرون الرتابة والملل، هي أيامنا السهلة التي حلمنا أن تدوم : القليل من الخبز والصخب والمدن والاحداث، والكثير من الوقت والحلم والقلب والكلمات..
يصبح الوقت ملكنا ننفقه فيما نحب ومع من نحب.. كم مرة قلت لك يا وليد أني لا اشعر بالخوف في عالم انت فيه؟!!
اي قوة وصلابة وصدق في المحبة والود وشجاعة لا تتخلى ولا تخون.. والله اني ما عرفت الخوف في عالم انت فيه.. كنت الانس والرفيق والحامي.. أعض في كل لحظة قلبي وعيني لأني ما تعودت البوح بالمحبة مثلك ولا تخففت من الفزع من العواطف المعلنة.. انا خائف اليوم في عالم انت لست فيه، خائف ووحيد مثل لحظات الموت بدون يد في يدك..
ما عرفت احداً اخلص منك ولا اشغف منك بالحياة والجمال بالمرح والفرح بالعمل والابداع بالاصدقاء والاهل.. شغف غير محدود اباح لك جمع الاطراف النقيضة في يدك، اباح لك جعل كل الناس اصدقاءك بعد اول لقاء ومع ذلك لا تتنازل عن قيمة أو قناعة أو موقف أو قول رأي..
ما اجمل أيامك يا وليد لولا انها كانت اقل كثيرا مما يجب ومما تستحق.. كيف لي أن أقول ما اعرفه عنك وليس في أيامي ما يساعدني على تخفيف وطأة هذا الغياب.. كيف لي أن اقول لك كم أحبك وللآخرين كم كنت فريدا وبداخلي هذا القلب المجهش والكسير والروح الراعفة..
انا تائه في حزن يمنعني أن أرى أو اكتب.في وداعة الله يا اخي وليد في وداعة الله يا حبيبي ورفيقي الذي سألت الله ان يرثيني ليراني الناس بعينيه التي تغفر وتكمل وترمم ما نقص وتهدم..